من الإعلان الى التطبيق الحازم والجريء

محمد عبد الرحمن

اصدر رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة يوم ١٨ حزيران الجاري بيانا جدد فيه التأكيد على نقاط مهمة، تتعلق بأمن البلد وسلامته واستقلاله وتحقيق سيادته الكاملة وفرض هيبة الدولة .

وجاء هذا البيان في وقت حرج جدا، خاصة في ظل استمرار تصاعد التوتر في المنطقة واحتدام الصراع بين امريكا وإيران، الذي يكاد يخرج في لحظات معينة عن السيطرة، وتتجمد معه الدبلوماسية لتمارَس السياسة بطريقة اخرى، عنفية. ولا أحد يعرف كم قد يطول تعليق سيف ديموقليس هذا وتسليطه على رقاب شعوب المنطقة، بمن فيهم الشعب الايراني، التي عانت كثيرا وما زالت لعوامل وأسباب عدة.

كما انه جاء في ظروف داخلية معقدة هي الاخرى، ولا تنفصل عما يحيط من تطورات، تؤثر فيها وتتأثر بها. وفِي ذلك تبرز بنحو جليّ حالة التراشق السياسي وحراك القوى المتضارب، خصوصا مع اقتراب استحقاق الحسم للعديد من القوانين الأساسية والمهمة، واصرار الكثيرين على التمسك بالثلاثين من حزيران الجاري موعدا لحسم ملف الدرجات الخاصة، وما يتواصل في شأنه من تدافع مستتر ومفضوح في آن، فيما يتصرف البعض وكأن مؤسسات الدولة معروضة للبيع في مزاد علني، من دون اعتبار للحاجة الماسة الى استقرار عمل تلك المؤسسات وما تقدم من خدمات للمواطنين وتنهض به من واجبات في شتى مناحي الحياة ، ومن دون اكتراث البعض لمعايير الكفاءة والنزاهة والمهنية. يضاف الى ذلك وضع ملف استكمال تشكيل الحكومة على جدول العمل .

والغريب في هذا السياق ان يخرج علينا البعض مدعيا رفض المحاصصة، وهو من أسهم في تأصيلها وكان له القدح المعلى في ترسيخ دعائم الدولة العميقة، التي يحذر اليوم من قيام دولة عميقة جديدة “اقمش” منها، فيما يحرص الوطنيون الصادقون على تفكيكها تماما وعلى أسس واضحة لا لبس فيها .

ويأتي البيان ايضا فيما وقع العديد من الحوادث الأمنية، بما فيها اطلاق صواريخ كاتيوشا تكرارا على مرافق مهمة في اكثر من منطقة ومدينة. وهذا امر مقلق حقا، خصوصا وهو يحدث من ناحية بموازاة حالة التراشق التي تشهدها منطقتنا اليوم، ويشكل من جانب ثانٍ قضما لهيبة الدولة، التي اشار بيان القائد العام الى السعي لاستعادتها.

وفي هذا السياق لا يمكن الا الترحيب بما اشره البيان من توجهات حكومية سليمة، لا سيما تشديده على “منع عمل اية قوة مسلحة عراقية او غير عراقية خارج اطار القوات المسلحة العراقية او خارج امرة واشراف القائد العام للقوات المسلحة”. كذلك تشديده على “منع اية قوة مسلحة تعمل في اطار القوات المسلحة العراقية وتحت امرة القائد العام للقوات المسلحة، من ان تكون لها حركة او عمليات او مخازن او صناعات خارج معرفة وادارة وسيطرة القوات المسلحة العراقية وتحت اشراف القائد العام”.

ان هذا التوجه ينسجم تماما مع ما يطالب به العديد من القوى الحريصة على أمن العراق واستقراره، وعلى تعزيز هيبة الدولة وسلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة تمهيدا لاحتكار المؤسسات الأمنية الرسمية له. وهذا بدوره يستلزم استمرار المطالبة بتوفير متطلبات تقوية مؤسسات الجيش والشرطة والأمن، واعادة بنائها على أسس سليمة بما يضمن اداءها المهام الدستورية الحصرية المناطة بها.

وعلى رغم ان المواطن كان قد سمع بالعديد من التوجهات الواردة في البيان، وكان بعضها قد جاء على لسان مسؤولين سابقين، الا ان توقيت اعلان البيان في مقطع زمني ملتبس يحمل بحد ذاته دلالات مهمة، فيما يبقى الأهم ان يجد ما جاء فيه طريقه الى التطبيق العملي الملموس، الذي يرى بالعين المجردة. فذلك هو المعيار والحكم ووحدة القياس.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here