نظرات في كتاب: “مقالة في السفالة” للدكتور فالح مهدي الحلقة السادسة عشرة

كاظم حبيب

الحزب الشيوعي والموقف من نهج الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي

الكثير من الكتب التاريخية ذات المصداقية التي بحثت في تأثير ثورة أكتوبر الاشتراكية على حركة النضال الوطني للشعوب المستعمرة والتابعة في القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، أشارت بصواب إلى أن التأثير كان إيجابياً وملهماً بسبب الأهداف التي تضمنها إعلان الثورة حينذاك. كما إن الكتب التي بحثت في تأثير ذلك على منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما على المناطق والشعوب المجاورة لروسيا القيصرية كان أكبر وأسرع وأكثر إلهاماً. فم تخل ثورة شعب مصر عام 1919 وثورة الكرد عام 1919 وثورة العشرين عام 1920 في العراق من التأثير غير المباشر لثورة أكتوبر 1917. إذ كانت قد نشأت صلات بين بعض قادة الحركات السياسية في إيران والعراق ومصر، ومنهم الكرد أيضاً، خاصة وأن هذه الثورة كانت أحد العوامل المهمة في إنهاء الحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا والدولة العثمانية للحرب. في تلك المرحلة دخل الفكر الشيوعي إلى العراق لأول مرة من بوابة إيران، إضافة إلى بوابات مصر وسوريا وألمانيا، حيث كان حسين الرحال، الماركسي الأول في العراق، طالباً في إحدى ثانويات برلين وعاش تجربة الثورة السبارتوكية الشيوعية عام 1918 هناك. وقد تسنى له بعد رجوعه إلى العراق أن يشكل جماعة الصحيفة وأن يؤسس معهم جريدة “الصحيفة”، وأن تتشكل منها أول خلية ماركسية في العراق. في الفترة ذاتها كان هناك نشاط سياسي حيوي في البصرة مارسه يوسف سلمان يوسف، انتقل بعدها بنشاطه إلى الناصرية، حيث بدأ في نهاية العشرينات ينشط في الصحافة ولاسيما مع الحزب الوطني الذي كان يترأسه الشخصية الوطنية محمد جعفر أبو التمن. وفي الوقت ذاته شكل أول خلية ماركسية فيها وأصدر أول بيان باسم شيوعي عراقي. وفي نفس الفترة كانت هناك مجموعة أخرى في بغداد تعمل في الوجهة عينها ومستقلة عن بقية الجماعات، ومنها عاصم فليح وقاسم حسن وزكي خيري وغيرهم في تشكيل خلايا شيوعية في السنوات الأولى من العقد الرابع من القرن الماضي، وفي الوقت الذي كان هناك حراكٌ وطنيٌ ضد الانتداب البريطاني ومن ثم ضد تأثير بريطانيا على السياسة العراقية، حيث وجُد وبرز نشاط الحزب الوطني وجماعة الأهالي وهي البداية لجماعة الإصلاح الشعبي. من جماعة الشيوعيين ببغداد والناصرية تشكل تنظيم جديد أطلق عليه “جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار” في عام 1934، أي كان الاسم ذا طابع وطني عام وليس طبقياً أو شيوعيا مباشراً. في العام 1935 كانت أول محاولة لإقامة العلاقة مع الحزب الشيوعي السوفييتي والأممية الشيوعية الثالثة، تمييزا لها عن الأممية الثانية التي كانت الحركة الأم للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. والأممية الثالثة تأسست عام 1919 بناء على مبادرة لينين لضمان إسناد الثورة البولشفية على الصعيد العالمي وضد محاولات وأدها من قبل 20 دولة خاضت الحرب ضد الدولة السوفييتية الجديدة حينذاك. ألزَم مكتب الأممية الثالثة “جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار” على تغيير اسمها إلى الحزب الشيوعي العراقي، إن كان الشيوعيون يسعون للانتماء إلى الأممية الثالثة، كما ألُزم في حينها الحزب الاشتراكي المصري إلى تغيير اسمه إلى الحزب الشيوعي المصري ليقبل في الأمية الثالثة. (راجع: الأنظمة الداخلية للأممية الشيوعية، شروط الانتماء للأممية الشيوعية الثالثة، وهي (21) شرطاً، المؤتمر الثاني للأممية). تم حل الكومنترن عام 1940 بعد انسحاب الحزب الشيوعي الأمريكي منه، ثم موافقة ستالين على حل الكومنترن، أذ أيد ستالين بكتاب مؤرخ 28 مايو/أيار 1940 يقول فيه: “إنّ حل الكومنترن

صالح وموافق، لأنه يسهّل تنظيم الاقتحام المشترك بين جميع الشعوب الراغبة في الحرية الموجّه إلى العدو المشترك: الهتلرية”. (أنطون سعادة حل الكومنترن، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 62، في 01/07/1943).

كان يوسف سلمان يوسف (فهد) من المجموعة العربية التي درست في الاتحاد السوفييتي وفي المدرسة الحزبية الخاصة بدول الشرق والتي تتلمذ فيها على الماركسية-اللينينية بصيغتها الستالينية وما كانت تبشر به الحركة الشيوعية العالمية. لقد تبنت الأحزاب الشيوعية في الدول العربية ثلاث مسائل لتكافح من أجلها:

1. النضال ضد الاستعمار لا من منطلق الاتحاد السوفييتي، بل من منطلق الحركات الوطنية في الدول العربية التي كانت قد بدأت قبل بدء تأثير الاتحاد السوفييتي. وهذا مهم، ويتجلى في خطاب الأحزاب الشيوعية والنظم الداخلية في الدول العربية حينذاك.

2. النضال من أجل مصالح الشعوب في الدول العربية، منها قضايا التصنيع وتنمية الزراعة وضد البطالة ومن أجل الحريات العامة والنقابات…إلخ، وهو خطاب سليم ايضاً ولم يكن متطرفاً.

3. الدفاع عن الاتحاد السوفييتي والتبشير بالفكر الشيوعي الأممي، وفق مقاسات الاتحاد السوفييتي ولاسيما ستالين، والذي تجلى اغترابه عن الواقع العربي.

ويمكن أن نتبين ذلك في نضال وممارسات الحزب الشيوعي العراقي بصدد هذه المهمات الثلاث، كما برز البند الثالث من هذه المهمات في كراس فهد الموسوم “حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية”، إذ كان بعيداً عن واقع العراق وعن الصراعات التي كانت تدور في الحزب الشيوعي العراقي.

ورغم حل الكومنترن في العام 1940 إلا إن مركز الحركة الشيوعية ومؤتمراتها الدولية تحول إلى الحزب الشيوعي السوفييتي، وأصبح هو المنار للأحزاب الشيوعية والمركز الفعلي للحركة الشيوعية العالمية بالنسبة لأغلب الأحزاب الشيوعية طيلة الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حتى سقوط الاتحاد السوفييتي. لقد كان للحزب الشيوعي السوفييتي تأثير كبير على مواقف الأحزاب الشيوعية الإقليمية والدولية والعمالية، وأحياناً غير قليلة المواقف المحلية أيضاً. لقد كان هذا الموقف أخلالاً فعلياً باستقلالية الأحزاب الشيوعية في الدول المختلفة، ولاسيما تلك التي كانت توافق على القبول بذلك، وكان بالإمكان رفض تلك المواقف، إذ ليس هناك من اتفاق يلزمها بعد حل الكومنترن، ولكن المشكلة كانت تثار ضد هذا الحزب أو ذاك واتهامه بالتحريفية أو غير ذلك عند نشوب أي خلاف أو اختلاف مع الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي. وهناك الكثير من الأمثلة ابتداءً من تيتو في يوغسلافيا ومروراً بماو تسي توتغ في الصين الشعبية وانتهاءً بالشيوعية الأوروبية.

المشكلة لم تكن في الحزب الشيوعي السوفييتي من حيث المبدأ، بل بالأحزاب الشيوعية في بلدان العالم التي كانت توافق على ما يقترحه السوفييت من سياسات ومواقف. لم يكن الحزب الشيوعي السوفييتي قادراً على فرض رأيه على أي حزب، بل كان يقدم استشارات في السنوات التي أعقبت المؤتمر الـ 21 للحزب الشيوعي السوفييتي، وكان الموقف التضامني، كما كان يفهم هذا التضامن حينذاك، هو الذي يدفع بقبول رأي السوفييت. وهو خلل لأن الاتحاد السوفييتي دولة كبرى ولها مصالح دولية تفرض عليها سياسات معينة لا تتناغم بالضرورة مع الرأي والمصالح الوطنية لهذا الحزب أو ذاك، فالقراءة السياسية للأحداث والوقائع والمنظور يختلف. من هنا اعتقد بأن النقد الذي يوجه لهذه العلاقة سليم. لم تكن هذه العلاقة قائمة على أساس العمالة، التي أرفضها قطعاً، بل من منطلق الأهداف المشتركة والتضامن والفهم الخاطئ له،

فالتضامن لا يعني القبول بالرأي الآخر حصرا، بل لا بد من أن يؤخذ الرأي الوطني أو المحلي أساساً. يمكن هنا أن أورد مثالين لتوضيح الموقف:

المثال الأول: السياسة التي أطلق عليها بخط آب عام 1964.

في حينها توصل العلماء السوفييت، ومعهم قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية إلى قناعة بوجود إمكانية انتقال الدول النامية بقيادة الفئات “الثورية!” من البرجوازية الصغيرة التي تصل إلى السلطة إلى الاشتراكية عبر الطريق الذي أطلق عليه طريق التطور “اللارأسمالي”. وقد أطلق على عدد من الدول في النصف الأول من العقد السابع مثل هذا التشخيص الخاطئ، منها مصر وأثيوبيا والصومال وسوريا والجزائر… الخ. وحين تم إسقاط نظام البعث في بغداد على أيدي شركائه البعثيين من القوميين، تبنت الجماعة القومية الناصرية في العراق “الاشتراكية العربية” اسماً وأسست حزباً مماثلاً لحزب الاتحاد الاشتراكي في مصر، وأممت بعض المشاريع الاقتصادية التابعة للقطاع الخاص المحلي في العراق. وبذلك أساءت للاقتصاد العراقي والقطاع الخاص فعلياً. وفي هذا الإجراء الشكلي غير السليم اعتبر السوفييت أن العراق يسير على طريق مصر وأنه يمكن أن يسير صوب طريق التطور اللارأسمالي. وقد تبنى المؤتمر الدولي الذي عقد في موسكو هذا الخط الجديد للتطور اللارأسمالي، وكان الحزب الشيوعي العراقي مشاركاً في هذا المؤتمر وتبنى معها هذا الخط وتجلى في اجتماع اللجنة المركزية الذي عقد في براغ عام 1964. وكانت هناك مجموعة من قيادة الحزب في بغداد التي أيدت ذلك واقترحت انتساب الشيوعيين للاتحاد الاشتراكي في العراق، كما حصل للحزب الشيوعي في مصر عام 1964، إذ أعلن عن حل نفسه وانتساب الشيوعيين المصريين للاتحاد الاشتراكي. إلا إن خط آب لم يستمر طويلاً فقد انتفض الشيوعيون على هذا الخط اليميني، وأُلزمت قيادة الحزب على تغييره بخط آخر وبسرعة في اجتماع نيسان 1965، الذي أقر العمل الحاسم، أي العمل والتهيئة لانقلاب عسكري ضد الحكم القائم، ثم أقر هذا الخط الجديد في كونفرنس الحزب الثالث عام 1967. لم أكن حاضراً في اجتماع اللجنة المركزية عام 1964، ولكن الكراس الذي صدر عن الرفيقين زكي خير وعزيز الحاج في عام 1965، أشار إلى تفاصيل ومضمون خط آب اليميني. وفي أيلول عام 1967 عمد عزيز الحاج ومجموعة من رفاق منطقة بغداد إلى إعلان الانشقاق عن الحزب وتشكيل التنظيم الذي أطلق عليه “القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي”، رغم إن الحزب كان قد غيرّ نهجه السياسي ولكنهم كانوا يتحدثون بأن الحزب غير جاد في موضوع العمل الحاسم.

نعم كان هناك تأثير سوفيتي أحياناً بشكل مباشر وأحياناً بصورة غير مباشرة على بعض المواقف المهمة للحزب الشيوعي العراقي، ولاسيما تلك التي تمس الأوضاع الدولية والإقليمية، وبعض القضايا المهمة الداخلية، مثل الموقف من نظام حكم عبد السلام محمد عارف، أو فيما بعد، الموقف من حزب البعث العربي الاشتراكي والتحالف معه.

المثال الثاني: الموقف من الحزب الشيوعي الصيني

نشب خلاف فكري وسياسي بين الحزب الشيوعي السوفييتي بقيادة نيكيتا خروتشوف والحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ حول الموقف من ستالين وعبادة الفرد وإدانة أعمال ستالين في المؤتمر العشرين وفيما بعد. وفي حينها اتخذت الأحزاب الشيوعية والعمالية المرتبطة بالأممية الثالثة، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، موقفاً ضد الصين واعتبرت الحزب الشيوعي الصيني منحرفاً عن الخط الماركسي اللينيني. وقد التزم الحزب الشيوعي العراقي بهذا الخط بسبب الموقف الدولي للحركة الشيوعية العالمية، وليس بسبب قناعات خاصة لدى الحزب الشيوعي العراقي، ونفس الموقف اتخذه الحزب بصدد

الشيوعية الأوروبية وإدانتها باعتبارها رؤية تحريفية للماركسية-اللينينية، والتي التزم بها الثلاثي سانتياغو ماريجو ومارشيه وبيرلينغير، قادة الأحزاب الشيوعي في اسبانيا وفرنسا وإيطاليا، الذين أعلنوا تبنيهم مبادئ الشيوعية-الأوروبية في مدريد آذار 1977. في حين لم يكن مناسباً أن يتخذ الحزب الشيوعي العراقي هذا الموقف، بسبب الحق المطلق لكل حزب شيوعي أن يتخذ النهج الذي يراه مناسباً في سياساته الداخلية وإزاء القضايا الإقليمية والدولية.

إن المشكلة الأساسية التي عانت منها الأحزاب الشيوعية والعمالية تكمن في الواقع، وخلال وجود الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي السوفييتي، في خمس مسائل جوهرية:

1. إن الحزب الشيوعي السوفييتي قد “روسن” النظرية الماركسية وعلى مقاس الدولة السوفييتية ومصالحها على الصعيد الدولي، وبالتالي فأن استلهام الأحزاب الشيوعية الأخرى من تلك “الروسنة” للماركسية قد أضرت بالأحزاب الشيوعية والعمالية كثيراً.

2. كما أن وجود مركز للحركة الشيوعية العالمية قبل ذاك (الكومنترن) وتحول المركز عملياً إلى الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، واتكال الأحزاب الشيوعية والعمالية على تحليلاته وتقديراته للأوضاع الدولية والإقليمية وأحياناً كثيرة لقضايا المحلية، قد عطَّل القدرة الفكرية والتحليلية للأحزاب الشيوعية والعمالية، ولاسيما في الدول النامية التي لم تكن قد توفرت لها الفرصة لدراسة وفهم الماركسية باعتبارها نظرية هادية ومنهج للدراسة والتحليل وليست نظرية جامدة أو روسية.

3. ثم الحق ضرراً باستقلالية الأحزاب الشيوعية والعمالية وقدرتها في رسم سياساتها المستقلة على الصعد الدولية والإقليمية بشكل خاص والمحلية بالدرجة الثانية.

4. وقد أدى هذا بدوره إلى نشوب صراعات داخل كل حزب بسبب التباين في وجهات النظر إزاء مواقف الاتحاد السوفييتي أو اعتبار تبيان وجهات نظر أخرى في هذه الأحزاب مخالفة للحزب الشيوعي السوفييتي وكأنها رؤى انتهازية وتحريفية أو ماوية وتروتسكية …الخ. وقد تجلى هذا بوضوح في صراعات الحزب الداخلية في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن العشرين وصدور كراس فهد “حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية”، والذي لم يكن يعالج إشكاليات فعلية عراقية بقدر ما يعيد ما كتبه ستالين بهذا الصدد ولم يكن يتناغم مع مستوى تطور البلاد والقوى السياسية والحزب الشيوعي العراقي.

5. وقد برزت في نهاية السبعينيات والثمانينيات كلها أزمة فعلية في الحركة الشيوعية العالمية، قيل إنها أزمة في الفكر الماركسي، في حين إن الأزمة لم تكن في الفكر الماركسي أو النظرية الماركسية أو منهجها العلمي، بل في الفهم والتطبيق الخاطئ للقوانين الاقتصادية الموضوعية، أزمة الفهم والتطبيق الخاطئين للماركسية في الاتحاد السوفييتي وبقية الدول الاشتراكية والأحزاب الشيوعية والعمالية التي سارت على نهج الاتحاد السوفييتي. فماركس لم يكتب كيف تبنى الاشتراكية، بل حلل النظام الرأسمالي وانتقده وشخص ضرورة تغيير العالم، ولكنه لم يضع وصفة لبناء الاشتراكية، وليس من عبقريته بمكان أن يضع ماركس مثل هذه الوصفة للشعوب لمراحل لاحقة.

منذ سقوط الاتحاد السوفييتي والزلزال الذي أحدثه في الحركة الشيوعية والعمالية العالمية وفي عموم اليسار العالمي والعالم قد خف تدريجياً، رغم إن بعض القوى في الأحزاب الشيوعية والعمالية التي لم تهضم حتى الآن أسباب انهيار

الاتحاد السوفييتي والأزمة التي عانت منها الحركة الشيوعية العالمية وليس النظرية الماركسية غير المسؤولة عن التطبيقات السيئة للفكر الماركسي في البلدان الاشتراكية التي كانت قائمة في الواقع. ولكن هناك قوى وأحزاباً شيوعية وعمالية تعلمت من تجاربها الماضية وتسعى لتبرهن على قدرتها في استخدام النظرية الماركسية في تحليل أوضاعها الداخلية والوضع الإقليمي والدولي الذي يحيط بها وبدولها، ولكن ما يزال هناك عجز في المعرفة الواعية للمنهج المادي الديالكتيكي في التحليل، وهو نتاج ضعف المعرفة بهذا المنهج والتطورات التي أدخلها التكنيك الحديث والاكتشافات ..الخ عليه أولاً، ووعي الواقع القائم ومستلزمات فهمه وتحليله في هذا البلد أو ذاك ثانياً، وتشخيص الاستراتيج والتكتيكات الضرورية والقوى التي يستوجب العمل والتحالف معها ثالثاً. وفي هذه المسألة تختلف الرؤى والمواقف والحلول، وليس هذا بأمر غريب.

انتهت الحلقة السادسة عشرة وستليها الحلقة السابعة عشرة

تعليق على تعليق: هل العيب في الماركسية أم في التطبيق

علق أخ فاضل على مقال لي (الحلقة 16 بعنوان ” الحزب الشيوعي والموقف من نهج الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي” من نظرات في كتاب “مقالة في السفالة: نقد حاضر العراق” حول عيب التطبيق للفكر الماركسي في الدول الاشتراكية على موقع الحوار المتمدن، ولغرض تعميم الفائدة وإثارة النقاش أنشر تعليقه وتعليقي على تعليقه في موقعي على الفيسبوك.

بقلم متابع، العدد: 795750 – العلة في الماركسية

كيف لا تكون العلة في الماركسية وان جميع الدول الماركسية بلا استثناء فشلت وان الحركة الشيوعية العالمية اضمحلت واحزاب شيوعية كبرى في فرنسا وايطاليا انقرضت, أهذا كله عيب في التطبيق. كلا ان الماركسية فكرة خاطئة وفاشلة وقد تخلى عنها اليسار الغربي منذ عقود ولم تبق الا في الاوساط المتخلفة بحكم عاطفة الانتماء اعاقت الماركسية لعقود عديدة النضال من اجل الديمقراطية والامر واضح في العراق كل ذوي الايديولوجيات المغلقة وهي تفشل يبرئون الايديولوجية ويعيبون على التطبيق , فنسمع نفس التبريرات من الماركسيين والقوميين والاسلاميين, فقط ذوي الفكر الحر لا يحتاجون لهذا التبرير لان المجتمع بنظرهم مفتوح للتطور باتجاهات مختلفة ولا توجد غاية نهائية للتطور القوة الدافعة للتطور الاكتشافات العلمية التكنلوجية ودر المثقفين وليس العمال والفلاحين فهذه قوى بسيطة الوعي لابد من نبذ الماركسية والتحول ليسار ليبرالي شكرا للكاتب المحترم وشكرا للحوار المتمدن

انتهى التعليق، والآن تعليقي، كاظم حبيب

أخي الفاضل المتابع، تحية طيبة

نعم أكرر وأؤكد بأن النظرية الماركسية ليست المسؤولة عن الأخطاء التي ارتكبت في الدول الاشتراكية بل السياسات الاقتصادية التي لم تحترم القوانين الاقتصادية الموضوعية أو تجاوزت عليها بشتى الطرق، أو عدم فهم الماركسية ومنهجها المادي الديالكتيكي والتي قادت أيضاً إلى الإخلال بالكثير من الأسس المبدئية، ومنها مبدأ العدالة الاجتماعية، الذي مارسته بحدود معينة في البداية ولكن أصيب بالخلل فيما بعد لصالح البيروقراطية الحزبية والحكومية.

الماركسية نظرية هادية وليست جامدة، وبالتالي يفترض أن نعي بأن المهم في الماركسية هو منهجها المادي الديالكتيكي الذي يفترض الاستفادة منه في دراسة الواقع القائم في كل بلد من البلدان وتحليله بهدف الوصول إلى تحديد الاستراتيجيات والتكتيكات الضرورية في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية…الخ. لم يتخل اليسار الغربي عن الماركسية، بل يسعى لفهمها أكثر وتطوير المنهج المادي ذاته والابتعاد عن الأخطاء التي ارتكبت في الواقع العملي والتخلي عن بعض الطروحات التي لم تكن ملائمة للواقع الراهن. ماركس لم يدرس الاشتراكية، بل درس الرأسمالية والمجتمع الرأسمالي والنظام الرأسمالي وحللها بعمق عبقري، وبالتالي فالرأسماليون الحاليون يدرسون رأس المال للاستفادة منه لصالحهم. وما على الماركسيين إلا دراسة هذا

السفر الجليل والمنهج الذي اتبع في دراسة الرأسمالية لدراسة الواقع الراهن وتحليله والوصول إلى ما ينبغي عمله لصالح المجتمع ولاسيما الفئات الكادحة والمُستغلة والمضطهدة، سواء في الدول الرأسمالية أم في الدول النامية.

الرأسمالية قدمت خدمات كبيرة في مجال العلوم والتقنية والاكتشافات العلمية وهذا صحيح، ولكن النظام الذي أنتجته سخرها لخدمة أصحاب رؤوس الأموال وليس لصالح مجتمعاتهم. وهنا تكمن الكارثة. ان النظام الرأسمالي هو الذي يستغل الإنسان بأبشع ما يمكن. عليك أخي الفاضل الاطلاع على المعلومات التي تحصل في عالمنا. هناك حفنة صغيرة من رأسماليي العالم يحتكرون الجزء الأعظم من الناتج المحلي الإجمالي، من الدخل القومي السنوي على الصعيد العالمي، هناك 85 شخصاً من أغنى مليارديري العالم يملكون ثروة تعادل ما يملكه 4,5 مليار إنسان في العالم، أي أن 85 شخصاً فقط يملكون ما نسبته 60% من مجموع ثروة العالم وهم لا يشكلون نسبة تذكر في إجمالي عدد سكان الأرض.

مرة أخرى أحترم رأيك، ولكن لا اتفق معك بشأن الموقف من الماركسية ومن اللبرالية التي لا تعني سوى الرأسمالية التي تعني استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. وشكراً لإثارتك النقاش. مع الود، كاظم حبيب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here