أيران على صفحيح ساخن !

لا نعرف بالضبط لماذا لا يتحدث أحد عن الدور الروسي في الحرب المتحمتله بين أيران وأمريكا وحلفاءها ، فلقد صرح الجبير بأن أمريكا حليفتهم ولا يمكن تركتها تخوض الحرب لوحدها ، فأمريكا ستدخل الحرب إذا نشبت مع حلفاءها ، في حين تعد أيران في مواقف كثيرة حليفة روسيا ، ولكن لا نرى احد يشير لهذه الواقعة ، ولا حتى الروس أنفسهم ، فهم يطالبوا فقط بعدم تفاقم الوضع وعدم التصعيد ، ولكن ليس هناك موقف واضح مما يجري ، وماذا على روسيا أن تفعل في حالة نشوب حرب ! فمن أين ينبع هذا الصمت عن غياب الموقف المحدد والغموض في موقف روسيا من تهديد أمريكا بلحرب ؟ فالمعروف عن روسيا دفاعها عن حلفاءها ، على الأقل بالكلام ولهجة الشديدة ، ولكن نراهها ، مع أيران ، وهي الدولة القريبة منها والتي تربطها معها عدة روابط منها حدودية ، وخاضت حرب معها في سوريا ، تكفي في الدعوة فقط بعدم التصعيد . وكأن أيران دولة غريبة عنها وبعيدة جداً، بعكس فنزولا مثلاً ، التي هي بعيدة عنها كثيراً ، ولكن مدتها بجنود وضابط وقاعدة عسكرية رغم بعدها شاسع عنها ، والتي ليس لها رفقة سلاح معها ، فهل هناك سر ، في هذه المواجهة ؟ لأن لو شددت روسيا من موقفها وأظهرت حسم أكبر ، وأنها سوف تقف بجانب أيران ، لخفت لهجة أمريكا ضد أيران ولما أظهرت هذا الغرور والتعنت أزاء أيران ، غير أن موقف روسيا البارد ولا مبالي يساهم بشدة الموقف الامريكي من أيران . ولذلك تجعل المرء يبحث عن سبب أو أسباب وراء هذا التساهل مع أمريكا . وإذا حقيقة ، بحثنا ، فقد نجد عدة أسباب ، أو ما يخيل لنا هي الأسباب الحقيقة ، التي تكمن وراء ما يبدو صمت . وهذه الأسباب، ، يمكن أن نسمي بعضهم أسباب قوية ، وآخرى ضعيف ، ومن الأسباب الضعيفة التي تجعل روسيا تنئ بنفسها عن أيران ، فمعروف أن روسيا هي البجعة السوداآ للأوربا وأمريكا ، وأيران ، هي البجعة السوداء للشرق الأوسط ، فكلاهما ، يضاعفان من كراهيتهما إذا اجتمعا معاً ، فهما يزيدان الطين بلة إذا أيد احداهما الآخر ، ولذلك ، تجد كل واحد منهم ينئ بنفسه عن صاحبه عفوياً وغريزاً في الظروف الصعبة حتى لا يفاقما الأزمة ، فأول ، شيء يفعلاه ، في مثل هذه الحالة ، هو براءة أحداهما من صاحبه ، بنتظار ما تسفر عن الأحداث . ولعل سبب آخر يمكن أن يضاف إلى الأسباب الضعيفة ، في عدم ، تحديد روسيا مواقف واضح وثابت من نية أعلان حرب ضد أيران ، هو خوف روسيا ، أن يزيد هذه الموقف تصلب أيران من التفاوض مع أمريكا ويزيد من غطرستها وتعنتها وفي فرض موقف محدد على المجتمع الدولي ، فروسيا ، فيما يبدو , تريد ترك أيرأن لوحدها لترى ماذا تفعل ، وحتى لا يقال في التالي ، بأن دخول الروس على خط الأزمة هو الذي منع الحل ، وفاقم الأزمة . ومن الأسباب الآخر ، التي تجعل روسيا تتردد ، في أعلن موقف صريح ، هي أن بات لروسيا علاقات قوية بدول الخليج ، أقتصادية وسياسية ، وهذه العلاقة أنتظرتها روسيا طويلاً ، ولا تريد أن تضحي بها في سبيل أيران المتغطرسة ، والباحث هي الأخرى عن موضع سيادة أقتصادية وسياسية في هذه المنطقة ، والذي جعل السعودية تضرب عليها حصار بقامت علاقة مع دول تلك المنطقة ، بفعل هيمنة السعودية عليهم . هذه هي ، لربما أبرز الأسباب الضعيفة ، التي يمكننا أخذها في الحسبان ، ونحن ، نتوقع من روسيا موقف محدد وثابت ضد ، ما قد يكون هناك نية حرب تبيت ضد أيران . فروسيا اليوم ، هي ليس الأتحاد السوفيتي ، القديمة ، الذي كان ملأذ أمن لكل من يخشئ بطش الولايات المتحدة . فقد أعلنتها روسيا الحديثة ، روسيا بوتين ،أن هذا الزمان ولى ، ولم يعد هناك حب من طرف واحد ، كما كان في زمن السوفيت ، حيث كانت تلك الدول المغضوب عليها من طرف أمريكا تتدله بحب الاتحاد السوفيت ، وتقسم اغلظ الأيمان أنها معه في السراء والضراء ، ولكنها ، تركله ، وتقلب له ظهر المجن عند أول مغازلة من أمريكا ، وتسحب كل وعودها للسوفيت . هكذا ، كان حال ، أكثر العلاقات الدول العربية ، مع الأتحاد السوفيتي ، بداً بمصر والعراق ، والسودان ، ودول أفريقية آخرى ، وغيرهم . هذه الحب من طرف واحد ، هو ما وضع بوتين حد له ، فهو لا يريد أن يضحي بمصالح روسيا الحديثة ، على علاقات عابرة وهشه . ولعل ، الروس ينظرون ، إلى العلاقة مع أيران من هذا المنظور، فما جمع أيران وروسيا الآن هو طرف عابر ، وليس حلف دائم . فأيران ، لها أيدلوجيتها ، وتوجها ، الذي ، قد يتقاطع في المستقبل القريب مع ما تطمح له روسيا . ولو بعد ، هذا رجعنا ، وبحثنا عن السبب الأقوى ، أو الأسباب الخفية ، التي تمكن خلف برودة موقف روسيا ، وترددها ، في أعلان موقف حازم ، وواضح ومحدد من الأزمة الحالية . فقد ، يكون ، هناك سبب قوي جداً ، يحول دون أتخاذ روسيا موقف صريح . وهذا السبب ، يبدو طافي على السطح ، ولكن ، مع ذلك قلما يشار أليه . لأن الكل يأمل ، بأن تحافظ روسيا على موقفها الصامت ، دون التذكير، بهذا السبب ، الذي قد يبدو يجرح كبرياء روسيا . لكون روسيا ، كانت دائماً عند حسن ظن أصدقاءها فيها . فلقد فرضت ظروف الحرب على الأرهاب أن تدخل روسيا في علاقة شراكة بهذه الحرب ، مع أيران ، لأن الأرهاب يمس أمن البلدين ، وتعمقت تلك الشراكة ، مع دخول روسيا لسوريا ومحارب الأرهاب ، فقدمت عون كبير لكلا من أيران وسوريا وختصرت لهم الطريق ، وكذلك ، ثبتت أقدام أيران في سوريا . وأصبحت أيران ذات نفوذ بهذه المنطقة . ومع مر الأيام ، زداد نفوذ أيران فيها، وتعاظم وجودها ، حتى ، غدا وجودها يقلق الكثير في المنطقة ، وخصوصاً أسرائيل وسعودية ، وكل الدول الحليفة لهم . ومن هنا ، وبعد هذا المشوار من الأنسجام والعمل معاً ، فأن دياليتكيتك الأحداث ، الذي ، قلما يأخذه السياسين في الأعتبار ، قد يقلب الأحلاف إلى أضداد . فأيران البجعة السوداء في المنطقة ، أصبحت ثقل كبير على روسيا وسوريا ، في أن معاً ، وأصبحت تقف في طريق الحل ، فمع وجود أيران ، بات كل حل سلمي حديث خرافة ، لأن مجرد وجودها ، يثير الفزع بدول المنطقة ، والحل بالحرب وقوة السلاح لا تقدر عليه أيران لوحدها ، وكذلك ، غدا الحسم العسكري ، يهدد ، أو يكلف روسيا الكثير من أصدقها و، وخصوصاً ، تركيا ، وأسرائيل ، ويعكر علاقتها مع أمريكاً كثيراً ، والتي تطمع في تحسينها في فترة ترامب . لذلك بات وجود أيران في سوريا معضلة كبيرة للروس ، ولا توجد هناك طريقة للإخراج أيران من سوريا إلا بهدم المعبد على رأس الكل . وبما أن جعبة الأيام لا تخلو من الفرص النادرة ، التي تقدم على طبقة من ذهب وفِي الوقت المناسب ، فقد حان الوقت ، للخروج أيران من سوريا وهي صاغره ، بالتهديد بالحرب ، وما على الروس ، سوى انتهاز الفرص ، التي لا يجود بها الزمن سوى خلسه ، وبشكل عابر. فقد حان للوقت أن يتركو أيران لوحدها مع الوحش الأمريكا ، الذي ، يعرف تماماً ، ما قد يجول في رأس الروس من خطط ، لأنهاء النزاع في سوريا بشكل مشرف . فالأمريكان ، يعرفون ، بأن أيران ، هي وحدها من تقف ، في سبيل حل هل القضية السورية . فهي بعد أن كانت عامل مساعد في دحر الأرهاب ، تحولت لعقبة بوجه الحل . وفِي لفته عجيبه ، من مكر تاريخي قل نظيره ، تلتقي مصالح أمريكا ، وروسيا ، وبغير أرادة منهما ، في تحجيم أيران وابعادها عن سوريا لكي تنفس المنطقة الصعداء . فالقضاء على الأرهاب ، بعد أن تم سحقه ، في مناطق كثيرة من سوريا ، ما عاد يحتاج جهود أيران في القضاء عليه ، وأنما فقط يحتاج خروجها . ولكن ، بيد أن وجود أيران في سوريا ، صار ، مثل المسمار في الخشبة ، يحتاج لجهد لقتلاعها ، وهذه الحرب المعلن عنها، والتي لم يآن إوانها بعد ، والتي ، تبدو ، تنتظر ولاية ترامب الثانية على اكثر أحتمال ، وضعت أيران على صفيح ساخن ، بنتظار أن تستوي في ولاية ترامب القادمة ، لكي ، تجبر أيران على الأقل مغادرة سوريا . فبخروج أيران من سوريا يصفو الجو ، ولا يعود هناك من يعكره في عودة علاقة طبيعية مع سوريا سوى كانت مع العرب ، أو دول العالم ، لأن رسخ في أذهان الكل واجب خروج أيران ، قبل أن تكون هناك علاقة طبيعة مع سوريا . وهذا الحل ، فيما نرى ، قد ، ردده ، في الحقيقة الكثير ، من قادة دول الخليج واأمريكا وغيرهم ، ولكنه ، في ذلك الوقت كانت يقع على أذن صماء ، وينظر على أنه من المستحيلات ، أن تخرج أيران من طوع نفسها وتفرط بكل ما بذلته . والآن يبدو حان الوقت لتفهم أيران الرسالة المرة ، التي ينتظر منها العالم أن تفهمها ، فهي ليس مطالبة ، بوقف برنامجها النووي بالدرجة الأول ، ولا وقف دعم الحوثيين ، أو وحزب الله ، وإنما في الأساس الخروج من سوريا، فأسرائيل يقلقها هذا الوجود أكثر من السلاح النووي ، لكون هذا الوجود يجعلها على تماس معها للأبد ، ومرشح ، أن يتحول لنزاع في لحظة ، ولو أن أيران طورت برنامج الذري ، بعيداً عنها ، فأنه لا يثير حفيظتها ، كما لا يزعجها ، مثلاً ، نووي باكستان . فكل هذه الضجة ، يراد منها في الأساس ، وعلى وجه التحديد ، خراج أيران من سوريا ، وأن تجد ، لها مكان في اليمن أو العراق فهذا لا يقلق أسرائيل والغرب وأمريكا كثيراً ، ولكن ، لتكن ، أولاً ، بعيدة عن أسرائيل ، فهذا ، ما على أيران أن تفهمه ، من خلف هذه الضجة ! ولعل من النقاط الآخرى الخطرة والعميقة التي تكمن وراء الصمت الروسي ، في تعاطيه مع الموقف من الحرب المُحتملة ، والتي من وجهة نظر البعض بعيدة عن التفكير الروسي ، ونهجهم في التعامل مع الشأن الدولي ، هو أن يبدو أن هناك ، صفقة أمريكية – روسية ، تفسر هذه البرود ولا مبالاة بما يعد للأيران ، فزيارة بومبيدو التي سبقت هذه التوتر ، وضعت الخطوط لتلك الصفقة ، كما يخمن البعض . ويمكن القول ، أن أيران ستخوض الحرب لوحدها ، فروسيا ، تتطلع لنيل الرضى الأمريكي ، وهي بحاجة له في موافق كثير ، وأهم لديها من أيران . فأيران ليس هي الطريق والوسيلة لدخول السوق العالمية بشكل مؤثر . لذا يبدو يرحبون بأي صفقة ، خصوصاً ، إذا كانت هذه الصفقه مجرد غض النظر ، والوقف بعيداً عن ساحة المعركة . فالروس ، يدركون مدى فائدة الحرب على أيران ، فهي ، على الأقل ، سوف تجبرهم على الأنسحاب من سوريا ، بعد أن غدت عقبة كبيرة بطريق الحل . لذا فالروس مهئين لأي صفقة ، قد لا نرى ملامحها إلا بعد الحرب ، أو في رضوخ أيران للشروط أمريكا .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here