محطة رقم 2 الفرزة الرابعة

وفي بيت جاني كانتْ أمّي تتأذّى من القطط التي تزورنا ليلاً خاصةً في وقت الصيف

حيث ننام في السطح وتبقى القطط تلعب في داخل المنزل وأسوء ما كانت تعمله

هو أنّها تـخـرأُ على المنادر والفـراش وحتّى عـقال أبي وإشـماغه لم يـسـلـما، مـما دفـع

بأمّي أن تـسـتـشـرع في قـتـلها من بيت الشيخ هادي الاسدي وكان الجواب هو جواز

[ قتلها أو ضربها بشدّة ] لأنها حيوانات مؤذيه وفي ضوء هذه الفتوى عملتْ أمّــي

كمائن للقطط وشاركتُها في عمل هذه الكمائن ويكون الكمين كالاتي : بعد دخول

القطة الى صحن الدار تقوم أمّي بالوقوف خلف باب الدار المؤدي الى الشارع وأقـوم

أنا بطرد القطّة بحيث لا أدعها تخرج إلّا من الباب وبعد ذلك لا تجـد القطة مـنـفـذاً إلّا

باب المنزل الرئـيـسي وفي إجـتـيازها تـغـلق أُمّـي صُـفّـاقـة الـبـاب على القطّة وتـصبح رهن

صُفّـاقـتي الباب وأبدأ بعـملي وهو الضربُ ضرباً مُـبـرِّحاً الى أن تُعطيني أمّي إشـارة التوقف

فتفتح الباب ويخرج الـقط أو القـطة بالـنـفـس الاخـير ولأنّ أكثر الناس لا يعلمون ما

تـفعـله القطط يأخـذون بالصياح هـذا حرام حيوان مسكين إلّا أنّ أمّي لا ترد على أحـدٍ

وكان آخـر ما أتذكـر أن قِـطّاً كـثـير الايـذاء لـنا صَعُـبَ علينا إصطيادُهُ إلّا أنّه وقع بعد

محاولات كثيرةٍ في الكمين وأخذتُ أضربه الى أن خَرَأَ في المجاز وجاءتْ زوجة [ جاني

ملكشاه مالك الدار ] تصيح وتتهدد في باب الـبـيت إلّا أنّ أمّي أغلقت الباب دون أن

تردّ عليها بكلمةٍ واحدةٍ وكأنّ الموضوع لا يعنيها، وأغرب ما مـرَّ هـو أن أمّـي إحتجـزت

[ هِـرّاً شـرسـاً لم تـتمكن من اصطياده ] إحـتجـزتـه في السرداب وكان الهِـرُّ يـجلـس أمام

باب السرداب فترةً من الزمن يُراقب أمي متحدياً لها في نظراته ثم يعود الى السرداب

إسـتمر هذا الوضع لمُـدّة ثلاثة أيام وهو بلا ماء أو طعام وفي اليوم الرابع لم يظهر الهِـرُّ

كما هي عادته في كل الايام الثلاثة السابقة مما دفع الفضول بأمّي لتنزل للسرداب كي

تتأكد منه إلّا أنّها لم تجد له أثـراً فـقد إختفى وهنا توقعت أمّـي أنّهُ من الجنِّ إلّا انّها

شاهدتهُ بعد أيام وهو يمشي على ستارة المنزل وكأنّه يقول لها هأنـذا سـجـيـنُـكِ

أتـحـداكِ عـنـدها عــرفـتْ أمّي أنّ الـهِـرَّ قـد خـرج مـن إحـدى فتحات الـتهوية التي ترتفع

الى خارج السطح وكان هذا آخـرعهـدٍ للقطط في دارنا .

وفي أحد الايام الربيعيه البارده الاجواء شاهدتُ شيءً مُـلـتَـفّـاً على غطاء إبريق

الـشاي أي الكتلي فـتصورتُـهُ عقروقةً وهي الضفدعة ركضتُ الى أمّـي وكانت

في سـطح الـدار تُعِـدُّ الـخُـبـزَ في الـتـنور الموجود في سـطح الـدار وللعلم أنَّ الـتـنـور

كان من مستلزمات البيت وأمّي لا ترغب في شـراء الخـبز من الـسـوق لرداءتـهِ .

أقولُ صعدتُ السُلّمَ اليها مُـسـرعاً وطلبتُ منها سكينًا فاسـتغـربـتْ طلبي فـمِـنْ أيـنَ تـأتي

العقروقة على غـطاء الكتلي، أخـذتْ تُـطمـئـنـني الى أن أنهـتْ عملَها ونـزلـنا سـويّـةً ومـا أن

عـايـنـتْ أمـي الى الابـريـق المـوضـوع فـي الـمـنـقـلة حتى صاحتْ بـيَ إبـتَـعـدْ إنّها حـيَـةٌ لا

تـقـترب قِـفْ بعـيـداً كـررتْ الـعـبارةَ وبـدأ الصـراعُ بـيـنـهُـمـا فـالـحـيّـةُ تُـريـدُ الافـلاتَ من

المِـنـقـلـةِ لـتـدخـل في فـتـحـةٍ مِـن فـتـحاتِ الـجــدار وأُمّــي لا تـمـنحـها هـذه الـفُـرصةَ وكـان

الصراع يــدور في داخــل الـمـنـقلةِ وقد إسـتَـمَـرّ طويلاً إنـتهى بـقتل الـحـيّـةِ وكانـتْ فـرحتي

شـديـدةً بـقـتـلها وهذه أولُ مَــرةٍ أرى حـيّـةً وفي ظني أنّها ضفدعه ولا أدري كيف خطر

إسم عقروقة على بالي وأنا لم أرَ عقروقةً في ذلك الوقت .

كان سـطحُ الـدارِ مَـلاذاً للـعـوائـلِ الـعـراقـيـة فـي وسـط وجـنـوب الـعـراق فـي الصيف

للـتـوقـي مِـنْ شرور الـهَـوامِ مِـثـلِ الـعـقـاربِ والـحَـيّـات الـتي تـجـد اللـيلَ لهـا غطاءً ، لذلك

يـكـون تحـضيـر السطح قبل الـعـشـاء عِـنـدَ الـعـصـرِ حيث يُكـنـس ويُرشُّ بالماء ثم يُفرش

الـفـراش وبعد الانتهاء من الصلاة تصعد العوائل لتـناول العـشـاء والـتـخلصُ من الـحَـرِّ

والاسـتـمتـاعُ بـنـومٍ هـانئٍ حـتّى الـصباح أما اليوم فاصبح نوم السطح حسرةً وخسارةً .

كُنتُ أصعد الى سطح الدار قبل صعود أهـلي أحـيـانًـا لأسـتـلقي على الفراش الى أنْ

يحين وقت العشاء وكان إبن عمي [ الحاج ناصر ] يصعـد في بعض الاحـيانِ بعـدي

وكان من طبيعته معي أن يُـخـيـفـني فـيـقـولُ لي [ إذا ما تنامْ سأنادي خضرة أم الليف

فـتـأخـذكَ] وأنا أتصور خَضْرة أم الليف شيءً مرعباً فيأخذني الخوف الشـديـد واُغطي

رأسي باللحاف وأُحاولُ كـتمَ أنـفاسي حتّى لا تـسمعني وكم من ليلةٍ نِـمتُ جـائـعًا محرومًا

من طعام أميّ اللذيذ الـذي كُـنتُ أنـتـظرُهُ إسـتمـرَ معي ابنُ عـمي واسـتـهـوتُـهُ اللُـعـبـةُ وأنـا

أكـتـمُ ذلك ولـم أُخـبر بـهِ والـدي أو والـدتي الـى أن جـاءتْ الـسـاعةُ الـتي تـنـكـشـفُ فـيـها

لُـعـبَـتُهُ حـيث [ فعلها معي أمـام والـدي ووالـدتي ] في إحـدى الامـسـيـةِ ولـمّا شـاهـدا حالـتي

ورُعـبـي تـألّـما من هـذا الـتصرفِ فـأنّـبـاه عـلـيه وكان ذلك آخر مَـرّةٍ لَـعـبها مـعي .

ولمّا إسـتـفـسرتُ عن [ خَضِرةِ أم اللـيـف ] قـالـوا لي إنّها النخلة أراها في كلِّ ليلة

عند صعودي الى الـسطح وهي تمـتـدُّ ممشوقةً من دار جارنا إبراهيم العطيه .

كانتْ مضايقات [ زوجة جاني ملكشاه لنا مستمرةً وكثيرةً ] فهم يُحاسبوننا على مَنْ

يدخل علينا ضيفاً وانْ كانوا أقرباءَنا وكانتْ عملية الكـشف على الـبالـوعه حالةً

تتكـرر عِـدّة مَـراتٍ في الـسـنةِ رغـم أنّ والـدي هوَ الـذي يتحمل إجرةَ تنظيفها، وكان من

المـشهورين بتنظيف الـبـالـوعـات آن ذاك طماطه حُبَـيْـني وهـذا لـيس اسـمهُ بـل هي

كُـنيــتُـهُ لكونه قصير ممتلئ وذو بـشـرةٍ حمراء نصرانيُّ الديانـةِ ومصيبة هذا الانسان أنّه

يُـنـفق جميع ما يكـسـب من مهـنـتِـهِ الـقـذرةِ على شُـرب المُـنكر[ العَرَق ] وعندما يُريدُ

العودةَ الى مسكنه المجهول بالنسبة لي يُحاول جَهْـدَ الامكان تحاشي الصبيةَ

وأحـياناً بعض الـشباب الـذين يـجـدون تـسـلـيـتَهم بـقـذفـه بالحجارة وبالقاذورات وما

شاكل ومـما يـجـدُنه على الارض وهو لا يتوانى أيـضًا بالردّ عـليهم مع الـسُـباب

والكلام الـبـذيئ ثـم ينتهي المـشـهـد بأن يـدخل أحـد الـفـروع والصبيان وراءه وكثيراً

ما كان يـتأخر الى الليل تحاشياً من حجارة الصبيه وسخريتهم .

أعود الى زوجة جاني ملكشاه فهي تُـراقب من ســطح دارها الـعالي لـترى مَـنْ يـصعـد

على دارنـا ومـاذا نـلـعب وإذا ما صعـدتُ وأخوتي الى سـطح الدار فهذه جريمه لا بُـدّ

من تَهديد ووعـيد حيث تقف بالباب وتأخـذ بإفـراغ شـحـنتها من الغضب إلّا أنّ والدتي

كعادتها تُعطيها ما هو أبلغ من الكلام أذنًا صـمّاءً وبعـد أن تُفرغ شحنتها تـرجع وهي

بأشـدِّ مما كانت عـليه من الحُـنـق لـعَـدم الـردّ عـليها مِـنْ والـدتي فتكون قـد رجعتْ

بألـمٍ مضاعـف ومن غير طائل . *******************

الدنمارك / كوبنهاجن الاحد في 25 / حزيران / 2019

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here