مواقف تحوم حولها الشكوك

مرتضى عبد الحميد

في عالم الموضة التي برع شبابنا في تقليدها، لانهم محرومون من كل شيء تقريباً، الامر الذي يعتبر ميلاً طبيعياً للتعويض عن الحرمانات التي يعانون منها، ورغبتهم في مجاراة من حطت طيور الحظ في جنائنهم، وسبحت في بحورهم.

ويبدو ان عالم السياسة في العراق، بدأ يقلد الشباب في هذا الميدان، وتتجسد الموضة السياسية هذه الايام، في السباق المحموم للانتقال الى المعارضة من قبل قوى سياسية آخذة بالازدياد وببيانات ثورية ولغة حماسية، حتى ليظن السامع او المراقب بأننا على ابواب مرحلة تاريخية جديدة، سننفض من خلالها غبار القرون، وتعيد الى العراقيين كرامتهم المهدورة على مذبح المحاصصة والطائفية السياسية والفساد بتلاوينه وشعابه الموبوءة، وفي مطلق الاحوال فان ما يسمى بالمعارضة السياسية ليست جديدة وجرى التلويح بها مرات عديدة.

كان قصب السبق من نصيب كتلة برلمانية، اعلنت تبنيها خيار المعارضة وروجت له اعلامياً، ثم تبعتها بعض الاحزاب والمنظمات، واختارت لها اسماء براقة من قبيل “دستورية، بناءة، تقويمية ..الخ” وستنضم اخرى لهذه المعارضة الموعودة، التي تتفق على انتقاد الحكومة وتحميلها كامل المسؤولية في عدم انجاز برنامجها، وما اسفر عنه من تدهور في الاوضاع الاقتصادية والامنية والخدمية مع تباين كبير في اهدافها ودوافعها.

رئيس الوزراء من جانبه لم يعترض على فكرة المعارضة السياسية، مؤكداً انها أمر صحي شرط التزامها بالثوابت الوطنية، من دون ان يحدد المقصود بهذا التعبير الفضفاض، وان حكومته انجزت الكثير من المنهاج الوزاري بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على تشكيلها!

اما الاحزاب المستفيدة من الحكومة الحالية، فقد انبرت الى انتقاد المعارضة والتقليل من شأنها، متهمين إياها بـ “الطمع في الوزارات او لإرضاء جمهورهم او للابتزاز السياسي، والدعاية الانتخابية المبكرة ايضاً”.

ان هذه التبريرات بقضها وقضيضها متهافتة ولا تحظى بأي قدر من المصداقية، من وجهة نظر الذين يتحلون بفضيلة امتلاك الوعي السياسي والاجتماعي، ولو في ادنى درجاته، وبالتالي عدم القدرة على جرهم الى فخ الوعود المعسولة.

لقد شاركت جميع الأحزاب تقريبا في العملية السياسية بعد عام 2003، وتقاسمت الوزارات والمناصب العليا في الحكومة والبرلمان وما دونهما، وساهمت بهذا القدر او ذاك في صناعة الخراب والدمار الشاملين، وما حكاية المعارضة إلا محاولة للتهرب من الفشل الحكومي المتراكم، خاصة بعد تصاعد الاستياء والغضب الجماهيري القابل للانفجار، وبعد ان وصمت المرجعية اداء الكتل والاحزاب المتنفذة بأنه تكالب على اقتسام الغنائم، وإيغال في دروب الفساد، فضلا عن ان ارضية وجود معارضة حقيقية تستند الى برامج سياسية وديمقراطية فعلية غير متوفرة في العراق، بل العكس هو السائد في ادارة شؤون البلد، صغيرها وكبيرها. ولا ننسى الابتزاز والسعي للحصول على حصة أكبر من كعكة السلطة. كما لا ننسى ايضاً التأثيرات السلبية للتوتر والصراع بين المشروعين الامريكي والايراني على العراق وقواه السياسية.

وحتى لو خلصت النوايا، وتشكلت مثل هذه المعارضة، فستكون ضعيفة، غير قادرة على انجاز دور رقابي وتقويمي فاعل، وستكون عرضة الى الاختراق والمساومة، رغم ضرورة وجود معارضة سياسية حقيقية نفتقد اليها مع الاسف الشديد.

اتركوا المحاصصة والفساد، وتخلوا عن الدولة العميقة، سيصفو وجه العراق، ويحقق ابناؤه ما يصبون اليه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here