إكتشاف قصر الكمون بعد جفاف دجلة 

 بقلم : عضيد جواد الخميسي

أثار اهتمام علماء الآثار، الاكتشاف المهم جداً لبقايا القصر التاريخي الذي يُرّجح بناؤه خلال فترة حكم الملك  ( كدشمان هربي الأول ) في بابل ، 1402-1364 قبل الميلاد . كان سبب ظهور القصر، الجفاف الشديد الذي أصاب العراق ، مما أدى إلى انحسار مياه نهر دجلة ، وانخفاض مستوى المخزون المائي في سد الموصل الذي تمّ بناؤه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي .

يُعتقد ، أن القصر قد شيّد في زمن الإمبراطورية الميتانية الغامضة ، ويأمل الباحثون في أن يقدم هذا الاكتشاف ، المعلومات التاريخية المهمة عن تلك الامبراطورية ، بشقيها السياسي والثقافي .

يقع هيكل القصر في منطقة أثرية تعرف بـ ( كمون Kemune) ، على الضفة الشرقية من نهر دجلة ، في كردستان العراق ، وتم التعرّف عليه لأول مرة في عام 2010 م  ، ولكن ارتفاع منسوب الماء في النهر لم يمنح فرصة للخبراء في الكشف عنه آنذاك .

أدى الجفاف في العام الماضي ، إلى ظهور أطلال القصر مرة أخرى ، مما دفع علماء الآثار للبدء في مشروع دولي لإنقاذ ما يمكن انقاذه وتوثيق جميع موجوداته خشية اندثارها بسبب الظروف البيئية والمناخية ، وهناك مخاوف حقيقية ، من أن القصر قد يتعرض الى التلف والانهيار ، ومن ثم اضاعة الجهود المقدمة  .

يتألف فريق المشروع من خبراء ألمان وعراقيين . يقود الفريق كل من الدكتور  (حسن أحمد قاسم ) ، والدكتورة (إيفانا بولغيز) ، كمشروع مشترك بين (معهد توبنغن لدراسات الشرق الأدنى القديم IANES ) ، و (مؤسسة الآثار في  اقليم كوردستان) .

 

يُعتقد أن القصر يبلغ من العمر 3400 سنة ، وقد اندهش علماء الآثار كثيراًعندما شاهدوه جوّاً بكامل مساحته . وبناءً على كشف أوّلي للمكان ، إذ يقدّر ارتفاعه في الأصل بـ ( 22 متر) ، ويبلغ سمك بعض الجدران فيه الى (2 متر)  ، وقد تم بناؤه من الطابوق الطيني الذي كان يستخدم على نطاق واسع في بناء جميع أنواع الهياكل العمرانية خلال فترة العصر البرونزي في الشرق القديم .

” كان المبنى بالكامل مصمماً بشكل هندسي رائع ، وعلى ما يبدو ، قد تم إضافة جدار من الطابوق الطيني تحت الشرفة الرئيسية لغرض الصيانة في وقت لاحق  ” . (إيفانا بولغيز)

 

” كان القصر عبارة عن عدد كبير من الغرف الواسعة  الكبيرة التي شيدت من مادة الجص ( النورة ) وقد اكتشفنا حتى الآن ثماني غرف . والأهمّ من ذلك كله ، أن الفريق قد عثر على مجموعة من اللوحات الجدارية ، ( أو جداريات ) ، التي تمّ رسمها باستخدام اللونين الأحمر والأزرق ، وهذا يدل على مستوى عالٍ من التطور والذوق الفني لدى الناس هنا . ربما كانت هذه سمة من سمات المباني الملكية في العصر البرونزي ، لكنها عادة ما تدّمر بسبب الحروب والغزوات المتعاقبة ، كما أن اكتشاف هذه اللوحات الجدارية في كمون ، يعدّ مفاجأة أثرية مدهشة جداً . ” (إيفانا بولغيز)

عثر فريق علماء الآثارعلى عشرة ألواح طينية ، نقشت بالكتابة المسمارية . إذ كان هذا الشكل من الكتابة هو أكثر الأشكال شيوعاً في بلاد ما بين النهرين القديمة ، وتم نقل الألواح العشرة  فوراً إلى ألمانيا ، حيث سيقوم خبراء متخصصون بترجمتها وحفظها ، وعمل نسخ مقلدّة منها لأغراض البحوث والدراسات المختلفة .

قصر كمون

يُعتقد أن قصر كمون كان موجود خلال فترة إمبراطورية ميتاني التي سيطرت على أجزاء كبيرة من شمال بلاد الرافدين وسوريا ( من القرن الخامس عشر إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد ) . وكان الميتانيون من الناطقين باللغة الحورينية ( لغة تحدّث بها سكان أعالي بلاد الرافدين / مناطق الأناضول ) و الذين أصبحوا فيما بعد قوة إقليمية كبيرة في المنطقة ، وذلك بسبب خبرتهم الواسعة في استخدام العربات خلال الحروب والغزوات .

لا يُعرف الكثير عن هذه الحضارة القديمة  ، على الرغم من أهميتها التاريخية ، وكل ما يعرف عنها يأتي من مناطق أثرية في سوريا ( تل برك ) ، والعراق ( نوزي ـ منطقة عرفه في كركوك ) ، وكذلك ( آلالاخ ـ تل العطشانة ، قرب أنطاكية ) ، ومن بعض الآثار المصرية والآشورية . طالما أن العلوم والمعارف شحيحة عن امبراطورية ميتاني ، فلا شيء مؤكد تماماً عن أصولهم ، أو أين تقع عاصمتهم ، على سبيل المثال ! .

القصر هو موضوع بحث ودراسة مستمرة من قبل أعضاء الفريق . وسوف ينصب التركيز في المستقبل ، على ألواح الطين العشرة ، فإذا أمكن فكّ رموزها ، عند ذلك يمكن إلقاء المزيد من الضوء على إمبراطورية ميتاني ، وبالتالي ستقدم للباحثين والمهتمين أفكار واسعة عن الدين ، والإدارة ، والسياسة ، وتاريخ هذا المجتمع الشرقي القديم الغامض …

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here