البَحرين.. لم تَغزُ ولم تُعَسْكَر العِراق

2 يوليو 2019

عُقدت بالمنامة عاصمة البحرين ورشة «السَّلام مِن أجل الازدهار»، بدعوة مِن الولايات المتحدة الأميركية (25-26 يونيو2019)، على أنها طرح للجانب الاقتصادي مِن خطة السَّلام بالشَّرق الأوسط، وما أكثر الورشات والمؤتمرات التي عُقدت وتُعقد بهذا الخصوص. فالحرب الحارة والباردة مستبعدة حتى هذه اللحظة، وقيل وأُشيع الكثير عما يُسمَّى بصفقة القرن، مرة قالوا إنها تعني السَّلام مقابل الأرض، وأخرى السَّلام مقابل الازدهار، كلُّها تكهنات وتحليلات، ليس هناك مِن معلومة شافية أو تعريف دقيق لهذه الصَّفقة.
كانت تلك الورشة ذريعةً في شن هجوم غوغائي بكيد سياسي طائفي على سفارة البحرين بمدينة المنصور مِن بغداد، وما حصل لا يفعله الغوغاء إلا بتوجيه وقيادة، مِن قوى تحسب نفسها ملكت أمر العِراق، مجندة لجماعات حسب المهمات المطلوبة، فُرق للاغتيال وأخرى للشغب، وبعنوان «اسم الله»، وإلا هل عرف أحد من المهاجمين: ما هي الورشة، وما معنى السَّلام مقابل الازدهار؟ أو معنى «صفقة القرن»؟! وكم عُقدت مؤتمرات لا عدَّ لها تحت عنوان السَّلام، وفي مختلف العواصم وحضرها إسرائيليون رسمياً، وليس هناك مَن تعرض لسفارة مِن سفارات تلك الدُّول؟! فلماذا البحرين دون غيرها؟! إذا لم يكن «وراء الأكمة ما وراءها»!
مع قوة الوشائج بين العِراق والبحرين، مِن ناحية التَّاريخ والحضارة والاجتماع والحياة الثَّقافية، ولم تتخذ البحرين يوماً موقفاً ضد العِراق، وإذا حضر اسمه بين البحارنة يتحدثون عنه وكأنهم عراقيون، وكم مِن أُسر بحرينية خدمت العراق في مجالات الطِّب والفقه والأدب، وذابت في المجتمع العراقي، كذلك الحال بالبحرين.
كانت ولا تزال العلاقة متواصلة بين البحرين ومرجعية النجف، يوم زارها الشَّيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (ت1999)، واللقاء بالمرجع السَّيد محسن الحكيم (ت1970) العام (1968)، وخلال ترتيب الزّيارة حمل صادق البحارنة رسالةً شفويةً إلى الحكيم قائلاً: «يا سماحة الإمام قد يطلب منكم سمو الأمير الشَّيخ عيسى بن سلمان آل خليفة المساعدة بشأن تثبيت عروبة البحرين فأرجو من سماحتكم ألا تقصّروا». ثم أردف البحارنة قائلاً: «أوصلتُ الرسالة، وكانت نتائج الزيارة أكثر مما توقع وفد البحرين، لأن الإمام الحكيم وقف وقفة تاريخية من أجل أن تصبح البحرين دولة عربية مستقلة» (مجلة الوسط 22/2/ 2012). يقصد تدخله في تحييد الموقف الإيراني، يوم كان للحكيم كلمةً على شاه إيران (ت1980).
لم يكن الهجوم على سفارة البحرين هو الأول ضد دولة البحرين، بعد (2003)، فقبلها (2011) جهز «المؤتمر الوطني العراقي» برئاسة أحمد الجلبي (ت2015) سفينةً تحت غطاء الإغاثة، لكن عنوانها كان فاضحاً «قافلة المختار»، حينها منعت الحكومة العراقية إبحارها. ذلك أن اسم المختار الثَّقفي (قُتل67هـ) ارتبط بالثأر، فكيف إذا كانت الإغاثة محمولةً على متن سفينة اسمها «رُقية بنت الحُسين»؟! كان القصد منها رمزية التوجه «إلى قتلة الحسين»! فأي إغاثة هذه؟! ذلك قبل أن يصحو الجلبي مِن داء الطائفية بعد اليأس من نوافعها، فالآخرون لم يعترفوا له بشيء.
وفي الوقت نفسه أصدر حزب «الدَّعوة» بياناً في شأن البحرين، مطالباً بتعليق جلسة البرلمان ليوم 17/3/2011 للتظاهر من أجل البحرين (موقع حزب الدَّعوة). وجماعة إسلامية أخرى اقترحت تخصيص خمسة ملايين مِن الميزانية العراقية لنصرة «جمعية الوفاق» الإسلامية البحرينية.
ليس للعراق أو فلسطين مصلحة في ما يجري، إنما لمصلحة الدَّولة التي ترى البحرين محافظة من محافظاتها، وترى بغداد عاصمة إمبراطوريتها، واعترف رئيس جمهوريتها بالنُّفوذ الكبير داخل العراق!
يعلم الجميع ماذا حصل للفلسطينيين ببغداد، بعد سقوط النِّظام السَّابق، عندما صُب جام الغضب عليهم، وأخرجوا مِن منازلهم، مع أنهم يقيمون ببغداد لأكثر مِن خمسين عاماً؟! فأين الغيرة على فلسطين والفلسطينيين التي ظهرت في استباحة وحرق سفارة البحرين؟! إنه تحشيد أدوات الولي الفقيه الذي مِن مصلحته أن يبقى الوضع العراقي غير مستقر. فليس أسهل من التَّحشيد في الظُّروف الحالية، كم مِن مهرجانات استعراض جماهيرية حزبية يُقاد إليها الآلاف مِن الأرياف والمدن مقابل نقل مجاني وطعام ومنام مع مبلغ مِن المال، فتظهر تلك الحركة أو ذلك الحزب خُدعة الجماهيرية أمام الفضائيات.
إذا حصلت تظاهرات وتجاوزات على سفارة أو قنصلية لدولة أخرى، فالدَّافع كان داخلياً يتعلق بحياة العراقيين أنفسهم، تلك الدَّولة وراء وجود الجماعات المسلحة وإشاعة السلاح وعدم الاستقرار، ولها النُّفوذ في الحياة السِّياسية العراقية، دولة لا توصف إلا بالمحتلة. احتلال غير تقليدي، بجماعات مسلحة عراقية بالاسم. دولة سفيرها يُعلي ويوضع من يُريد، وكتائبها تصوب صواريخها حسب بوصلة وليها الأعلى. فبعد خفوت الخطاب الطَّائفي الذي ما عاد مربحاً، صار التوجه إلى فلسطين لتبرير وجود الأذرع المسلحة تحت عنوان «المقاومة والممانعة»!
جاء في رسائل الشَّيخ علي عبد العال الكركي (ت940هجرية) نائب الإمام في العهد الصفوي، والمطبق الأول لولاية الفقيه: «مصائبُ دُنيانا تَهون وإنما/ مصائبنا في الدِّين هنَّ العظائمُ»، قيل ذلك لأن المصيبة بنسبة صفات ما فوق البشرية إليه أي «الكمال» (رسائل الكركي)، فليس أعظم مِن مصيبة أن تكون نائباً للإمام وبالتالي لله في الأرض! أقول: هل يعي الجمهور العراقي تلك المصيبة التي غزت العِراق وعَسكرته قولاً وفعلاً!
كاتب عراقي
الكاتب
رشيد الخيّون
الاتحاد الإماراتية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here