لماذا يتظاهر اهل الجنوب؟

ساهر عريبي

تندلع بين الحين والآخر تظاهرات في الجنوب العراقي وخاصة في مدينة البصرة الفيحاء عاصمة الجنوب, إحتجاجا على تردّي الخدمات وتفشّي البطالة واالفساد الإداري والمالي الضارب بأطنابه في مفاصل الدولة العراقية. وكانت آخر موجة من تلك الإعتصامات هي تلك التي إجتاحت مؤخرا البصرة وناحية الإصلاح في محافظة ذي قار ومدينة السماوة.

وعادة ما تتصدى القوات الحكومية للمتظاهرين موقعة بين صفوفهم عددا من القتلى والجرحى, و يعتقل الكثير منهم, فيما لاتستجيب الحكومتين المركزية والمحلية لمطالبهم العادلة, وكل ما تقدمه لهم جملة من الوعود التي تعجز عن الوفاء بها كل مرّة, مما يدفعهم الى العودة الى ساحات الإحتجاج مرّة أخرى.

ومع إندلاع كل موجة من الإحتجاجات فإن سؤالا يثار في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وهو لماذا يتظاهر اهل الجنوب؟ سؤال يطرح كل مرّة ينتفض بها المواطنون وكأنهم يتظاهرون من بطر ! وتثار سلسلة من الأسئلة التي تعقب هذا السؤال الجوهري حول هوية التظاهرات ومن يقف خلفها ومدى مشروعيتها وعن ارتباطها بحزب البعث او بدول الجوار, وتصل الإتهامات أحيانا الى حد اعتبارها مؤامرة صهيونية امريكية تجري حياكة خيوطها في الخارج بهدف القضاء على نظام الحكم الديمقراطي الذي تنعم به أرض السواد!

واللافت في الأمر ان ذات الأشخاص والجماعات والأحزاب التي تشكك في مشروعية التظاهرات ودوافعها, تعترف بأن هناك فساد في البلاد لا نظير له في العالم! وان الحكومات المتعاقبة وبعد 16 عاما من إسقاط النظام, فشلت فشلا ذريعا في حل ازمات البلاد الخدمية وفي القضاء على البطالة وفي رفع المستوى العلمي. وان الطبقة السياسية الحاكمة تتكالب على السلطة بشكل لا نظير له, وأنها اعترفت بفشلها وفسادها وتقصيرها, إلا أنه وبرغم كل ذلك ترتفع تلك الأصوات متسائلة لماذا يتظاهر أهل الجنوب؟

إن السؤال المنطقي الذي يجب طرحه دوما هو لماذا لا يتظاهر العراقيون؟ وليس العكس! فهل هناك سبب يدعوهم الى عدم التظاهر ؟ بل هل يعقل صبرهم على هذه الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة؟ اولم تتربع بلادهم على عرش الفساد العالمي طوال السنوات الماضية؟ اولم تعجز عن حل أزمة الكهرباء التي لا يحتاج حلها الى أكثر من 20 مليار دولار باعتبار ان حاجة العراق من الكهرباء تبلغ 23 غيغا واط؟ وهل يعقل ان بلادا تبلغ مداخيلها أكثر من 100 مليار دولار سنويا يعاني خريجوها من البطالة في وقت يتنعم فيه أولاد عدد كبير المسؤولين برواتب خيالية رغم انهم موظفون فضائيون؟

وهل من العدل ان البصرة الفيحاء التي يتجاوز إنتاجها النفطي حاجز الثلاثة مليون برميل يوميا من النفط, وتشكل العمود الفقري للإقتصاد العراقي, أيعقل أن تتردى فيها الخدمات وتتفشّى فيها البطالة ويظل أهلها مستكينون وهم الذي عرفوا بمواجهتهم أعتى طاغية عرفه تاريخ العراق الحديث؟ إن التظاهر حق مشروع أقره الدستور, وان هناك من الأسباب مايكفي ليس للتظاهر فحسب بل لثورة تقتلع هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة من جذورها , وهي التي فقدت مصداقيتها ولم تعد تحظى لابدعم الشعب ولا المرجعية الدينية ولا المجتمع الدولي. ولذا فإن على منتقدي التظاهرات أن يختاروا الوقوف على الجانب الصح من التاريخ, ألا وهو جانب الشعب وليس جانب الحكام الفاسدين!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here