هل نحن الآن، في عصر الإفساد الأول لبني إسرائيل، أم الثاني؟!

أغلب المفسرين والمحققين والمؤرخين القدماء .. يزعمون أن الإفسادين المذكورين في القرأن بقوله :

( وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ) الإسراء 4 .

قد حدثا قبل الإسلام !!!

وتم القضاء .. على إفسادهما وعلوهما أيضا قبل الإسلام على يد بختنصر وسواه .. وتم إرجاع الملك لهم على يد قورش الفارسي !!!

ويزعم بعض المتكلمين .. أن الإفساد الأول حصل وتم القضاء عليه قبل الإسلام .. وأننا الآن في مرحلة الإفساد الثاني .. وينتظرون القضاء عليه !

وهناك طائفة أخرى .. تزعم أن الإفساد الأول لبني إسرائيل كان في المدينة .. وتم القضاء عليه من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم .. وإخراجهم منها .. ثم بعد ذلك استلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمفاتيح القدس !!!

وأن الوقت الحالي .. هو الإفساد الثاني لهم في القدس !!!

والحقيقة الساطعة والمبهرة .. والتي لا شك فيها .. ولا مراء .. أن جميع المتكلمين .. مخطئون في اجتهاداتهم ..

وسنبين بالأدلة القاطعة .. والواضحة .. والثابتة .. على أننا نعيش الآن .. في مرحلة الإفساد الأول لبني إسرائيل ..

الدليل الأول :

اللام في الآية لتفسدن ولتعلن .. هي لام التوكيد .. ولام المستقبل ..

بمعنى أن هذا سيحصل .. بعد نزول القرآن يقينا .. وأكيدا .. وليس قبله ..

ولهذه اللام شواهد في القرأن .. تؤكد صحة هذا المعنى وتقويه ..

مثل قوله تعالى :

( لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ ) الفتح 27 .

فكان فتح مكة .. ودخول المسجد الحرام .. بعد نزول هذه الآيات وليس قبلها ..

الدليل الثاني :

لم يكن لبني إسرائيل .. في يثرب قبل الهجرة وبعدها .. أي سلطان ولا علو .. ولا إفساد ولا هيمنة .. ولا سيطرة عليها .. فقد كانوا عبارة عن أحياء متناثرة حول المدينة .. ضمن العرب الذين كانوا هم يسيطرون عليها .. وليس اليهود ..

فقد كانت السيطرة لقبيلتي الأوس والخزرج .. وكان عبد الله بن سلول .. يتهيأ لوضع تاج الملك على رأسه قبل الهجرة النبوية بقليل ..

وقد أخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة .. كل حي أو قبيلة على حدا .. بناء على نقضهم العهد .. وخيانتهم المواثيق المعقودة بينهم .. وبين المسلمين ..

فلا ينطبق عليهم وصف الإفساد الأول .. في المدينة إطلاقا ..

الدليل الثالث :

ثمة شرطان مهمان جدا .. كي تتم عملية القضاء على إفسادهم الأول :

الشرط الأول :

أن يقوم بهذا العمل .. عباد لله مؤمنون صالحون .. متقون حسب قوله تعالى :

( فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ) الإسراء 5 .

فنسب العباد لله .. إشارة واضحة وقاطعة .. بأنهم يخلصون العبادة لله .. وأنهم من المصطفين الأخيار .. وليس أي عباد .

فبختنصر البابلي .. الذي أخرجهم من القدس .. وسباهم .. كان كافرا .. وليس مؤمنا ..

ولذلك لا ينطبق عليه وصف عبادا لنا .

الشرط الثاني :

دخول المسجد في كل مرة يتم القضاء على إفسادهم .. بالقوة وبتمريغ أنوفهم في التراب .. حسب قول الله تعالى :

( فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُ‍ُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ ) الإسراء 7 .

ودخول المسجد لم يتم حتى الآن ..

وعمر رضي الله عنه .. حينما دخل المسجد الأقصى .. دخله سلما وصلحا هذا أولا ..

وثانيا كان المسجد في وصاية .. وعهد الرومان النصارى .. ولم يكن في وصاية اليهود ..

فلم يكن لليهود أي سيطرة على المسجد .. ولا على فلسطين كلها في ذلك الوقت ..

فلم يحصل لهم إفساد .. وعلو في عهد الإسلام .. إلا الآن في القرن العشرين .. حينما دخلوا فلسطين عنوة .. وبالقوة .. وشكلوا لهم كيانا فيها ..

وهذا يعزز ويوثق .. بأن إفسادهم الأول هوالآن .. وليس في السابق ..

الدليل الرابع :

من مواصفات إفسادهم الثاني .. أن يتحقق لهم ثلاثة أمور :

كثرة الأموال ..
كثرة البنين والذرية .. وزيادة أعدادهم .
كثرة النفير والاستنفار .. والجيوش الجرارة الضخمة .. والأعداد الغفيرة من الجنود .. التابعة لهم وليس لغيرهم .

حسبما قال تعالى :

( ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ) الإسراء 6 .

فإذا نظرنا ودققنا في وضع اليهود الحالي .. نجد أن صفة كثرة الأموال متحققة ..

ولكن صفة كثرة الأولاد .. والبنين غير متوفرة .. فلا يزالوا شراذم قليلة .. مشتتين في بقاع الآرض ..

وكذلك صفة النفير غير متوفرة عندهم .. فأعدادهم قليلة ..

وما يفسره البعض .. بأنهم قادرون على الإستعانة بغيرهم .. وأن لديهم قوة إعلام كبيرة .. يستطيعون أن يستنفروا ما يشاؤون ..

فهذا كلام لا يتناسق .. ولا يتوافق مع سياق الآيات على الإطلاق ..

لأن القرأن يخصهم هم .. بأن يتصفوا بهذه الصفات .. ولم يقل تستطيعون .. أن تستجلبوا ما تريدون .. من جنود .. من أصدقائكم وأعوانكم ..

ولذلك لا ينطبق عليهم الآن .. صفة الإفساد الثاني .. لأنهم يفتقرون هذه الصفات الثلاثة معا ..

الدليل الخامس :

بعد القضاء على إفسادهم وعلوهم الأول .. وابتداء تمكنهم من العلو الثاني .. سيظهر بينهم مؤمنون بالله .. وموحدون وصالحون .. بدليل أن الله تعالى يخاطبهم .. بعد إرجاع العلو .. والتمكين لهم مرة ثانية فيقول لهم :

( إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ ) الإسراء 7 .

وهذا الخطاب الإلهي .. لا يكون إلا للمؤمنين الذين يتجاوبون مع الإحسان ..

أما الكافرون .. لا يفهمون هذه اللغة .. ولا يبالون بالإحسان .. الذي يطلبه منهم الله ..

لأنهم أصلا لا يؤمنون به ..

فإذا نظرنا إلى وضع اليهود الحالي .. لا نجد رجلا مؤمنا واحدا ..

مما يثبت بشكل قاطع .. أننا لا نزال في الإفساد الأول .. ولم يأت الإفساد الثاني بعد ..

وقد ينبري السفهاء من الناس .. والمتفيهقون والمتحذلقون .. والمرجفون .. والذين في قلوبهم مرض .. والذين تمتلئ نفوسهم بالحسد .. والضغينة على كل من يأتيهم بجديد .. يخالف معتقدات آبائهم وأجدادهم .. فيرفعون عقيرتهم قائلين :

يعني أنت الوحيد .. الذي اكتشفت هذا الاكتشاف المبهر.. وخالفت كل الناس ؟؟؟!!!

نقول لهؤلاء ذوي النفوس الصغيرة :

ذلك فضل الله .. يؤتيه من يشاء ..

وذلك علم الله .. يهبه لمن يشاء ..

دعكم من هذه السفاسف والتوافه ..

ودعكم من الحسد الذي يغيظكم .. ويقتلكم ..

واشتغلوا بما ينفعكم في الدنيا والآخرة ..

وانظروا إلى الأدلة القاطعة المبينة ..

ولكم أن تؤمنوا بها .. أو تكفروا بها ..

ولكم أن تنقضوها .. أو تدحضوها .. إن كنتم تعلمون ..

أما شخصنة الكاتب .. ونقد شخصه .. فذلك فعل الصغار .. والرعاع .. ودهماء الناس ..

وأخيرا ..

( وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ ) يوسف 76 .

والله تعالى أعلم بالصواب ..

الثلاثاء 28 شوال 1440

2 تموز 2019

موفق السباعي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here