طرف يقتل جسدا و طرف آخر يشوّه و يقتل روحا

بقلم مهدي قاسم

ليس من ثمة شيء يدعو إلى افتخار و تبجح بين طرفي الإسلامي السياسي
الشيعي و السني على حد سواء ، بالرغم من تصاعد قوة التراشق بالأوحال و احتدام حدة التهجم ونبرة التسقيط والتحقير بين الطرفين المتنازعين والمتصارعين ــ بالأساس ــ من أجل السلطة والمال والهيمنة السياسية بهدف إلغاء الآخر ، فإذا تفردت تنظيمات الإسلام السياسي ” السني
” بالإرهاب و الوحشية بمختلف مسمياتها ابتداء من ” تنظيم ” القاعدة ” فمرورا بعصابات داعش وبوكو حرام و إرهابيي ولاية سيناء و انتهاء ب”أبو حطاب ” و خطاب ووهّاب !!، حيث تفقس كلها من بيضة الأخوانجية و السلفية و الوهابية التكفيرية لتنتهج نهجا إجراميا وحشيا في منتهى
قسوة وسادية تاركين خلفهم جحافل كبيرة من ضحايا مقتولين ذبحا و غدرا، نقول إذا تفردت هذه التنظيمات الإرهابية بأعمالها البربرية المباشرة ذبحا و حرقا ، فإن تنظيمات و أحزاب الإسلام السياسي ” الشيعية ” قد دأبت على قتل روح الإنسان العراقي رويدا رويدا تجويفا و سقما
و خواء وكمدا ، كتعذيب نفسي بطيء و رهيب ، في وسط أجواء مضغوطة و خانقة من ضروب فقر و حرمان و يأس و إحباط و بطالة و إذلال ، وسوء خدمات و تشويهات روحية عميقة فعلا ، عبر تفشي الاتكالية واللامبالاة وعدم الاكتراث و نشر الغيبيات والخرافات ونزعة الوثنية الجديدة، و
محاربة فرص التسلية و الترفيه و التنفيس و الارتياح ، من خلال إلغاء أو تعطيل الأندية الاجتماعية ودور السينما و المسرح ، لتأتي في مقابل ذلك عملية شرعنة سرقة المال العام و تطبيع مظاهر الفساد من قبل عصابات الأحزاب المتحكمة و الحاكمة ، لسعي مضلل حتى تكون هذه المظاهر
أمرا واقعا لا مهرب من القبول به في كل الأحوال و الظروف ، طبعا بالتوازي مع تزايد معاناة ، المواطن الأمر الذي يدفعه إلى الاحتجاج و التظاهر ، ليجد نفسه في مواجهة الرصاص الحي حينا أو يتعرض لعملية اعتقال وتعذيب و مهانة حينا آخر ، ليرى نفسه أخيرا و كالعادة ، مراوحا
في نفق مسدود بدون أي بصيص ضوء من أمل نحو مستقبل فيه شيء من فرج أو خير، فيرتد على نفسه منكمشا ، قانطا و كئيبا ، في وسط مظاهر محيطة من الإهمال و الخراب و التدهور العام على كل صعيد و ناحية ، و بدون أي أمل يسنده من أجل مواصلة المشوار الشاق والصعب غير التفكير
أما بالهجرة أو بالانتحار ..

أجل إنه قتل روحي بطيء بل و بطيء جدا في فصول متواصلة متكررة من
عذابات نفسية فظيعة ليس من ثمة نهاية لها في الوقت الراهن و لا في مستقبل منظور.

و هكذا نجد أن كلا الطرفين يشتركان في نفس المستوى ــ تقريبا ــ
من عملية قتل الروح العراقية حينا جسدا وبشكل مباشر ، وحينا آخر روحا معذبة ويائسة ولكن عبر مراحل طويلة وبطيئة .

وضمن هذا المنظور و الواقع فليس لهذا الطرف أو ذاك ما يفتخر أو يتبجح
به على أنه أفضل من الطرف الآخر !!، ، أن لم يكن العكس هو الصحيح ، بقدر ما يجب تجريم كلا الطرفين و من ثم رميهما في مزبلة التاريخ حيث مكانهما المناسب هناك تماما .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here