ما هي العدالة !

في الأعادة والتكرار فائدة ، كما يقال ، والفلسفة بطبيعتها لا تمل من تكرار التذكير في مقولاتها ، وماهيتها ، وهذا التكرار ، ليس عديم الفائدة ، فهي تغني مقاهيهم به ، وتعطيها أبعاد لم تكن فيها ، ولذلك تجد في تاريخ الفلسفة ليس هناك من يردد مفهوم سلفه بحذافيره بدون أضافة هنا أو هناك ، وهذا بالطبع تفرضه المتغيرات التي يواجها الفلاسفة خلال فترات حياتهم المتعاقبة والمختلفة . وعليه يبدو لنا ، أن تهمة للفلسفة ، أنها تكرر مقولاتها تهمة تغض الطرف عن هذه الأضافات والتنقيبات التي تلحق مفاهيمها . لأنه من طبيعة العلم والأشياء هو التطور التدريجي ، فلا شيء في دنيانا ما يولد منذ اللحظة الأولى كامل ولا يحتاج تعديل أو تغير . ولذا ليس مستغرب أن ترى الفلسفة ، وكأنها تكرر نفسها ، وتدور في حقلة مفرغة ، من قبل من ليس لديهم الدارية بتفاصيل الفلسفة ، وتاريخها . وعليه ، فأن معالجة مقولة ، والتي تبدو ، كثره الحديث فيها ،وستنفذة جدتها، لا تعني في كل الأخوال عديمة النفع . فأي مقولة فلسفية ، ترى لها تاريخ طويل في البحث والمعالجة ، تغني الفضول العلمي الفلسفي ، لدى الإنسان ، الذي هو أساس ، أو نقطة التفلسف . ولذلك ، حينما فكرنا ، بأن نقاش بعض المفاهيم ، بدأ لنا ، الأول وهلة ، أننا سنبذل جهد سدى ، ولكن بعد أنعام النظر ، تذكرنا صرخة الملك سليمان ، وحينما كانت كل الأشياء بكر ولم تطرق ، أن كل شيء باطل ولا جديد تخت الشمس . فالجدة والجديد ، يبدو هو تكرار القديم بصيغة جديدة ، وبأسلوب مختلفة . ومن هنا تجد مواضيع الفلسفة لا تستفذ حيويتها ، لهذا الغنى الذي يكمن فيها . ولعل ، خير دليل ، على ما نقول هو مفهوم العدالة ، الذي هو مقولة فلسفية بامتياز ، والذي ننوي ، هنا عرض تاريخه ، ومجمل أرى الفلاسفة فيه ، يبين بلا شك كما هي غنية مفاهيم الفلسفة ، وليس هناك فيلسوف واحد ، من قال به كل شيء ، وضع حد نهائي له ، تجده أستمر في مواصل الحياة والتطور عبر كل العصور ، وكل عصر ينظر له من مناظره الخاص . وبتلك ، النظرة ، للمفاهيم الفلسفة ، أستطعنا أن تجاوز ترددنا ، بالخوف من التكرار ، أن نبين بأن مفاهيم الفلسفة ليس محض تكرارا لما قيل منذ القدم . ولذلك ، سنعرض مفهوم العدالة ، حسب ما جاء عند المفكرين الغربين منذ أفلاطون وإلى وقتنا القريب ، معتمدين في هذا العرض ، أو بالأحرى متبعين ، كتاب أعظم افكار الغرب ، وقد نتدخل من حين إذا أقتضى الموقف الأشارة ، أفكار الفلاسفة ، عن العدالة ، لأن هذا الكتاب مهتم فقط بعرض ، أهم مفاهيم الغرب أو ما يسميه الفلسفة الغربية . المهم ، لنا ، هنا ، نعرض المفهوم وكما تتطور ، وليس ، بالطبع ، كل من ضمه مؤرخو الغرب لفلسفة الغرب ،، كلهم غربيون ، كما يزعم صاحب هذا الكتاب الذي نعرض أستعراضه لنتاريخ فكرة العدالة لأن ، حسب جورج الطرابيشي ، بأن الغرب ، صادر ، الكثير الفلاسفة والمفكرين الذين لا ينتمو إلى الغرب حغرافياً ، وفكرياً ، وضمهم له . وسيكون عرضنا وفقاً لهذا الكتاب المشار أليه ، أقتصار بالجهد ، والأن الكاتب حقيقة ، يتبعه ، بشكل دقيق يغني ، عن أي اطالة وتوسع ، رغم أن الكتاب صادر منذ فترة طويلة ولا يأتي على ذكر فلاسفة معاصرون لهم مساهمة في أغنى هذه المفهوم . وعليه ، قبل ، لنبدأ ، بعرض ، مورتمر أدلر ، صاحب هذا الكتاب ، أعظم الأفكار الغربية ، مفهوم العدالة أن نذكر ، بأن الفلسفة ليس عديمة القيمة ، كما يحاول عصرنا أو فترتنا أن تشيع ، وبأنها مجرد لغو ، أو مرض عقلي في حب الجدل ، فحسب ما بقول الفيلسوف الأمريكي البرغماتي ، وليم جميس ، عن الفلسفة وأهميتها ، في معرفة ، سلوك المرء ، فقد ، قال ، بأن الحري ، بأمؤجرين لبيتوتهمً ، إلى الأخرين ، فبدل من سؤال عن دخلهم ، وكمية ما لديهم من مال ، أن يسألوهم عن فلسفتهم ! لأن معرفة فلسفة المرء ، سوى ، كانت منهجية ، أو عن طريق المعتقدات والأنتماء، تغني الكثير من الأخطار التي قد يسببونها إلى ملكيتهم وبيوتهم ولهم هم أيضاً .

العرض

(١) العدالة ، نوقشت للأول مرة في الفكر الغربي ، في كتابي أفلاطون ، جورجياس ، وكتاب الجمهورية . وكالعادة ، في محاورات أفلاطون ، فأن سقراط ، هو ، من يكون المحاور الرئيسي بالمحاورة ، لأنه ، هو ، من يقوم بطرح الأسئلة . ومن ثم فأن الثيمة ، أو الفكرة الرئيسية التي في هاتين المحاضرتين ، أخذت تكرر هناك ، كم يقول مورتر أدلر في كتابات الفكر الغرربي طيلة عصور طويلة ، حول تعريف العدالة . وقد أنقسم المتحاورين بتلك المحاورتين لقسمين ، أولئك الذين ، يؤمنون بالقوة ، ويقولون بأن القوة هي التي تصنع الحق ، أو القانون ، وتضع العدالة التي تناسبها . والفريق الأخر، ، المعارض ، لهذا الرأي ، والذي يقول بأن القوة يمكن أن ترتكب الخطأ . وأن العدالة يجب أن تكون هي المقياس ، لسلوك الإنسان والدولة ، وليس النفعية . وبرغم من أفلاطون ، يعد أول من عرف العدالة ، حسب قول أدلر ، بالفكر الغربي ، لكنه ، هناك ، كما يشير أحداث حدثت بأثينا أثناء فترة أمبراطوريتها ، قدمت ، أيضاً تعريف للعدالة ، وخصوصاً في غضون ، ما يعرف بحرب البيلنويزا . فيثيودوس ، يعرض هذه الحادثة ، التي تصور ، فهم المتحاربين للعدالة .ففي فترة الحصار ، الذي ضربه الأغريق ، على أحد المدن الأسبرطية ، قأن المفاوضين ، من كلا الطرفين ، لفض الحصار عن المدينة ، يقدم وجهة نظره ، عن الطريقة التي يرفع بها هذا الحصار . فقد نظر الأغريق إلى المفاوضين الذين يمثلون المدينة المحاصرة ، على أنهم يضيعون وقتهم ، بعدم الأستسلام والخضوع لهم ، ورفض طلبهم بالأستسلام ، لكونهم الأكثر قوة ، ولذا ، بعنادهم بعدم الخضوع ، عليهم أن لا يتوقع منهم سوى الحرب ، وفي الأخر العبودية ، وتدمير مدينتهم وسبي من كل فيها . وعليه كانت دهشة المحاصرين كبيرة من هذا المنطق ، والذي يعقب عليه مورتمر أدلر ، هذا هو الذي كان سائد في كل حروب عصرنا ،. ولذلك ، يرد الأغريق على دهشة المدينة المحاصرة ، بأن هذا هو منطق عالمهم ، وأن الكل يسير وفقاً له ، وأن المساواة هي فقط بين أقوياء متكافئين بالقوة ؛ فالقوي يفعل ما يشاء ، والضعيف عليه أن يتجرع نتيجة رفضه وعدم خضوعه . لذلك ، لم يصغ الأغريق لمناشدة الأخلاقية لمفاوضي المدينة المحاصرة ،. ولكنهم ، بعد أن يأسوه ، من أن يصغي الأغريق لمناشدتهم بأنهم إذا وضع هذا معيار لسلوكهم ، فأن عليهم ، أن ينتظرو ، يوم تدمر مدنهم ، من قبل من هو أقوى منهم . وعليه يقول أدلر ، بأن لغة محاور سقراط ، كانت هي نفس للغة الأغريق مع أهل المدينة المحاصرة . والذي يقول لسقراط ، بأن العدالة ، هي لا شيء سوى مصلحة الأقوى ، وكل أشكال الحكومات ، سوى كانت ديمقراطية ، أو أرستقراطية ، أو طغيان ، يضعون القوانين التي تخدمهم ، وتخدم مصالحهم . والعدالة ، تعني لهم ، ما تعبر عن مصالحهم ، وكل من يتمرد عن تلك القوانين وينتهكها ، يعاقب، ويعد متمرد، ومنتهك لحرمة القانون ، ويغدو لا عادل . ولهذا ، يقول ؛ بأن هذا المبادئ تسود بكل الدول ، والعدالة ، تعني لهم ، نفس الشيء ، أي مصلحة الحكومات، مادامت الحكومات قوية ، وتملك القوة ، فهي على حق ، وعادلة !

(٢) وتلك الاطروحة ، تبدو ، كما يقول أدلر لها أستخدامان ، فهي إلى الأقوياء ، أو القوي ، تعني ، أنه على حق ، طالما هو قوي ، ويستطيع أن ينتزع من الضعيف كل ما يخدم مصلحته . وتصرفه ، هذا ، لا يعد بنظره ظلم ، فهو لا يظلم ، ما دام يسير حسب منطق عالمهم . وعليه ، فكل ما يخشاه ، هو أن تفلت القوة من يده ، وينزل به أنتقام أولئك الذين أضطهدهم .

أما الوجه الآخر من هذه الأطروحة ، فهو يخص الضعفاء أو الضعيف ، فهم دائماً ، يظهرون ، يفعلون الظلم ، لأنهم ، لا يطيعو ، القوي ، أو يخضعو له . فالظلم ، الذي ينزل بهم ، هو نتيجة لعدم طاعتهم حكامهم ، ويبحثون عن مصالحهم بدلاً عن مصالح سادتهم . وهذه الأطروحة ، نراها ، تكرر ، لدى كل من هوبز وسبينوزا ، وأن صيغت بلغة مختلفة بعض الشيء ، فهما ، يقولا ، بأن العيش بحالة طبيعية خالصة ، ليس هناك ثمة عدالة أو ظلم ، لأن ، العدالة ولا عدالة ، هما يوجدان فقط في المجتمع المدني . فهوبز ، فعلاً ، يقول ، بأن إذا لم تكن هناك دولة، فليس هناك عدالته . لأن جوهر العدالة ، يتألف فقط في الأحتفاظ بالتعهدات ، والمواثيق ، أو العقد . وعليه ، فالعدالة ، تبدأ مع مؤساسات الدولة ، ففي المجتمع المدني . ففي الوضع الطبيعي ، ما قبل الدولة ، في الحالة المشاعية ، ليس هناك عدالة ، وأنما صراع القوى ، والقهر . أما في تفكير سبينوزا ، فأن كل واحد على حق ما دام هناك قوة تحميه . ففي الحالة الطبيعة ليس هناك عدالة ، فهي فقط في المجتمع المدني . فالدى ، سبينوزا ، العدالة ، كما كانت في السابق ، هي الطاعة لضعيف ، والسيطرة للقوي . لكون القوة بيد الأقوياء ، وهم الذين يضعون القوانين. أما أولئك ، الذين لديهم وجهة نظر مضادة لهذه ، فهم يعترفون بأن العدالة ، هي سياسية ، وتخضع لسياسة ، بمعنى ، أن الدولة ، التي تنظم ، وتدير شؤون المجتمع ، هي التي تحدد العدالة . فالحكمة ، ، هي بنظر ، أفلاطون ، مثلاً ، هي فضيلة الحكام ، والعدالة ، هي التي تنظم مبادئ الدولة المثالية بجمهورية أفلاطون .

أما أرسطو ، والذي ، يقول ، بأن الإنسان حيوان سياسي ، وأن بقية الحيوانات ، مجرد قطيع . وأن الإنسان هو الوحيد الذي يملك اللغة ، ويستطيع أن يتفاهم مع غيره ، وينقل لهم أفكاره عن العدالة ، وما هو ملائم لعيش . والعدالته ، عنده ، هي عقد الناس للدولة، الأدارة العدالة بين رعاياها، وهي التي تقرر ما هي العدالة . والتي هي مبدأ النظام في المجتمع السياسي . فأرسطو ، يصف الإنسان الذي يخرج عن القانون والعدالة ، بأنه ، أسوء من حيوان . ولهذا يقول القديس أوغسطين ، بأن مجتمع تزول منه العدالة ، يبقى مملكة لللصوص .

(٣) ولهذا ، فأن أولئك ، يوافقون ، كما يقول أدلر ، بأن المؤسسات السياسية ، تتضمن العدالة ، يواجهون ويصطدمون بخيارين أو تحدين ، كما يوضح أدلر ، فما أن مبدأ العدالة ، سابق لوجود الدولة ، وعلى دستورها ، ومواثيقها ، وقوانينها ، أو أن التحديد لما يعرف العدالة ولا عدالة له علاقة تماماً إلى دستور الدولة ، ويعتمد على قوتها ونتيجة لقوانينها .

وإذا الواحد قد أختار الاختيار الثاني من هذين الخيارين ، الذين أشرنا لهما تواً ، يقول أدلر ؛ فأن فكرة أن تكون العدالة سياسية تكون قد حددت بجديدة . في هذه الحالة ، تكون العدالة مجرد فكرة سياسية ، وليس هناك عدالة طبيعية .ولا عدالة أبعد مما يسنه الإنسان أو يقيمه من قوانين . ولا وجود لعدالة غير عدالة في الحالة الطبيعية ، بعيداً عن المؤسسات الحضارية ، التي يقيمها الإنسان . وبحسب هذه النظرية ، فأن الإنسان الخاضع للحكومة فقط أو من يعيش في ظل الدولة ، يمكن أن يحكم عليه بعدل أو بظلم . ولكن الدولة ذاتها ، ، كما يعود أدلر ، ويخبرنا ، لا يمكن أن يحكم عليها هكذا بالعدل أو لا عدل ، ولا دستورها أو قوانينها ولا حتى ممارستها ، لأنهم ، أي الدولة ، ودستورها وقوانينها ، هم الذين يحددون العدل ولا عدل ، ولذا لا يمكن الحكم عليها بعدلهم ولا عدلهم .

(٤) أما الخيار الآخر والمضاد إلى الأول ، فقد فهم ، بأن العدالة السياسية ، تحدد من قبل العدالة الطبيعية ، ومن هنا ، يقوا أرسطو ، بأن العدالة السياسية ، هي جزئياً ، طبيعية ، وجزئياً تشريعية أو عرفية . فكون أنها حقيقة ، بأن الفعل العادل للمواطن ، يقوم على قانون دائم للسلوك ، لا يحول ، من ناحية آخرى ، من القول ، بأن القوانين ذاتهم من أن يكونو عادلين أو غير عادلين ، وليس القوانين فقط ، وإنما الدستور والدولة نفسها . برغم من أن العدالة للقوانين المدنية هم جزئياً يرتبطون بالدستور الذي تحته عملوا ونفذو ، فأن بعض التشريعات والذين قد ينتهكون العدالة الطبيعية لا يمكن أن يبررو تحت أي دستور . وعلاوة على هذا ، فالدستور ، لا يمكن أن يعتبر المعيار النهائي للعدالة ، من قبل أولئك الذين يقارنون العدالة إلى أشكال مختلفة من الحكومة أو دساتير متباينة . فمن وجهة نظرهم ، فأن المقياس النهائي إلى العدالة وكل المؤسسات البشرية وأفعالهم ، كما أيضاً في سلوك الشخصيات الإنسانية ، هو نفسه ليس مقياس من صنع البشر ، وإنما هو ، مبدأ طبيعي للعدالة يستخدم لكل البشر في كل زمان وكل مكان .

(٥) ولهذا فأن النظريتين المتعارضتين ، تلك التي تقول بأن العدالة تنبع من الحق الطبيعي ، وأنه مصدر كل التشريعات في الحياة المدنية ، والنظرية التي تقول بأن العدالة تأتي من القوانين والتي يصنعها الأقوياء .

فأن أولئك الذين يرفضون العدالة الطبيعية والقوانين الطبيعية ، تراهم ، يميلون إلى رفض الحقوق الطبيعية ، والتي هي ، لا تشبه ، الحقوق المدنية ، التي تمنحها الدولة لمواطنيها ، وإنما هي ، متأصلة بالوجود البشري وشخصية الإنسان . وهي كما يقول الأعلان عن حقوق الإنسان، لا يمكن أنتزاعه منه ، بمعنى ، أن الدولة لا يحق لها إلغائهم أو انتزاعهم ، لكون الدولة لم تعطها له ، ولذلك لا يحق لها أخذهم منه .وإذا هي ، أي الدولة ، انتزاعهم ، فأنها تبطل الشرعية لوجودها ، فالدولة ، وجدت لكي تأمن تلك الحقوق الطبيعية بين الناس . ويقول توكوفيل ، أحد كبار المدافعين عن الديمقراطية ، بأن له الحق بأن يحدد المسموح به ويحدد الطغيان ، فليس هناك أمه بنظره يمكن أن تكون عظيمة بدون أحترام للحقوق ، فبدونها لا يبق معنى للمجتمع .أما أولئك الذين ينكرون الحق الطبيعي ، ، أو الحقوق الطبيعية ، ومن ضمنها ، بالطبع ، الحرية ، فأنك تجدهم ، ليس لديهم معيار للحكم ، فحينما تنتهك الدولة الحقوق الطبيعية وتعتدي على الحرية ، فحينئذ يفكر الناس ، بأن لا حقوق لهم ، ما عدا تلك التي يمنحها الحكام لهم ، فأن القوة المطلقة التي يمارسها الحكام لا تتعرض لنقد ، والحاكم المطلق لا يعزل .

وهنا يذكر أدلر ، في تحليل لوك إلى الحالة الطبيعية ، التي هي بنظره حالة الحرية الكاملة . فأن لوك ، بخلاف هوبز لا ينظر إلى الحالة الطبيعية ، على أنها فوضى وأعتداء البعض على البعض ، وإنما هي حالة يحكمها القانون الطبيعي بعيد عن الدولة أو الحكومة . فأن هذا الحالة تجبر كل واحد، وحتى العقل ، الذي هو قانون هذه الحالة ، أن تعلم البشر ، بأنهم متساوون ، ومستقلين ، وأن ليس على الواحد ان يؤذي الأخر ، بحياته وصحته ، وحريته ، أو ملكيته . فعلى كل فرد ، أن يحفظ نفسه ، وعليه أن لا يترك هذه الوضعية بأختياره . وبمثل هذا العقل ، فعندما ، يتأتى لحفظ الوجود أن يتنافس ، يجب عليه ، بقدر ما يقدر ، أن يحفظ وجود الأخرين . وحتى أن لا يؤذي هذا الذي يعارض تلك الحالة ، عليه ، أن يبعد من الأخرين أو يصلح وضعه ، بما يحفظ حياة الأخرين ، وصحتهم ، وملكيتهم ، وبما أن هذا هو قانون الحالة الطبيعية ، كما يقول لوك ، والذي يتضمن العدالة في التعامل مع الأخرين ، فأن هذا القانون ، لا يلغي ، حينما يدخل الإنسان في المجتمع المنظم أو الدولة أو المجتمع المدني . فالعدالة الطبيعية ، والحق الطبيعي ، يبقيا ، كما يقول لوك وأخرين من المفكرين أمثاله ، لكي يحد من قوة الدولة ، وقياس عدالة قوانينها .

(٦) فالمبدأ إلى العدالة الطبيعية ، بحسب فهم أدلر لها ، لا يكون مصاحب إلى المذهب في القانون الطبيعي ، والحقوق الطبيعية ، كما هو الحال بالتفكير الأغريقي ، وارتباطه يبدو حدث عند الفقه الروماني ، وفي العصر الوسيط ، فليس كل أعداء العدالة الطبيعية ، يتجنبون أستخدام كلمتا القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية ، وأنما تجدهم يستخدماها بمعاني مختلفة ، فهوبز ، مثلاً ،يشير إلى القانون الطبيعي في الحالة الطبيعية ، على أنه ، حالة حرب كل واحد ضد الآخر . وفي هذه الحالة ، لكل واحد الحق بكل شيء ، وحتى ضمنها ، القضاء على الآخرين . وفقط ، عندما هجر الناس هذه الحالة الطبيعية ، وأقاموا الدولة ، حصلوا من قبل الدولة على الحقوق المدنية ، والتي يسميها ، هوبز ، حقوق الملكية . وعليه ، يصبح هنا ، وهنا فقط ، مشروع ، الحديث عن عدالة . والتي تعني ، هنا ، أعطى ، كل واحد ما يخصه .

وكذلك يقول أدلر ، بأن أسبينوزا ، وهيوم ، يتفقا ، بتعليقاتهم ، مع هوبز بصدد هذه النقطة . بأن إذا لم يؤسس بشكل شرعي للحق ، فليس هناك عدالة . وليس هناك ، بخلاف هذه الحالة ، أي عند عدم وجود الدولة أي احترام للملكية أو أعطى كل واحد ما يخصه وما يعود أليه . والخلاف بين لوك ، وسبينوزا وهيوم ، وفقاً لأدلر يكمن في مفهوم لوك للملكية ، والذي نظر له على أنه حق طبيعي ، والذي يملكه الإنسان الطبيعي لحفظ حياته ، وحريته ، وملكيته . وعليه ، بنظر لوك ، هناك عدالة بين الناس في الحالة الطبيعية ، لأن كل واحد من هؤلاء الناس لديه شيء يخصه ، والذي يجعله يعمل على أحترام ما لدى الأخرين .

(٧) ويمكن ، مع ذلك ، معاينة العدالة الطبيعية ، بعيداً ، عن تلك التفسيرات المختلفة ، لما يدعو الحالة الطبيعية ، التي كانت تناقش من قبل لوك ، هوبز ، سبينوزا ، فنحن ، نجد أن أرسطو ، وتوما لاكويني ، لم يفهما أصل المجتمع السياسي ، كأنتقال من الحالة الطبيعيةً إلى المجتمع المدني ، رغم أننا نجدهم يشيرون إلى مبدأ العدالة الطبيعية . فهي ، إلى توماس لاكويني تعني ، أي مبدأ العدالة الطبيعية ، جزء أساسي من القانون الطبيعي ، فهو ، في بعض الأحيان يعبر عن المبدأ الأول للقانون الطبيعي هكذا ؛ أبحث عن الخير وتجنب الشر ، وفي موقف آخر يقول ؛ أفعل الخير إلى الآخرين ، ولا تؤذ أحد ، وأرجع إلى كل واحد ما يخصه . وهذا المبدأ الأساسي لعدالة ، نجد كذلك حاضر في تحليل أرسطو . ففي تحليل أرسطو إلى طبيعة العدالة ، يشير لها كفضيلة وصفه من عمل الإنسان . فالعدالة ، يقول أرسطو ، هي القانون والإنصاف ، ويقصد بالقانون أو قانوني بهذا السياق ، لم يكن يعني ، كما يفهم من ذلك أدلر ، لم يكن يعني الخضوع للقانون الموجود في المجتمع الذي يعيش فيه ، وأنما يعني به ، حسب أدلر ، الخير العام ، لأن أرسطو ، يقول ، بأننا نقول عن هذه الأفعال عادلة ، لكونها تنتج ، وتحفظ السعادة لأفراد المجتمع السياسي . فالأفعال القانونية ، هنا ، عند أرسطو ، تعني ، تلك التي تجلب الخير العام أو الخير للآخرين ، والأفعال الغير قانونية ، بعكس هذه ، أي تلك التي تضر الخير العام وتجلب الأذى إلى الآخرين ، وتدمر بنية المجتمع .

وهذا التحديد إلى العدالة ، عند كل من أرسطو وأفلاطون ، هو الذي وضع الأساس لتميز بين الحكومة الجيدة والحكومة السيئة . فالحكومة القانونية ( العادلة) هي التي تخدم الخير العام ، والحكومة غير القانونية ( الغير عادلة ) هي التي تخدم المصالح الخاصة ومصالح الحاكم . وكذلك ، أستخدم هذا التحديد إلى العدالة للمواطنين ، والموظفين والذين يخدمون أغراضهم الخاصةً في مراكزهم بدلاً من مصالح الناس والخير

العام .

(٨) فسوى حددت العدالة أو عرفت وفقاً إلى خير أو فائدة الأفراد الآخرين ، أو إلى الخير العام للمجتمع ، فهذا الفهم يبدو ينظر للعدالة من ناحية الأفعال أو الأعمال إلى الإنسان التي تؤثر في الرفاهية العامة للمجتمع وليس الفائدة الفردية للمصلحة الإنسان الواحد ، وأنما لفاائدة الآخرين . وبذلك يقول أرسطو ، كما يذكر أدلر ، أن العدالة هي من بين كل الفضائل ، تتضمن فائدة آخرى ، أو خير آخر ، لأنها تجعلنا نرى مصلحة جارنا ، تجعلنا نهتم بما يخص الآخر . ولهذه فهي ، تحتوي ، من ثم ، على فكرة الواجب أو الالتزام أزاء الآخر . ومن هنا يفهم ، قول القديس توما لاكويني ، بأن على كل أن يعطي ما يخص الآخر . فكرة العدالة تضمن أيضاً الواجب . فأذن ، العدالة من بين كل الفضائل ، كما نوه أرسطو وتوما تتضمن فكرة الواجب . وبالنتيجة ، فأن أفكار مختلفة تظهر على كفاية العدالة أن تقيم مجتمع منسجم ، ويسوده السلام . ولهذا ، نرى ، الفيلسوف كانط ، يكتب ، بأن إذا حصل وأن أقيمت عدالة كاملة ، فأن العديد من الأشخاص ، يمكن أن يعملوا بحرية وأنسحام . بيد أن القديس توما يقول ، وأن كانت العدالة ضرورية للمجتمع ، ولكنها ، لوحدها ، غير كافية . لكونها بالضبط ، تخص الواجب والحق . فالسلام ، الذي يعم المجتمع ، هو من فعل العدالة بشكل غير مباشر ، لأنها تزيل فقط العوائق في سبيل مجتمع منسجم . ولكن السلام ، كما يصر توما ، يكون بشكل مباشر من عمل الصدقة أو الإحسان ، لكونها ، أي الصدقة من طبيعتها أن تقيم السلام ، لأن الحب يوحد القوى ، ققيود الحب والصداقة توحد الناس ، بينما العدالة مجرد تحكم التفاعل بين الناس . فما يعمل عن طريق الحب يفوق بمرات عديدة أوامر العدالة .ولهذا وكما يقول توما ، لهذا السبب أن الرحمة والصدقة أو الأحسان تعادل العدالة إذ لم تستغني عنها . فالرحمة ، يقول شكسبير تلطف من العدالة .

(٩) ومبدأ أعطى كل واحد ما يخصه ، قراءت في ضوء مختلف ، حينما عاينت ملامح أخر من العدالة . فعندما تفهم العدالة ، كعدل ، فالعدل المشروع ، ينشأ عن نفسنا وعن أستخدام الأخرين ، ليس بقصد الربح أو الأذى بشكل عام ، وأنما ، العدل في تبادل وتوزيع السلع والواجبات . فما هو المبدأ في التبادل والتوزيع ؟ ويجيب أرسطو عن هذا السؤال وفقاً لمفهوم المساواة .

ففي المعاملات التجارية ، العدل يبدو يتطلب حسب أرسطو في تبادل الأشياء تساوي في القيمة . فمبدأ العين بالعين والسن بالسن ، هو تعبير عن مبدأ التساوي كمعيار ألى العقاب العادل والتعويض العادل . فإذا ، مثلاً ، الشرف ، والمكافأة ، يوزعا ، فأن المتساوين يجب أن يعاملوا بشكل متساوي ، وأولئك الذين هم غير متساوين بالجدارة ، يجب أن يتلقوا حصة غير متساوية ، لأن ، كما يستمر أرسطو في القول إذا تلقو حصة متشابهة ، فأن هذا ليس عدل في التوزيع إلى المكافأت ، إذ الكل لا يستحق التوزيع بالمثل . لأن التوزيع يحب أن يكون حسب ما يستحقه المرء . وهنا يقول بأن الكل يوافق على هذا القول من قبل الديمقراطين ، والارليغارشين ، والأرستقراطين ، برغم أنهم يفهمون الجدارة بشكل مختلف . فالجدارة بالنسبة للديمقراطين ، تعني الحرية ، وإلى الأوغارشين الثروة والأصل النبيل ، وإلى الأرستقراطية الكفاءة . وعليه ، فأن المعاملة الغير متساوية للغير المتساوين، لا تزال تستمد عدالتها من مبدأ التساوي . لأن هناك تساو بالنسبة في الحجم العطئ اكثر لمن يستحق أكثر وأقل لمن يستحق أقل .

(١٠) والعدالة ، في بعض الأحيان ، تقسم بين العدالة الأقتصادية ، والعدالة السياسية ، ففي العدالة الأقتصادية ينظر لها من زاوية المساواة والعدالة في تقسيم السلع التي تنتج عن الجهد في العمل ، والعدالة السياسية هي وضعية الإنسان بالمجتمع أو الدولة . والأختلاف بين العدالة السياسية والأقتصادية ، يقول أدلر يعتمد ، بالطبع ، على مبدأ العدالة يستخدم بالمجتمع . ولعل ، خير من عالج العدالة الأقتصادية ، هو كارل ماركس ، فبرغم من أن ماركس لم ينخرط في المناقشات عن العدالة الطبيعية ، فهو ، نظر إلى العدالةً من منظار شامل ، وعد العدالة ، كما يؤكد أدلر مقياس تقاس به الأشياء ، وليس مستمد من حالة ما . فماركس نظر لها ، على أنها يجب أن تكون من طبيعة الحياة البشرية . ولذلك ، تراه ، يستخدم تلك العبارات التي تدل على أن العدالة ، يجب أن تكون شيء أساسي بحياة البشر. . ولهذا تراه مشغول ، فقط بتوزيع الخيرات أو السلع ، ولهذا ، يقول ؛ لكل من حسب قدرته ، ولكل حسب حاجاته . فهو نظر للعدالة الأقتصادية ، على أنها يجب أن تكون واضحة بذاتها ، بدون حاجة إلى أدلة ، لتبريرها في الحالة الطبيعية . ولهذا نراه ، يتكلم بحدة عن الأستغلال إلى العمل ، بكل أشكاله ، سوى كان في المجتمع العبودي ، أو القطاعي ، أو الرأسمالي . ويرى في المجتمع الرأسمالي ، أن العدالة قد أنتهكت ، حينما يستولي الرأسمالي على جهود العمال ، وجهد العمل ، في ظل الرأسمالية ، يساهم في أغناء فرد واحد أو مجموعة أفراد على حساب المجموع . وهو يعد العمل الأساس بثروة المجتمع . ومن هنا تعد القيمة لنظرية العمل ، مساهمة من قبل ماركس . ويشرح ماركس قيمة العمل .

(١١) فالأصل لقيمة العمل ، والذي نجده عند آدم سمث ، يماثل ، كما يقول أدلر ، حسب ما يشير ماركس ، والذي يعد أول من حل هذه المشكلة لقيمة العمل ، إلى فهم أرسطو لهذه المشكلة ، فهو كما يقول ، بأن أرسطو حدد المشكلة ، بيد أنه لم يقدر على حلها ، لظروف تاريخية وأجتماعية . فأرسطو ، في كتابه عن الأخلاق يشير إلى العدالة ، حينما يناقش المال ( الفلوس) كأداة لتسهيل لتبادل السلع ، فالفلوس أو النقود تسمح لنا في مساواة العديد من السلع من نفس النوع مع العديد من السلع الآخرى . ولكن المشكلة ، كما يقول ماركس ، هي كيف لنا أن نقرر التساوي في تبادل مع السلع أخرى مختلفة ، هم من الواضح غير متساوين بالقيمة . فكيف ، مثلاً ، يمكن أن نقرر قيمة بيت بأن تساوي سرير ، ولذلك فأن المساواة في القيمة يمكن أن تضع بين البيت وعدد معين من الأسرة ؟ فابالتجريد الكامل من معاينة العرض والطلب لنحدد التبادل العادل أو السعر العادل يتطلب مساواة الكميات المتشابهة . ويقول أرسطو ، كما يخبرنا ماركس ، بأن هذه المشكلة لم تحل ، لأن ليس هناك مفهوم للقيمة . أذان ، يسأل ماركس ؛ ما هذا الشيء الذي يساوي بين الأشياء ، المادة العامة ، والذي يسمح بمساواة قيمة الأسرة إلى البيت ؟

مثل هذا الشيء ، في الحقيقة ، يقول أرسطو لا يمكن أن يوجد ، ولكن لماذا لا يوجد يجيب ماركس ؟ فمقارنة مع الأسرة ، فالبيت لا يمثل شيء يساويهم ، بقدر ما يمثلون ما هو متساوي فعلاً ، في كلا من الأسرة والبيت . وهذا هو ، العمل البشري . فالعمل البشري المبذول في كلاهما ، هو المتساوي . وبعد هذا التحديد الذي تقدم به ماركس ، نراه يشيد بعبقرية أرسطو التي تظهر ، في أنه أكتشف قيمة السلع في علاقة التساوي بينهم . وأنه لم يتوصل لمعرفة القيمة ، تكمن في كمية العمل المبذول في نتاجها ، للظروف المجتمع الذي عاش فيه ، فهي وحدها منعته من ما هو الأساسي الحقيقي الذي يرقد في قاع تلك

المساواة بين السلع .

(١٢) وعليه يتبين من التحليل أعلى ، إلى قيمة العمل ، بأن العدالة الأقتصادية ، لا تعني ، فقط العدالة بتبادل السلع ، وأنما أيضاً العدالة في التعويض عن قيمة العمل الذي ينتج السلع . ولهذا يقول أدلر ، بأن هذا المبدأ للعدالة ، الذي يستخدم في تبادل وتوزيع السلع ، يشبه الإدانة التي وضعتها القرون الوسطى على الربا ، كافائدة غير عادلة ، وعليه يجب التميز بين الفائدة العادلة وغير العادلة . وكذلك يقول أدلر ، بأن هذا يتضمن نفس المبدأ الذي أشار له أليه آدم سميث بين السعر الحقيقي وسعر السوق، والذي يتذبذ بحسب العرض والطلب . وإذا كانت المشكلة التي واجهت الاقتصادين هي التوزيع العادل أكثر منه التبادل العادل ، فأن المشكلة آخرى ، أي المعيار للعدالة يظهر ، أعني ، الكمية المتساوية للتوزيع العدالة ، يجب أن يلاحظ . فافتراض الملكية المشاعة في العصور البدائية لكل الأشياء خصوصاً الأرض وخيراتها ، هو كما يصر أدلر الخلفية التي بنى عليها كل المفكرين بالغرب رأيهم ضد الملكية الخاصة ، من لاكويني ، هوبز ، لوك ، روسو ، هيجل آدم سميث ، ماركس ، وهذا الأصل للملكية المشاعية ، هو مجرد أفتراض وليس حقيقة تاريخية ، كما يوضح أدلر في عرضه هذا . وعليه ، لذلك ، يقال ، بأن يجب أن يكون هناك توزيع عادل لهذه الملكية . ولهذا نراهم ، أي المفكرين الأقتصادين ، يصرون أن ليس من العدل ، أن يكون المالك للأرض يستولي على أكثر الفائدة ، في حين أن العامل ، الذي يساهم بالعمل ويدخل تحسين على المادة الخام لا ينال سوى جزء يسير في التوزيع .

ومع هنا نرى المفكرين الراديكاليين ، بأن الوجه الآخر للمشكلة ، عدم عدالة التوزيع ، لذلك ، تجدهم يتسألون ، كيف نعيد الأوضاع إلى حالتها الأصلية ، فهل هناك من طريقة في أعادة توزيع الملكية والثروة من جديد ؟ وعليه ، أقترح البعض ، ومنهم ماركس ، في أعادة أصلاح نظام الملكية ، وجعلها ملكية عامة للكل ، أي الأستيلاء على وسائل الإنتاج ، كما تسمى في الوقت الحاضر، وجعل الثروة التي هي من نتاج العمل من حصة الجميع .

(١٣) وعليه ، يصبح واضح ، وجود أرتباط بين العدالة وكلا من المساواة والحرية ، ولكن ، هذا لا يتضمن بالضرورة الأرتباط بين هذه المفاهيم الثلاثة ، كما يقول أدلر بشرحه للعدالة وأرتباطها مع بقية الأفكار القريبة منها ، فعلى العكس ، يرى أدلر ، بأن المساواة هي التي تشكل الجذر إلى العدالة أو تنبع منها ، أو على الأقل ، بقدر ما تتطابق مع العدالة في تبادل السلع وتوزيعها . ولهذا تبدو العدالة بدورها ، وكأنها الأساس إلى الحرية وليس نتيجة لها .

ومن هنا ، فأن أدانة العبودية ، يبدو يؤيد هذه الملاحظات التي قال بها أدلر . فإذا العبودية ليس لا عدل وليس ظلم ، فأن العبد ليس له حق بالحرية . فلا عدالة في معاملة الإنسان كعبد ، قائمة بالأساس على المساواة بين العبد وسيده ، ككائن بشري ، فهو ، أي العبد ، له حق ، أن يتمتع بالحرية التي يتمتع بها سيده تأتي من المساواة . فالعدالة في المعاملة بالمساواة إلى المتساوين تميز هذا الحق ، وبذلك تجعله حر . ونظرية أرسطو في العبودية الطبيعية قائمة على الأفتراض باللامساوة الطبيعية والتي أعتقد فيها لتبرير عبودية قسم من الناس إلى قسم آخر ، أي تعطي الحرية لقسم وتحجبها عن قسم آخر . وإذا عومل الإنسان بعدل ، فأنه يبدو يستحق كل الحرية التي يستحقها . لذلك ، يقول جون ستيورت مل ، أن الإنسان أهل للحرية ، والتي لا تتجاوز على حرية الآخرين ، ولا تعتد على الممتلكات العامة . ولهذا يجب معاقبة ، فقط من يعتدون على حرية الآخرين ويخربوا الممتلكات العامة .

(١٤) وهكذا ، نرى من تحليل أدلر لكبار مفكرين الغرب للعدالة ، قادتنا ، إلى مفاهيم كثيرة آخرى مرتبطة بها ، وتستلزمها ، فليس هناك عدالة ، مع أنمار المساواة الطبيعية بين البشر . وأن لا معنى للعدالة ، بدون تبادل عدال ، وتوزيع عادل لسلع . وهذا كله يستلزم المساواة والحرية بين الناس تحت ظل القوانين العدالة ، والتي ، بدورها لا تلغي التفاوت الطبيعي بين البشر ، لأن مثل هذه المساواة بين كل البشر ، ليس عدل ، فالعدالة هي بحد ذاته تتطلب هذا التفاوت البطليعي ولا تلغيه . ولكن هذا التباين لا يضع قوانين تميز بين الناس ، وأنما فقط تراعي التوزيع العادل بين المتفاوتين والمختلفين في الأمكانيات والمواهب . فكرة القوة التي أشار لها أفلاطون لم تعد هي التي تسوس حياة المجتمعات كما صورها بشكلها الفج والعنيف ، وأنما دخلت عليها الكثير من التحسينات والتنقيحات بحيث يقبلها الحاكمين والمحكومين على حد سواء ، غير أن قوة الحاكمين بقت هي من يضع اللمسات الأخيرة على هذه القوانين التي تدير المجتمع .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here