الحمى والكراعين

علي علي

بلد عمر حضارته بضعة آلاف من السنين، هبط في أرضه أنبياء كثيرون، خُطت فيه أولى أبجديات الكتابة والمعرفة، وشـرّع على يد ملوكه أول القوانين الوضعية، تزخر أرضه بما لايجتمع من نعم وخيرات في بلد سواه، تتوسد أرضه أشرف الأجساد من بعد نبينا (ص) وهم آل بيته الناطقين بأمر الله وأمره، والحاكمين بنصوص الله وسيرته.

بهذه الخصوصيات كلها تتمتع أرض عراقنا، ونحن إذ نعيش عليها وبصفتنا الورثة الشرعيين لخصال آبائنا وتقاليدهم، وماخلفوه لنا من كنوز الدروس والعبر، علينا أن نصونها بالامتثال لما يناسب زماننا وعصرنا منها، وبغير هذا لايمكن ان نسير على جادة طريق سليم يقينا شرور ما تقذفه علينا أمم تجايلنا وتبتغي الإيقاع بنا، لأسباب طائفية او عرقية، لاسيما الأمم القريبة والعربية والمسلمة والجارة، إذ ينطبق عليها مثلنا القائل: (الحمى تجي من الكراعين).

ومادام الأمر وصل الى الـ (كراعين) فمن الأولى بأولي الأمر وأرباب الحكم وأصحاب القرار، أخذ الحيطة والحذر من خافيات المكائد فضلا عن ظاهراتها، ويكون حريا بهم التعاضد والتعاون والتكاتف لتتشكل بهم قوة رادعة لأي ضرر خارجي، ويكونون بهذا قد أمنوا المجهول وائتمنوا على أنفسهم وعلى رعيتهم. إلا أن مايتصرف به مسؤولونا وساستنا وعلى وجه الخصوص مجلس نوابنا رئيسا وأعضاءً، وكذلك غالبية أرباب الكتل والقوائم لايعبر عن حرص على مصلحة البلاد والعباد، ولايمت للوطن والوطنية بشيء من قريب ولامن بعيد، والأدلة على هذا كثيرة جدا، أولها كثرة اجتماعاتهم ومؤتمراتهم من دون تحقيق تقدم في منجز، او حل خلاف، او انهاء اختلاف على قضية من القضايا التي تحتك بالشارع العراقي. وما إن يوضع مشروع قرار او قانون أمام طاولة من طاولاتهم حتى يأخذ طريقة في القراءات غير المنتهية، وتتقاذفه الآراء والتعديلات وفق المصالح الخاصة والفئوية والحزبية والإقليمية أيضا. وبعد التي واللتيا ينتقل المطاف بالمشروع الى القراءة الثانية، التي عادة ما يأخذه فيها السبات العميق الذي يمتد لأشهر او سنين، كما هو الحال في قانون التقاعد، وقانون النفط والغاز. وغيرهما من القوانين المعطلة من دورة تشريعية الى أخرى.

ولاأظن الحال اليوم كما هو في عام 2005 إذ كنا جديدي العهد بالتجربة الديمقراطية، ولم يكن أغلبنا يعي مفهوم الانتخاب، وكيفية انتقاء الشخص المناسب وفق معطيات يجب أن تكون مدروسة بحسابات صحيحة، تعود بالنفع للعملية الانتخابية، كي تلد لنا نموذجا يدير دفة مسؤوليته في الدولة، ليحقق مأربا وطنيا وليس نفعا شخصيا. وهذا الجانب ان لم نكن مسؤولين عنه جميعنا من قبل، فاليوم تقع علينا المسؤولية كاملة.

في السنوات الستة عشر الأخيرة، تفتحت بصيرة العراقيين على ما كان مخفيا عليهم طوال عقود مضت، فقد أدركوا أن بإمكان شرذمة من الخارجين عن القانون -وإن كانوا يتمتعون بمناصب عليا في سدة الحكم- او نفر ضال من السالكين طرقا وعرة يعمدون الى تسيير البلد فيها عكس تيار الأمم في القرن الواحد والعشرين، بإمكانهم التأثير المباشر على سير بلد برمته، بل وتعويق تقدمه بشكل لايستهان به. وهم أساس الحمى في الجسد العراقي، ومثلهم ينبغي الإسراع في القضاء عليهم لا انتظار استفحالهم وتفاقم ضررهم وهو مؤكد واقع على الجميع.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here