علي فضل الله
يوم أمس شرعت قواتنا المسلحة بعملية عسكرية واسعة، لتطهير الأرضي
الصحراوية لغرب العراق بإتجاه الحدود السورية، حيث أشتركت في العملية
قطعات قيادة عمليات كل من محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار لتضم
تشكيلات من الجيش والشرطة الأتحادية والحشد الشعبي والحشد العشائري وسلاح
الجو العراقي وطيران الجيش، بالإضافة للدعم الجوي للتحالف الدولي، كل هذه
القوة العظيمة والضخمة والجبارة لمن؟ لقطيع من بقايا داعش، تسللت للصحراء
الغربية نتيجة الضربات الموجعة، التي وجهتها قوتنا المسلحة التي كادت أن
تمحو داعش عن بكرة أبيه هذا إن كان لهم أب، على الأقل على الأراضي
العراقية، لكن التدخلات لبعض القوى الخارجية والداخلية، المؤثرة على
القرار السياسي العراقي، أثرت سلبا” على قرارات القيادات الأمنية
والعسكرية.
نحن نحارب قوى هلامية إن صح وصفها، قطيع من قوى غير نظامية، أساس تلك
القوى يمتد للحركات السلفية والجهادية التي إنتصرت على الإتحاد السوفيتي،
تلك القوة العسكرية الجبارة، والتي كانت تمثل أحد قطبي المعادلة الدولية،
هزمت من تلك المجاميع المؤدلجة بسلاح التكفير والمدججة بأسلحة الرعب
والقتل، إنها التنظيمات السلفية الجهادية الوهابية، التي عملت وفق أسلوب
الغاية تبرر الوسيلة، فتلك التنظيمات الإرهابية رغم رثاثة أشكال
مقاتليها، إلا إنهم مرتبطون بقوى دولية، توفر أقصى أنواع الدعم اللوجستي
والمعلوماتي وفق طرق وأليات متعددة، وصلوا إلى مرحلة أمتلاك الطائرات
المسيرة نوع (درون ) التي لها وظائف متعددة من رصد وإستطلاع عميق
ومعالجة.
تلك القوات عادت كما كانت قبل عام 2014، إلى أسلوب حرب العصابات نتيجة
إنكسار شوكتها أمام قواتنا المسلحة، لتعتمد طريقة قضم القشور الخارجية
الهشة ومهاجمة طرق أمداد قواتنا المسلحة، والأرتال العسكرية المتحركة،
وبعض الوحدات العسكرية الضعيفة، تنفذ هذه التعرضات من خلال ما يسمى
بالمفارز المتحركة، التي تتألف من عناصر قليلة لا تتجاوز أصابع اليد، من
أجل الأنسحاب من مسرح العملية بسرعة كبيرة سواء عبر مضافات داخل المدن أو
خارجها، لتحقيق أكثر من غرض بهذا التكتيك، وهو أستنزاف لموارد قواتنا
المسلحة على المستوى البشري واللوجستي، وخلخلة الحالة المعنوية، وكسب
الخبرات لمقاتلي داعش عبر تلك التعرضات والحصول على الأسلحة نتيجة مهاجمة
قواتنا المسلحة لتصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة كما حصل في حزيران
2014، لذا فالمجاميع الإرهابية وفق هذه الإسترتيجية وما تضم من تكتيكات
مهاجمة وإستنزاف، تحتاج لثلاث مراحل هي إستنزاف قواتنا المسلحة ثم تحقيق
توازن نسبي إلى حد ما في الموارد فالوصول للمرحلة الأخيرة وهي المواجهة
العسكرية المباشرة.
كيف لنا أن نحد من هذه الإستراتيجية المتبعة من قبل المجاميع الأرهابية؟
من الضروري جدا” أن نطور جهدنا الأستخباري سواء المصادر البشرية
أوالأجهزة الألكترونية والتكنلوجية، ومما لاشك فيه التقنيات الأستخبارية
يجب أن تكون مختلفة بالنسبة للمدن والمناطق السكنية وما يجب أن تكون عليه
التقنية الأستخبارية المتبعة في المناطق المفتوحة أي كان كانت تضاريسها،
وهنا عبر التطور والتقدم الكبير ودخول تقنيات الجيل الخامس والسادس
لأجهزة الرصد والإستطلاع من صور للأقمار الصناعية والطائرات المزودة
بكاميرات ذات تقنية تصوير عالية الدقة، ساعد ذلك التطور على رفد القيادات
الأمنية بكم كبير ودقيق عن تحركات العدو، ولأن الحداثة وصلت لأجهزة
المعالجة والأستمكان من العدو بواسطة الأسلحية الذكية، أصبحت الحروب تحسم
بواسطة الأزرار الألكترونية الذكية وليس الزج بألاف المقاتلين في عمق
الصحراء.
فهل من المعقول وفق هذا التطور الكبير، وإدعاء حكومتنا وجود دعم من
التحالف الدولي، وتخصيصات مالية كبيرة جدا” للوزارات الأمنية، التي بأقل
التقديرات فإنها تستهلك ثلث موازنة العراق المالية، ونهاجم بربع عديد
قواتنا المسلحة المناطق الصحراوية التي تمتد من جنوب سنجار إلى بادية
السماوة بأتجاه عمق الحدود السورية، حيث تصل مساحة هذه الصحاري لقرابة
مئتين ألف كليو متر مربع، والغرض مطاردة فلول داعش، وحال قواتنا في عملية
إرادة النصر، كالذي يبحث عن إبرة في جبل من قش، والملاحظات التي سجلتها
على هذه العملية هي كالأتي:
أولا”- هشاشة الجهد الأستخباري، وخصوصا” الضعف التكنلوجي والألكتروني
والتقني، في مراقبة ومسح المساحات الشاسعة للمنطقة الغربية التي تحتاج
إلى جهد جوي على مدار الساعة لرصد تحركات المجاميع الأرهابية، وصور
للاقمار الصناعية من قبل دول التحالف الصديقة خصوصا” الولايات المتحدة
الأمريكية، كي لا نعطي فرصة النهوض وإلتقاط الأنفاس للعدو، ولوكنا نملك
معلومات دقيقة عن هذه المناطق التي تشكل منطلقا” وعمقا” للمجاميع
الأرهابية ما أحتجنا لهذه العملية العسكرية الواسعة.
ثانيا”- نحن بهذا الأسلوب القتالي نستدرج قواتنا، لمناطق يختارها العدو
وقدر تعرض قواتنا للإستنزاف سواء” في الموارد البشرية أو اللوجستية،
وبهذه الطريقة حققنا مكسب كبير لداعش، ففي عمق الصحراء نحتاج لرصد
ومعالجة فورية وسريعة، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال سلاح الجو والطائرات
المسيرة.
ثالثا”- طريقة تنفيذ عملية إرادة النصر، تعطي إنطباع للمراقب للشأن
الأمني العراقي، إن داعش يسيطر على مساحات شاسعة من العراق، لإننا إتجهنا
للحلول العسكرية وليست ألأمنية عبر تحريك قوة كبيرة من مختلف صنوف قواتنا
المسلحة بإتجاه عمق الصحراء، بينما الأفضل هو ضربات نوعية لمعالجة أوكار
وتجمعات وأنفاق داعش، عبر سلاح الجو العراقي والدولي الذي أستبعد
مصداقيته بحرب داعش.
رابعا”- لا زلنا نحارب بخطط وأساليب قديمة، قد تكون مكشوفة للعدو، نتيجة
البطيء بالتحضير والمعالجة، مع العلم إننا نهاجم عدو لا يملك بنى تحتية
ثابتة ويجيد التخفي والإختباء في الأراضي الصحراوية.