شتان بين ثورة تموز وإسقاط الدكتاتورية

دكتور علي الخالدي

كانت أدوات ثورة الفقراء تموز المجيدة عام 1958 داخلية فقد فجرها جيشنا الباسل بإسناد الشعب وأحزابه الوطنية التي أعدت لها جبهتها الوطنية ، لذا إنجازاتها صُبت قطعا في صالح فقراء الشعب ، معادية للرجعية واﻷقطاع ، واضعتا نصب عينها إسترجاع حقوق الشعب بثرواته الوطنية التي نهبتها الشركات النفطية اﻷحتكارية كاملة غير منقوصة ، وعازمة التخلص من كل أمر يمس باستقلال العراق السياسي واﻷقتصادي ، برفع الغبن الذي لحق بالوطن نتيجة تساهل الحكام آنذاك في ثروات البلاد ، بعقد إتفاقيات مع شركات النفط الإحتكارية وبما منحوه لها من إمتيازات جائرة ، اﻷمر الذي فرط بحق الشعب في اﻷستفادة من ثروته النفطية وضياع حقه الطبيعي فيها . فبادرت قيادة الثورة متمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم بتاريخ 9/12 عام 1960 بدعوة شركات النفط لمقره بوزارة الدفاع موضحا للشركات وجهات نظر العراقيين العادلة ، طالبا اﻷجابة عليها ، لكن الشركات اﻷحتكارية كانت تماطل ، لمعرفتها المسبقة بان، هناك دول بعيدة وقريبة من العراق تحيك مؤامرة بالتحالف مع عملاءها في الداخل ، فتضامنت تلك القوى بعد أن شعرت أن مصالحها دخلت مرحلة التهديد ، الذي لا عودة فيه ، فجيشت أدواتها التي بقيت معشعشة في أجهزة الدولة والقوى اﻷمنية ، مستغلة التسامح الذي أتصفت به قيادة الثورة وزعيمها بمقولته عفى الله عما سلف ، فركبت القطار اﻷمريكي ، وجاءت لتطيح بثورة الفقراء وتصفي منجزاتها الوطنية ، وبذلك سُد أمام العراقيون طريق نهج التقدم والتحرر ، خاصة وإنه نال بثورة الجيش والشعب وزنا سياسيا في المنطقة والعالم إقتصاديا وإجتماعيا ، مما أغاض ألأنظمة الرجعية لدول مجاورة ، بفضل ودعم شعبي منقطع النظير ، من خلال مظاهراته المليونية والمؤيدة للثورة ، فكانت بمثابة رد حاسم لشماتة اعداءها ، وضد تهميش حاملي هم شعبهم ، من مَن أراد تمزيق وحدة الشعب العراقي ، وقتل الكلمة الحرة التي كانت معرفتها بعيدة عن الخصوصيات الفرعية كالمذهبية والطائفية . لكن اللغط والمناكفات وإنقلاب البعض عن الخط الوطني للثورة ، فسح المجال أمام أعداء الثورة للسيطرة على مقدرات الشعب والوطن . وبعد ذلك توالت الإنقلابات العسكرية التي إنتهت بسيطرة الصدامية على مقاليد الحكم ، محولة العراق الى قاعدة تنطلق من نظامه الدكتاتوري الحروب المحلية والإقليمية وخاصة حربة التي أستمرت ثمانية سنوات مع إيران ثم جاء إجتياحه لدولة الكويت التي قصمت ظهر البعير ، فجاءت جحافل الدول الإمبريالية والرجعية لتدمر ما تبقى من تنمية إقتصادية وبنوية التي وجهتها الدكتاتورية لخدمة مصالح القومية العربية جزافا .

جاء العامل الخارجي بحلفاءه مستغلا نقمة الشعب على النظام زاعما نشر الديمقراطية وحقوق الانسان في ربوع وادي الرافدين ، مطمئنا بمن جاء بهم لحكم البلد من أحزاب إلإسلام السياسي ، بأنهم سيحسنوا تطبيق الديمقراطية التي جاء بها كما إدعى ، إلا أن تلك الأحزاب إستغلت الأوضاع التائه من يد الجماهير ، فزرعت عناصرها الطائفية والمذهبية ووضعتهم في كافة الأجهزة الأمنية والإدارية ، بينما إحتل قادتها قصور رجال العهد المقبور ، وعزلوا أنفسهم في المنطقة الخضراء ، وساروا بالعراق نحو الهاوية . على الرغم من المطالبات الوطنية من خطورة المضي بما أقترح عليها بريمر (المندوب السامي الأمريكي) من تبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية الذي وقف خلف إشاعة فسادها ونشر محسوبيها في مرافق الدولة العراقية ، بحيث بات تصحيح الأوضاع بما نادت به الجماهير الشعبية وقواها الوطنية عبر تظاهراتها ايام الجمع وفي سائر الوسط والجنوب من العراق أمرا مستحيلا ، حيث سيطرة نهج مريدي المحاصصة على مرافق الدولة ، وما تلا ذلك من عقم الإرادة الشعبية المطالبة بالتغيير والإصلاح الحقيقي ، فإنتاب الناس اليأس بإزالة المعوقات

وتغيير الأوضاع

لقد تشجعت الأحزاب الطائفية عند سيطرة ميليشياتها الوقحة ذات الطابع الديني على الشارع وعلى المؤسسات الخدمية ذات الطابع الخدمي الذي تنتظره الجماهير الشعبية منها مباشرة ، وإغتنمت فرصة إمتلاكها للسلاح لتبث الرعب وتصدرالحكومة التعليمات التي تحد من حرية الفكر والأعتقاد حتى أن مواد الدستور ربطتها بقوانين الشريعة ، فتقوى عودها بحيث اصبح من غير الممكن أن يكون الطريق الديمقراطي كالانتخابات طريق نحو إلغاء سيطرتها

ويلاحظ المراقبون حاليا بأن الصدام الحالي بين ألويلايات المتحدة وإيران يعرضان الوضع السياسي والإقتصادي في العراق إلى مخاطر تعيده الى المربع الأول ، وهاتان القوتان وفرا بذلك للطبقة الحاكمة حماية إستمرارية فسادها وضياع حلم العراقيين من مردود إسقاط الدكتاتورية ، فالاحزاب الحاكمة وميليشياتها أصبحت هي الوصي على إستمرارية المحاصصة التي يتحمل العامل الخارجي مسؤولية سحب البساط من تحت أقدامها ، ووضع العراق على سكته الصحيحة التي كان يحلم بها العراقيون .فالمقارنة بين تموز و2003 لا يجب أن تكون محل جدال بين الجماهير الشعبية وبين من وضع في مواقع القرار ، فالمكاسب التي جاءت بها ثورة تموز صبت في صالح الشعب والوطن ، أما ما جاء به العامل الخارجي بعد إسقاطه الدكتاتورية ، جاء لصالح الأحزاب الإسلامية ومحسوبيها وميليشياتها الوقحة ، فشتان بين الثورة وإسقاط الدكتاتورية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here