مظاهرات تيار الحكمة في البصرة- بين مناطقية العيداني، ووطنية العراقيين !

مهدي ابو النواعير

من المقرر ان يخرج حشد كبير من ابناء الشعب العراقي، المنتمين لتيار الحكمة الوطني، لممارسة حقه في التظاهر السلمي، في ممارسة هي الأولى من نوعها لتيار سياسي، تبنى منهج المعارضة، في بلد يمثل ارقى حالات الديمقراطية، وسط منطقة تتميز بتشرذمها الدكتاتوري العائلي.

حق التظاهر، وحق محاسبة السلطة والحكومة وكل اجهزة الدولة، وحق ممارسة الفعل المعارض، هو من الامور التي لها قدسية كبيرة في ادبيات الديمقراطية، في الدول المتحضرة.

الدول الحديثة، يسير التطور فيها بكل نواحيه (الادارية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية والعلمية) عبر سلسلة متشابكة مترابطة من المهام والقوانين والممارسات والمحذورات والواجبات، لا يمكن الفصل فيما بينها من خلال فصل مناطقي جغرافي، او فصل اداري.

فالملف الاقتصادي يتاثر بالملف الامني، والملف السياسي يتاثر بالملف الديني، والملف الاعلامي يتاثر بالملف القانوني، وكل من هذه الملفات وغيرها، يترابط فيما بينه وبين الاخريات، بروابط شد وجذب وتحييد او دعم.

نفس الامر نجده في الاطار الجغرافي، فما يقع في النجف من مشاكل، قد يؤثر سلبا في دهوك، وما يقع في الموصل قد يؤثر في بابل، فكل منطقة في العراق لها من الخصائص والمميزات الجغرافية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية، ما ان تتاثر او يصيبها الارباك او الخلل، حتى تتاثر باقي المناطق والتشكلات المجتمعية فيها.

القرار الاخير الذي اتخذه السيد العيداني محافظ البصرة، بخصوص منع حق التظاهر والمطالبة بالاصلاح في البصرة لغير اهلها البصريين، هو امر لا تتقبله المنظومة الديمقراطية بكل اشكالها، بل لا تتقبلها منظومة اخلاقنا الاسلامية بشكل صارخ، فخصوصية اسلام المرء، هو اهتمامه بشؤون اخوانه المسلمين في اقصى الارض، فكيف اذا كان الامر يتعلق بحيز وطني داخل بلد واحد؟

اعتقد ان لكل مكان خصوصية وأهمية، تتعلق بأطر تشمل او تهُم كل العراقيين، فموانئ البصرة تخص كل العراقيين وليس فقط اهل البصرة، ونفط البصرة ثروة وطنية تتعلق بكل العراقيين، ولا تخص اهل البصرة فقط، وأمن البصرة (حدوديا- بعد ان اصبحت معبرا مهما لتهريب المخدرات والسلاح) قضية مهمة ومصيرية، مردود أذاها يشمل كل العراقيين وليس اهل البصرة فقط، فعدم السماح للعراقيين من غير اهل البصرة بالتظاهر فيها، هو قرار غريب ومجحف، ولا اعتقد ان للمحافظ صلاحية تمنع اي عراقي من المطالبة بحقوقه او حقوق اي عراقي آخر في اي بقعة من بقع العراق، خاصة ونحن في نظام ديمقراطي من المفترض ان تكون فيه صلاحيات الحاكم الاداري محدودة ومقيدة بارادة الشعب، ومن ضمنها ضرورة تنظيم العلاقة بين السلطة، وبين القوى المعارضة لها، وتقديم كل الضمانات القانونية والادارية والعملية الواقعية، لتتحرك المعارضة بأطرها الصحيحة في تقويم عمل السلطة او الحكام الاداريين، ومن هذا المنطلق، فان لكل قوة معارضة، منطقها الخاص الذي تتحرك بموجبه، بما يمكنها من استغلال نقاط القوة لديها، في مقابل استغلال نقاط الضعف في أخطاء السلطة (وهو حق مشروع للمعارضة في ادبيات النظم الديمقراطية)، وما دام كل ذلك يسير في إطار سلمي، مراعيا للقوانين ولسلامة مكان التظاهر، والحفاظ على الممتلكات العامة وارواح الناس فيه، فلا شيء يمنع من ممارسة هذا الحق.

ولا يوجد في كل ادبيات القوانين الدستورية، للنظم الديمقراطية الحاكمة، قوانين او ادبيات تسمح لموظف اداري في دولة ديمقراطية( مهما كان منصبه)، الوقوف بوجه محاولة الشعب او اي فئة من فئاته، المطالبة بحقوقها في اي مكان داخل الحدود الادارية للبلد.

نعم لو كانت المظاهرة تتعلق بخصوصية ضيقة خاصة باهل البصرة، لكان حضور من هو خارج المحافظة فيه شيء من الغرابة (مع ان ذلك لا يحق قانونا رفضه)، كأن تكون مظاهرة لأزمة السكن لاهل البصرة مثلا، او مظاهرة لظلم شريحة معينة في تلك المحافظة.

بل حتى هذا النوع من المظاهرة، هو حق مسموح ومباح لكل شريحة في المجتمع العراقي، فمثلا، لو خرج اهل البصرة في مظاهرة، للمطالبة بالحفاظ على قدسية النجف (مثلا)، سواء اقاموها في البصرة، او اقاموها بالمشاركة مع اخوتهم النجفيين، لن يكون هناك اي مانع اخلاقي او سياسي او اجتماعي او قانوني، لان الامتداد الاخلاقي والوطني، هو امتداد افقي، يشمل كل فرد في الوطن، وليس امتداد عمودي، يتعلق باهل حدود جغرافية ادارية مدينية محددة، تتنازل من نخبها العليا، الى قاعدتها الجماهيرية!

والادهى من ذلك ان السيد محافظ البصرة، يحاول محاربة ومنع (حق المطالبة بالاصلاح) وهو هنا يمارس نوعا من ضرب لواجب وطني( والذي كما قلنا يمتد افقيا ليشمل كل ابناء البلد) وهو الواجب الذي يتشرف به اي عراقي، بل ويحق لكل عراقي ممارسته في كل زمان ومكان في هذا البلد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here