خطوطنا الحمراء.. والخضراء أيضا

زيد شحاثة

يبدوا أن حداثة تجربتنا السياسية, عودتنا أن تأتينا بكل ما هو غريب وجديد وغير معتاد في العمل السياسي, فيصير سياقا ثابتا جديدا, لم يسمع به أحد من قبل في كل تجارب العالم السياسية.

من دون أن يعلم أحد أو ينتبه, وفي قضية إنزلقنا فيها جميعا, ظهر مفهوم سياسي تحت عنوان ” الخطوط الحمراء” ويقصد بهم قضايا أو أفراد, لا نقبل أو نسمح بأن يتم المساس بهم ولو من باب النقاش!

قضية التقديس للأمور أو الجهات والأفراد, ليست جديدة بحد ذاتها كفكرة.. لكن ” إقحامها قسرا” في العمل السياسي عندنا هو الغريب والعجيب.. فكما هو معروف, فالعمل السياسي واقعيا كرمال متحركة لا ثوابت فيه إلا ما ندر, أو هكذا أريد له أن يكون.. وصارت الثوابت فيه والمبادئ قليلة, ومن يتمسك بها أقل وأندر..

من الطبيعي أن يكون لنا أفكار ومبادئ لا نقبل الطعن بها, وتكاد تكون ثوابتا لنا.. لكن الخالق منحنا العقل لنفكر به ونقبل النقاش حول كل المواضيع والقضايا, ولا يجب علينا بالضرورة أن نغير قناعاتنا حول تلك الثوابت.. نسمع ونحاور ونتقبل الأخر برغم إختلافه معنا, لكننا لسنا مضطرين لتغير ما نحن نقتنع به ونؤمن..

رغم أن الأمور التي نعتبرها قناعات راسخة ” ثوابتا” لدينا يفترض أن تكون قليلة لأهميتها وكونها أساسية.. لكن القضية توسعت, وصارت تشمل شخوصا لهم توصيفات سياسية أو دينية بل وحتى إجتماعية, لا تستحق هذا التقديس غير المعقول!

أنقلب الحال لاحقا, وفقد التقديس معناه بالكامل, عندما تحولت ” الخطوط الحمراء” ليختص بها من يملكون السلاح خارج إطار الدولة, بل وحتى ضمن من يضمهم إطار الدولة ولو شكليا لكنهم واقعا يهدمونها.. وصارت تطلق على من يملكون المال والسلاح وحتى الجاه, ومن يشغل منصبا ولو صغيرا ومن له سلطة ولو حتى في سيطرة بمدخل مدينة, يفترض أن تنظم الأمن!

من لا يملك السلاح أو الأفراد الذين لديهم القدرة على خرق كل القوانين, وتجاوز كل السياقات, ويفعلون أي شيء بناء على طلب أو مصلحة ومنفعة, ليسوا سوى خط أخضر باهت.. ولا يحق له أن يكون مقدسا, بل ولا حتى أن ينال شيئا من الإحترام الذي كفله له القانون والمواطنة بشكلها العام.

هذا هو الشكل العام للدولة, التي يريدها مثل هؤلاء.. فدوما هناك من يستفيد من سلاح سائب غير منضبط, كورقة ينتفع بها تفاوضيا, أو كقاتل مأجور يمكن إستخدامه لإسكات من لا يمكن إسكاته, في ظلمات الليل!

الخطوط الحمراء كذبة نحن إصطنعناها, فصارت وبالا علينا, لأننا أعطيناها لمن يعقل وله قيمة ومن هب ودب وهو كالأنعام.. بل أظل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here