خضير طاهر
أقدار مجهولة تقذف بك من رحم الأم الى أرض لم تخترها ثم تحسب عليك وطنا يصبح السجن والعذاب ومطحنة للموت .. نحن ليس فقط ضحايا الدكتاتوريات ، وإنما أصالة ضحايا الأقدار التي أوجدت الدكتاتور والأوطان التعيسة .
كنت جالسا في مطعم صغير في الأعظمية ببغداد أتناول كعادتي أكلتي المفضلة ( التبسي ) وكان وقتها بدأ مشروعي لإعداد نفسي كي أصبح أديبا روائيا ، أصبحت حواسي متحفزة لإلتقاط الصور والأشخاص والأحداث وتخزينها في الذاكرة كمواد خام كي يتم تحويلها فيما بعد الى أعمال أدبية .
كان يتكلم بحرقة مع صديقه (( انا هاجمته بفيل وحصان وجندي )) ورغم أني لاعب شطرنج ، لكني هذه أول مرة أسمع هذا النوع من المعاناة والحسرة بهذا الشكل الجاد من شخص خسر مباراته في الشطرنج .
بدا لي شكله غريبا حيث كان يرتدي نظارات سوداء تخفي عينيه يتدلى فوق جبهته ونظارته شعر رأسه الامامي ، أنهيت تناول طعامي على أنغام أغنية ميادة الحناوي (( الحب اللي كان ))
لابد للبشر من الأوهام والأحلام كي تستمر خدعة الحياة .. كانت أحلامنا بريئة جدا .. السعي لقراءة رواية أدبية تترك في حالة نشوى وسكر لعد أسابيع وربما تؤثر فيك عميقا ، والتفكير بإمراة جميلة تسقط عليها خيالك وسيناريوهات المغامرات القادمة ، او كتابة سطور بسيطة تدخل اليك الشعور بالمعنى ومتعة الإنجاز !
فيما بعد رأيته في مقهى البرلمان في شارع الرشيد حيث يتجمع الكتاب والأدباء ، وهواة ممارسة الشطرنج ، كان يحمل كتابا أجنبيا يطبق منه على رقعة الشطرنج بعض التمارين .
إشتعلت الحرب مع إيران وحصدت الأحلام والارواح .. ورأيته مرة أخرى في مقهى البرلمان مرتديا الزي العسكري خالقا شعره وخالعا نظارته السوداء ، كان محطما وهو داخل جحيم الجيش ، لاأعرف كيف أصبح مصيره ، لكني كنت أقل ضررا منه بفضل ضربات الحظ كنت جنديا غير مسلح أداوم في بغداد بجوار الأعظمية .. وبينما كانت الحرب مشتعلة كنت ألعب الشطرنج داخل الدائرة العسكرية وأقرأ وأكتب وأتجول في شوارع بغداد وأذهب الى السينما والمسرح والمكتبات .. ولاأعرف لماذا كنت محظوظا وقتها وغيري من الناس ذهب الى جحيم الحرب !
Read our Privacy Policy by clicking here