باريس .. رسائل انيقة من غير محتوى

تيلي امين

اثناء عهد الاستعمار ، ارتكبت الدولة الفرنسية الكثير من الاخطاء بحق شعب كردستان وشاركت بريطانيا وروسيا القيصرية في قمع الحركات التحررية الكردية ، وحاولت معهما انشاء كيانات عنصرية في كردستان وتهجير الكرد من المدن والمراكز الاقتصادية .

كل ما يميّز فرنسا عن غيرها من الدول الاستعمارية في ذلك العهد ،انهااصبحت بنظرالكرد ، الارض التي جاءت منها البشرى الاولى بالموافقة على ولادة دولة كردستان الموحدة . وذلك لان معاهدة ( سيفر ) التي تم توقيعها على الاراضي الفرنسية من قبل الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الاولى والدولة العثمانية المهزومة ، في العاشر من شهر آب 1920 ، اقرّت للكرد في ثلاثة بنود منها حق تشكيل دولته والانفصال عن الدولة العثمانية شأنه شأن غيره من الشعوب غير التركية . لكن معاهدة سيفر ، والتي وقعت في معمل للخزف والزجاج ،كانت سهلة الكسرمثل الزجاج الذي ينتجه على حدّ قول احد

المؤرخين ، فاستبدلت المعاهدة بمعاهدة ( لوزان) السيئة الصيت ، والتي تجاهلت حقوق الكرد تماما .

بعد زوال العهد الاستعماري واثناء فترة الجمهورية الخامسة وبالتحديد ابّان حكم الرئيس (فاليري جيسكار ديستان1974-1981) كانت فرنسا الاقرب الى نظام صدام حسين من بين كل الدول الغربية .

حدث تطور هام في عهد الرئيس ( فرنسوا ميتران ) الذي خلف ديستان في حكم فرنسا ، وابدت الحكومة الفرنسية في عهده اهتماما لقضية وحقوق الشعب الكردي . ففي اعقاب قصف النظام البعثي كردستان بالاسلحة الكيماوية ، نظّمت الحكومة الفرنسية مؤتمرا او اجتماعا لمناقشة هذه التطورات ، لكن الكلمة العليا في المؤتمر كانت لطارق عزيز وزير خارجية صدام ، ولم يحصل المرحوم ( جلال الطالباني ) على الموافقة الفرنسية لحضور المؤتمرالذي لم يصدر عنه ما يعتبر ادانة لما جرى في كردستان .

حازت فرنسا في عهد ميتران على سمعة طيبة ، لدى الشعب الكردي والافضلية من بين كل دول الغرب ،

بسبب مقترحها الناجح حول حظر الطيران شمالي خط 36 وانشاء المنطقة الامنة في كردستان عقب انتفاضة 1991 والنزوح الجماعي للكرد للحدود الدولية . ووصف السيدة ( دانيال ميتران) نفسها بصديقة الشعب الكردي .

ظلّت العلاقات الودّية قائمة بين حكومة كردستان ، التي تشكلت في المنطقة الامنة ، والحكومات الفرنسية من ذلك الوقت وحتى الان ، ما عدا فترة حكم الرئيس ( جاك شيراك ) والذي كان يحتفظ بعلاقات طيبة مع صديقه صدام حسين . وكان الرئيس الفرنسي الحالي ( عمانوييل ماكرون) اول رئيس دولة يستقبل في عاصمته رئيس وزراء كردستان بعد اجراء الاستفتاء ، واعلانه العمل على اعادة تطبيع العلاقات بين بغداد واربيل والتي تدهورت كثيرا .

استنادا الى العلاقات المتميزة ( حسب تصورنا ) بين حكومة كردستان والحكومة الفرنسية الحالية ، كان الانطباع العام ايجابيا، والى حد كبير، حول اللقاء الاخير للسيد ماكرون برئيس الاقليم السيد نيجيرفان البارزاني ، في (قصرالاليزيه ). وبدى من الاستقبال الرسمي ان اللقاء

كان حميميا بالفعل . لكن البيان الذي اصدره قصر الاليزيه في اعقاب الاجتماع ، لم يكن في مستوى طموح الكثيرين من الكرد ان لم نقل كان مخيبا لامال البعض منهم .

لم يخرج البيان عن العبارات الدبلوماسية العامة ،ولم يشر ، كما كان متوقعا ، الى تفهم فرنسا لحقوق الكرد كدولة عظمى لها مسؤولياتها ، اوما يشير الى مساندتها لحكومة اقليم كردستان في المجالات السياسية او الاقتصادية او حتى الثقافية .

الرسائل التي بعثها قصر الاليزيه لشعب كردستان تم صياغتها بدبلوماسية بارعة وتم تفريغها من كل محتوى . لم يكن لا السيد نيجيرفان البارزاني ولا الشعب الكردي بحاجة لان يؤكد السيد ماكرون للسيد البارزاني تمسك فرنسا بوحدة العراق وسيادته ، فقد تجاوزت حكومة كردستان مرحلة الاستفتاء واعلنت مرارا انها ترغب في معاجة الاشكالات مع العاصمة بغداد ، وتمسكها بدستور الجمهورية العراقية الذي يضمن وحدة العراق وسيادة الحكومة الفدرالية على الاراضي العراقية .

ومع ان بيان الاليزيه قد افصح عن احترام فرنسا لكل مكونات العراق ، الا ان ذلك لا يخفف من شدّة لهجة البيان . كما ان ترحيب فرنسا وقصر الاليزيه بتقدم المباحثات بين بغداد واربيل لا يفهم منه ان باريس ستضغط او ستعمل باتجاه نجاح المباحثات ونتائجه المرضية للطرفين .

من ناحية اخرى ، وبينما كان الكثير يتطلع للمساعدة والدعم الفرنسي في المجالات المختلفة ، اختصر البيان كل دعم فرنسا للكرد كجزء من شعب العراق ، بمكافحة الارهاب ! ورغم ان الارهاب يشكل تحديا كبيرا للعراقيين، الا ان مسؤوليات فرنسا الدولية وكونها صاحبة مقعد دائم في مجلس الامن، عانت وتعانى هي نفسها من الارهاب ، توجب عليها دعم كل جهد لمكافحة الارهاب .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here