ذكرى‭ ‬قاسم‭ ‬والملكية

رافد جبوري
مع‭ ‬شهر‭ ‬تموز‭ ‬يوليو‭ ‬ومنتصفه‭ ‬وتحديدا‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬منه‭ ‬يبلغ‭ ‬موسم‭ ‬الخلاف‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬ذروته‭ ‬بين‭ ‬العراقيين‭. ‬اهم‭ ‬المحاور‭ ‬الرئيسية‭ ‬المعتادة‭ ‬للخلاف‭ ‬هي‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬و‭ ‬الجنرال‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬قاسم‭. ‬من‭ ‬الملفت‭ ‬للانتباه‭ ‬انه‭ ‬مع‭ ‬علو‭ ‬ضجة‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف‭ ‬الموسمي‭ ‬وكثرة‭ ‬الحديث‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬ومزاياه‭ ‬او‭ ‬مثالبه‭ ‬وعن‭ ‬الجنرال‭ ‬قاسم‭ ‬و‭ ‬عهده‭ ‬وخصومه‭ ‬واعداءه‭ ‬فان‭ ‬اي‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬حاليا‭ ‬اي‭ ‬تيار‭ ‬سياسي‭ ‬اي‭ ‬انهما‭ ‬لم‭ ‬يتبلورا‭ ‬الى‭ ‬حركة‭ ‬سياسية‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالحاضر‭. ‬
بالنسبة‭ ‬للملكيين‭ ‬تبين‭ ‬ان‭ ‬الحركة‭ ‬الملكية‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬يتزعمها‭ ‬الشريف‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬الحسين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬لاعب‭ ‬سياسي‭ ‬صغير‭ ‬لم‭ ‬يحض‭ ‬بحصة‭ ‬ملحوظة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الفين‭ ‬وثلاثة‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬التوقعات‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬ذلك,‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الحركة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬المعارضة‭ ‬الست‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينيات‭ ‬بعد‭ ‬اصدر‭ ‬الكونغرس‭ ‬لما‭ ‬سمي‭ ‬بقانون‭ ‬تحرير‭ ‬العراق‭. ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حصول‭ ‬الحركة‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬مادي‭ ‬اميركي‭ ‬و‭ ‬اعتراف‭ ‬سياسي‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬به‭ ‬جماعات‭ ‬سياسية‭ ‬اقدم‭ ‬منها‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬اجتياح‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬يطرح‭ ‬موضوع‭ ‬عودة‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬ابدا‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬حضور‭ ‬جدي‭ ‬في‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬وكتابة‭ ‬دستوره‭ ‬وقوانينه‭ ‬الاساسية‭ ‬كما‭ ‬ولم‭ ‬تحصل‭ ‬هي‭ ‬ورئيسها‭ ‬على‭ ‬شئ‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬الانتخابات‭ ‬المتتالية‭ ‬او‭ ‬توزيع‭ ‬الحصص‭ ‬والمغانم‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬تقاسمها‭ ‬رفاق‭ ‬المعارضة‭. ‬حاول‭ ‬الشريف‭ ‬علي‭ ‬ايضا‭ ‬ان‭ ‬يلعب‭ ‬وفق‭ ‬صيغ‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬ارساه‭ ‬الاميركيون‭ ‬و‭ ‬قادة‭ ‬المعارضة‭ ‬فتواصل‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬السني‭ ‬محاولا‭ ‬ابراز‭ ‬نفسه‭ ‬كزعيم‭ ‬سني‭ ‬فلم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬ليتحالف‭ ‬مع‭ ‬الاحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬المسيطرة‭ ‬فلم‭ ‬يحقق‭ ‬نجاحات‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ايضا‭ ‬لكنه‭ ‬بقي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬علاقاته‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬المعارضة‭ ‬ليتم‭ ‬استقباله‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬واخر‭ ‬من‭ ‬زملائة‭ ‬السابقين‭ ‬الذي‭ ‬باتوا‭ ‬قادة‭ ‬حاكمين‭. ‬نشير‭ ‬هنا‭ ‬الى‭ ‬انه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حركات‭ ‬ملكية‭ ‬اصغر‭ ‬لكنها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬كانت‭ ‬اكثر‭ ‬فشلا‭ ‬من‭ ‬الملكية‭ ‬الدستورية‭ ‬وقد‭ ‬اضمحلت‭ ‬واختفت‭ ‬مثلها‭. ‬
اما‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬قاسم‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬ردد‭ ‬عبارة‭ ‬انه‭ ‬فوق‭ ‬الميول‭ ‬والاتجاهات‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬فعلا‭ ‬مستقلا‭ ‬غير‭ ‬منتم‭ ‬لاي‭ ‬حزب‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬التاريخ‭ ‬المكتوب‭ ‬وصم‭ ‬عهده‭ ‬بالشيوعية‭. ‬ومازال‭ ‬الشيوعيون‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬المحتفلين‭ ‬بعهد‭ ‬قاسم‭ ‬وتراثه‭ ‬و‭ ‬هم‭ ‬الاكثر‭ ‬حدة‭ ‬في‭ ‬الخصومات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتاريخ‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الحقبة‭ ‬الذهبية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬والتي‭ ‬تعرضوا‭ ‬في‭ ‬نهايتها‭ ‬لضربة‭ ‬كبيرة‭ ‬قاسية‭. ‬هيمن‭ ‬الشيوعيون‭ ‬فعلا‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬قاسم‭ ‬وقد‭ ‬كانوا‭ ‬روادا‭ ‬للحداثة‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وكانوا‭ ‬داعمين‭ ‬استراتيجيين‭ ‬لتوجه‭ ‬قاسم‭ ‬المعادي‭ ‬للوحدة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ستقضي‭ ‬على‭ ‬رغبته‭ ‬بالزعامة‭ ‬وتضعه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭. ‬ونشطت‭ ‬في‭ ‬اول‭ ‬عهد‭ ‬قاسم‭ ‬ميليشيات‭ ‬الشيوعيين‭ ‬التي‭ ‬ساعدته‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬اول‭ ‬تحد‭ ‬كبير‭ ‬واجه‭ ‬حكمه‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬الشواف‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬حيث‭ ‬ارتكبوا‭ ‬تجاوزات‭ ‬وانتهاكات‭ ‬معروفة‭ ‬هناك‭ ‬ثم‭ ‬اشتبك‭ ‬الشيوعيون‭ ‬الكرد‭ ‬مع‭ ‬خصومهم‭ ‬القوميون‭ ‬التركمان‭ ‬في‭ ‬كركوك‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬اسقاط‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬وارتكبوا‭ ‬مذابح‭ ‬معروفة‭ ‬اضطر‭ ‬قاسم‭ ‬لادانتها‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬شهير‭ ‬اختار‭ ‬ان‭ ‬يلقيه‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬كنيسة‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬بغداد‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬كان‭ ‬القوميون‭ ‬والبعثيون‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬خصوم‭ ‬قاسم‭ ‬وتوجهه‭ ‬المتهم‭ ‬بالانحراف‭ ‬عن‭ ‬هدف‭ ‬انقلاب‭ ‬–‭ ‬ثورة‭ ‬تموز‭ ‬في‭ ‬الوحدة‭ ‬مع‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬انذاك‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬بزعامة‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭. ‬تمكنوا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬الاطاحة‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬حكم‭ ‬اربع‭ ‬سنوات‭ ‬ونصف‭ ‬تقريبا‭ ‬وتم‭ ‬اعدامه‭ ‬بسرعة‭ ‬و‭ ‬تم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬جثته‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬قبر‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موضوع‭ ‬الملكية‭ ‬وعودتها‭ ‬مطروحا‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفية‭ ‬لكن‭ ‬الاستقرار‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬توفره‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬هوية‭ ‬البلد‭ ‬والممارسة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬على‭ ‬علاتها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭ ‬تبقى‭ ‬سمات‭ ‬يفتقدها‭ ‬كثيرون‭ ‬حين‭ ‬يشيرون‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬رحلة‭ ‬ضياع‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬والمجزرة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬العسكر‭ ‬بقتل‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬الثاني‭ ‬والعائلة‭ ‬المالكة‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬تموز‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬عهد‭ ‬قاسم‭ ‬انتهى‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬وريث‭ ‬سياسي‭ ‬باي‭ ‬معنى‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬لكن‭ ‬نزاهة‭ ‬قاسم‭ ‬الشخصية‭ ‬وتنفيذه‭ ‬لمشاريع‭ ‬تنموية‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬الطبقات‭ ‬الفقيرة‭ ‬بقيت‭ ‬سمات‭ ‬يؤشر‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬يحتفي‭ ‬به‭ ‬وبعهده‭. ‬هنا‭ ‬يجب‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬جهات‭ ‬عديدة‭ ‬خاصمت‭ ‬قاسم‭ ‬عادت‭ ‬الى‭ ‬تغيير‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬عهده‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬صار‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭. ‬فقد‭ ‬راجع‭ ‬قادة‭ ‬كرد‭ ‬بارزين‭ ‬مواقفهم‭ ‬في‭ ‬اشعال‭ ‬التمرد‭ ‬ضده‭ ‬كما‭ ‬وكشف‭ ‬تسجيل‭ ‬صوتي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معلنا‭ ‬لاحد‭ ‬اجتماعات‭ ‬القيادة‭ ‬العراقية‭ ‬السابقة‭ ‬موقفا‭ ‬للرئيس‭ ‬العراقي‭ ‬السابق‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬يتحدث‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬قاسم‭ ‬بانصاف‭ ‬ويقول‭ ‬بان‭ ‬البعثيين‭ ‬لم‭ ‬يعطوه‭ ‬الفرصة‭ ‬لان‭ ‬يعمل‭ ‬وينفذ‭ ‬رؤاه‭. ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬اثناء‭ ‬محاكمته‭ ‬بانه‭ ‬لا‭ ‬يكره‭ ‬قاسم‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬اطلق‭ ‬عليه‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭ ‬الفاشلة‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬الرشيد‭. ‬
ان‭ ‬النزاع‭ ‬والجدل‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬حول‭ ‬الملكية‭ ‬و‭ ‬قاسم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬حنينا‭ ‬للماضي‭ ‬يحرك‭ ‬فئات‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬محبي‭ ‬الملكية‭ ‬و‭ ‬محبي‭ ‬قاسم‭ ‬لكنه‭ ‬ايضا‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬العراق‭ ‬والرؤى‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تتنازع‭ ‬تلك‭ ‬الهوية‭. ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬مستمر‭ ‬متعدد‭ ‬الوجوه‭ ‬سيعود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موسم‭ ‬قادم‭.‬

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here