قراءة في المجموعة القصصية ( دمشق الحرائق ) للكاتب زكريا تامر . منذ ذلك الحين ودمشق تحترق

يعتبر من ابرز كتاب القصة القصيرة , في تحديث اسلوب السرد والحبكة الفنية لنص القصة القصيرة , في تطوير اساليب صياغتها . وبرز ايضاً في الاسلوب الساخر والانتقادي . الذي يمزح الواقع بالخيال . في ابراز صور من الانتهاك الانساني والحياتي , يحاول ابراز معالم وصور الانتهاك والظلم والقهر الاجتماعي , الذي يقع على كاهل الانسان , وخاصة على المرأة , التي تعاني الامرين من العادات والتقاليد الظالمة , وعقلية الموروثات الدينية وحكايا الخرافات , التي تدل بأن المرأة عنصر فاسد في المجتمع وانها افعى يقع عليها شرور المجتمع , في اخلال بقيمة هذه الموروثات وقيمها الدينية , في سلوكها الشائن . لذلك تقع عليها معالم القهر الاجتماعي والبؤس والفقر والجوع , والاغتصاب الجنسي . ويحاول ان يسلط الضوء على الخرافات التي هي ضد عالم الانسان والحيوان , في دلالاتها الايحائية والرمزية . ويقف الى جانب الانسان المسحوق والجائع والمحروم . كما يتناول عيوب المجتمع ومثالبه السلبية , تجاه المرأة بأنها متعة لسد الجوع الجنسي , الذي لا يرحم ويدوس على القيم والاخلاق . في السلوك والتصرف , والروح العدائية والانتقامية تجاه المرأة . بدعوة الحفاظ على العادات والتقاليد الاجتماعي , والمحافظة على القيم الدينية من الانتهاك . بأن المرأة تحاول تخريب المنظومة الاخلاقية , التي يستند اليها المجتمع وموروثاته وخرافاته . يقدم هذه الاشكال السردية , استناداً الى قناعاته الفكرية والفلسفية والسياسية , يطرحها في اسلوب سردي مشوق , في هذه المجموعة القصصية ( دمشق الحرائق ) وتحتوي على 30 قصة قصيرة , بالحقيقة هي بمثابة 30 لوحة اجتماعية من صلب الحياة والواقع , ولنتعرف على بعض هذه اللوحات القصصية .
1 – قصة ( البستان ) : يدخل البستان خطيب وخطيبته , وهما في نشوة الحب وحلاوة الكلام , في رسم عشهما الزوجي , ومستقبل حياتهما, وهي ترفل بالحب والاطمئنان بحبور في بناء حياتهما العائلية ويقول لها بمرح وانشراح ( تحبين تواضعي فقط ؟ سأنتقم منكِ أنتقاماً لا ينسى , سيكون لنا مئة ولد . تصوري مئة ولد يحيطون بنا ويصيحون … ماما جميلة .. بابا متواضع ) ص12 . وهما في مذاق هذه النشوة , يحيط بهما اربع رجال حاملين العصا والسكاكين . يساومونها بين الاغتصاب الجنسي للخطيبة , او الموت لكليهما , يقول لهم بأنها خطيبته وهذا غير معقول . لكن لم يصدقوا بكلامه ويتهمونه بالكذب والاحتيال , ويحاول ان يدافع عن خطيبته , لكنه تلقى ضربة على رأسه واغمي عليه , وحين افاق من الاغماء وجد خطيبته تسبح في بركة من الدماء .
2 – قصة ( اقبل اليوم السابع ) : تفرز دلالة قسوة المجتمع وظلمه تجاه المرأة , بأنها عنصر معيب في خاصرة المجتمع , تجلب الشؤوم وشرور للمجتمع . وكل العواقب السيئة التي تقع على المجتمع سببها المرأة , حتى تحول الناس الى ألوح خشبية بسبب وجود المرأة المعيبة والشريرة , ولا يمكن اعاد الحياة الى الناس المتخشبة كالخشب , إلا بقتل تلك المرأة الشريرة والتخلص منها وفوز الناس بالحياة من جديد . هكذا يفتي الشيخ القرية , ويسانده نعيق الغراب الذي لا يهدأ بالصراخ والنعيق ( الذي يمثل الى العادات والتقاليد الاجتماعية ) . ويدفع الشباب الى التطوع بقتل المرأة وانقاذ الناس وعودتهم الى احياء . لذا تطوع احدهم بقتلها ( ستجد في باحة البيت سيفاً معلقاً على الجدار , وهذا السيف وحده القادر على قتلها . احذر أن تبصر وجهها , سيسحرك حقدها ويحولك الى خشب , اطعنها من الخلف ) ص41 . وبالفعل طعنها من الخلف , وهدأ نعيق الغراب عن الصراخ .
3 – قصة ( التراب لنا وللطيور السماء ) : اساليب السلطة الارهابية والقمعية الباطشة , في تكميم افواه الناس في التعبير بالسخط من اساليب الارهابية , حتى يمنعونهم من الدفاع عن الوطن , بحجة لديها القوة الكافية والمتمكنة من دحر اعداء الوطن , وما الشعب سوى الطاعة والصمت , واطاعة السلطان ولي الله على الارض , ومن اجل نصرة الدين والوطن والمحافظة على الامن . عدم اثارة القلائل بالصياح ( كفوا عن الصياح , ماهذا الزعيق والنعيق ؟ هل نسيتم ان الوطن في خطر ؟ ماذا تريدون ؟ ) ويقف رجال الدين في مصاف السلطان وصي الله , بالحذر من اقاويل الكفرة والملحدين اعداء الدين والوطن , الذين يوسوسون في صدور الناس , بأن الوطن مقبل على هزيمة وخراب , في تبريراتهم الدينية ( اذا ساعدنا ابليس على الانتصار على اعدائنا . ألا نكون ربحنا الدنيا وخسرنا الدين ؟ وهل فينا من يتنكر للدين ويفضل دنيا زائلة لا بقاء فيها ) ص56 .
4 – قصة ( الرغيف اليابس ) : يساومها مقابل اعطاءها الرغيف اليابس , ان تبيع جسدها وتمنحه له , حتى تسد رمق الجوع الذي ينهشها , بأنها بنت فقيرة , تعيش حياة البؤس والجوع , وتتوسل به بأن يرحم حالتها المزرية ويعطف عليه بقطعة من الرغيف اليابس لانها لاتتحمل وجع الجوع . لكنه يتعنت في موقفه وفي المقايضة , في اشباع جوعه الجنسي , وفشلت محاولاتها في اقناعه . وترضخ اخيراً لطلبه , وتبدأ المساومة ( ماذا تعطيني اذا اعطيتك ِ الرغيف ؟ )
( سأعطيك ما تطلب .
فهتف عباس فرحاً ( سأفعل بك ما أشاء ) ص82 .
فظلت ليلى مترددة وواقفة في ارتباك . ثم اقترب منها ( والتصقت به , فاعتصرها بين ذراعيه من جديد , وطفق يقبل وجهها وشعرها وعنقها , فأجبرها على السقوط معه على البساط , فأصبحا متمددين متلاصقين وجهاً لوجه , واطبق فمه على شفتيها ) ص83 .
5 – قصة ( الخراف ) : عائشة الصبية تمشي مرفوعة الرأس , يتطلع اليها الناس بحقد وغضب , لانها بدون ملاءة سوداء ترتديها , حتى تصون حرمتها وشرفها , في ارتدى الملاءة السوداء . وبفعلها هذا تشجع نساء الحارة , ربما تشجعهن على الدعارة والفساد , يحرضون شقيقها , ان يصون كرامة العائلة والحارة , في اجبارها على لبس الملاءة السوداء , يرفض اقوالهم وحججهم , بأن شقيقته طالبة جامعية . ولا يمكن الذهاب الى الجامعة بملاءة سوداء . لذلك تكثر الاصوات الرافضة , بأن عائشة تمشي في الشوارع بدون ملاءة سوداء , هذا فساد ودعارة ومخالفة للدين والشريعة , ويساهم شيخ الحارة , الرجل الديني في تأجيج المشاعر الانتقام ضدها , بحجة كما يقول ( المرأة مخلوق فاسد , واذا أفلت زمامها عاثت فساداً وخراباً ) ص113 . ويقول رجل آخر ( إذا سكتنا اليوم , فسيأتي يوم نجد فيه نساءنا كعائشة ) لذلك يحرض شيخ الحارة الشباب على قتلها , لان الملاءة السوداء حماية وشرف للمرأة , وبدونها سيدخل الشيطان الى روحها ويغويها بالزنى . ويعلو صوته بالتحريض على القتل من اجل شرف نساء الحارة ويقول ( يا أولادي واخواني الساكت عن المنكر , كمرتكب المنكر . فأعملوا ما ترونه صوابا , والله الموفق ) ص113 . ويتطوع ثلاثة شبان بقتلها .
6 – قصة ( موت الشعر الاسود ) : يسلم نفسه الى مخفر الشرطة , ويعلن برأس مرفوع بأنه ذبح اخته غسلاً للعار , والفتاة الصغيرة ( فطمة ) ذات الاعوام العشرة زوجوها الى رجل يعاملها بخشونة ووحشية , ويضربها بقسوة , وهي تلوذ بالبكاء وتحاول ان تكون مطيعة حتى تتجنب قسوته العنيفة . وتقول له وهي خائفة ( أني اطيعك وافعل كل ما تريد ) ويزجرها بكلام خشن ( أنا رجل وانتِ أمرأة , والمرأة يجب ان تطيع الرجل . المرأة خلقت خادمة للرجل ) ص138 . . ولكن حقده عليها يتصاعد دون رحمة , حتى يقوم بتحريض شقيقها على ذبحها وقتلها لانه لا يطيقها , واصبحت عاراً عليه وعليهم , وهكذا ذبحت ( فطمة ) وسبحت بدماءها النافرة .
7 – قصة ( شمس للصغار ) : أحد الاولاد المشاغبين , ارسلته أمه الى بائع اللبن لشراء اللبن واعطته الصحن , وحذرته بشدة بعدم المشاغة والعراك مع صبية الحارة , وتم شراء اللبن , وفي الطريق اعترضه احد الصبية المشاغبين , حاول اول الامر ان يتحاشاه ويتجنبه , خشية من سقوط صحن اللبن , ولكن الصبي استمر بالتحرش به , ثم اخرج ذبابة ميتة ووضعها في صحن اللبن , استشاط غضبا , وكسر صحن اللبن على رأسه , , واصابته الحيرة كيف يصل الى البيت بدون صحن اللبن , وكيف سيقنع أمه ؟ فأنزوى في احدى زوايا بيت مهجوراً باكياً . ولكن لم يصدق عيناه وجد قربه خاتم من الفضة مغموراً بالتراب , فأزاح الترب عنه , وفجأة يظهر له , قط اسود يقف امامه , ففزع من القط الاسود , ولكن القط الاسود قال ( أنا المارد خادم الخاتم ) و ( انا احضر متنكراً حتى لايخاف الناس مني ……… هيا اطلب ما تشاء فألبي طلبك ) ص190 . فطلب منه صحن اللبن . فوجد صحن اللبن جاهز بين يدية , لكن الفرح اختفى , حين عثرت عيناه على ذبابة ميتة طافية على وجه اللبن .
8 – قصة ( رحيل الى البحر ) : من اساليب السلطة الظالمة والطاغية , ان تجعل المواطن يعيش في دوامة الخوف والرعب , لانه اصبح لعبة بين يديها , بزج به في السجن بشتى الاتهامات المعقولة وغير المعقولة , فجأة احطت به ثلة من الجندرمة . وزجته بالسجن , بتهمة ( قتل الله ) رغم توسلاته بأنه بريء . لكن الضابط المحقق يستمر في لعبته , في ممارسة شتى انواع التعذيب والوحشي , ومهدداً باهدر دمه اذا لم يعترف بجريمته , بأنه قتل الله , ومحذر من اهدار حياته بثمن رخيص ,ويقول له اذا اردت حياتك عليك ان تعترف بجريمتك ويزجره بعنف ( أنت تكذب . اعترف بأنك قتلت الله …. تكلم انت قتلت الله . قل من دفعك الى قتله ) و ( كل الذين يأتون الى هنا يتكلمون مثلك في البداية ثم يعترفوا بعد تعذيب قليل . ضرب بالعصي . قلع أظفار . كهرباء . كسر عظام ) ص 276 . . واستمر التعذيب على هذا المنوال . ولكن في احد الايام يتبدل الموقف في زنزانته . يقبل عليه الضابط المحقق بوجه بشوش ولطيف ويقول له . صباح الخير , وفعلاً انت بريء , واخرج من السجن , أنت حر ( ألقي القبض على رجل له سوابق عديدة , قد اعترف بأنه قاتل الله ) ص280
× المجموعة القصصية : حرائق دمشق
الكاتب : زكريا تامر
تاريخ الاصدار : عام 1973
عدد الصفحات : 327 صفحة
جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here