لا شك ان هناك فرق بين المعارضة في الانظمة الدكتاتورية المستبدة كنظام الطاغية المقبور صدام والمعارضة في الأنظمة الديمقراطية التعددية كنظام ما بعد تحرير العراق اي ما بعد قبر صدام وزمرته الفاسدة
فالمعارضة في الانظمة الدكتاتورية هي ثورة شعب ضد جلاده ضد سجانه ضد قاتله
تستهدف انقاذ نفسه من هذا الجلاد السجان القاتل ومن هذه المعارضة القوى الاسلامية والمدنية التي رفضت حكم الطاغية وتحدت النظام حتى تمكنت من سحقه وقبره الى الابد طبعا بمساعدة ومساندة الشعوب الحرة والمجتمع الدولي ومنظماته الانسانية وفي المقدمة الامم المتحدة
اما المعارضة في النظام الديمقراطي التعددي لا تعتبر معادية للنظام ولا تعمل على الاطاحة به لانه جاء وفق الدستور ووفق ارادة الشعب ومهمة المعارضة هي تطبيق الدستور واحترام ارادة الشعب وتراقب عناصر الحكومة والمسئولين فاذا عجزوا عن اداء مهمتهم اقالتهم واذا قصروا حاسبتهم
فالمعارضة في هذه الحالة هي جزء من النظام وليس ضده فالهدف واحد هو خدمة الشعب وتحقيق رغباته لكن الاختلاف في الوسائل التي تحقق تلك الاهداف والرغبات لهذا تنقسم الطبقة السياسية الى قسمين الأغلبية تحكم اي تنفذ والاقلية تعارض وتراقب التي تحكم وتنفذ واثبت بما لا يقبل ادنى شك ان الحكومة الناجحة دليل على وجود معارضة ناجحة كما اثبت ان النظام الذي فيه معارضة دليل على انه ديمقراطي ويحترم شعبه وعدم وجود معارضة دليل على انه نظام دكتاتوري مستبد لا يحترم شعبه وهذه حقيقة واضحة لا تحتاج الى دليل او برهان ومن هذا المنطلق قال اهل العقل والحكمة لا ديمقراطية بدون معارضة دستورية للحكومة
المعروف جيدا بعد تحرير العراق في 9 نيسان 2003 تهيأت للعراقيين الظروف الملائمة للسير في طريق الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية واقامة حكومة تتكون من قسمين قسم يحكم وهو الاغلبية وقسم يعارض وهو الاقلية لان هناك دستور وهناك مؤسسات دستورية وهناك حرية واسعة لكل عراقي لاختيار من يمثله في المؤسسات الدستورية
فكل محافظة من محافظات العراق تختار من يمثلها بحرية وهؤلاء يشكلون البرلمان الذي يختار رئيسه ونائبيه ويختار رئيس الجمهورية ويختار رئيس الحكومة واعضاء الحكومة ويراقبهم جميعا اذا عجزوا عن أداء مهامهم يقيلهم واذا قصروا يحاسبهم كما لكل محافظة مجلس محافظة يختاره ابناء المحافظة وهذا المجلس يختار المحافظ لأدارة شؤون المحافظة الادارية والخدمية والامنية كما ان لكل حي من احياء كل محافظة من محافظات العراق مجلس بلدي مختار من قبل ابناء الحي نفسه مهمته ادارة شؤون الحي الادارية
الا ان المؤسف والمحزن والمؤلم لم نكن بمستوى هذه المؤسسات الانسانية الراقية غير مهيئين لاستخدامها لهذا لم نحسن استخدامها فانها تحتاج الى مستويات انسانية حضارية راقية الى قيم واخلاق انسانية حضارية خاصة بها لم نرتفع الى مستواها بل انزلناها الى مستوانا وطبعناها بطابعنا المتخلف الجاهل البدوي العشائري بقيم الدكتاتورية واخلاق الاستبداد حكم الفرد الواحد الحزب الواحد الرأي الواحد
فالديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية تحتاج الى قيم انسانية حضارية واخلاق راقية بعيدة كل البعد عن ا القيم والاخلاق البدوية العشائرية قيم الاستبداد والعبودية واخلاق الحاكم الواحد والرأي الواحد التي خضع لها الانسان العراقي منذ بدء وجوده حتى يوم الحرية في 9- نيسان 2003 يوم اشرقت شمس الحرية والقيم الانسانية
وهكذا تحولت الطبقة السياسية الى عصابات هدفها الحصول على الكرسي على المنصب الذي يدر اكثر ذهبا واكثر قوة ونفوذ ولا يهما امر الشعب وانعكست هذه الامور الفاسدة على الشعب نفسه وقيل قديما الناس على دين حكامها
لهذا نرى الجميع هدفه كرسي الحكم والكرسي الذي يدر اكثر ذهبا ولا احد يفكر بالمعارضة لان المعارضة لا تجلب له القوة ولا النفوذ ولا المال وكان السبب في هذه الاختلافات والصراعات التي لدأت بين الاطراف السياسية من اجل الحصول على الهبرة الأكبر من الكعكة وهو الاسم الذي اطلقوه على الثروة العراقية
وهذا سهل لكل عناصر شبكات السرقة والفساد والاحتيال وأهل الرشوة واستغلال النفوذ وحتى عناصر داعش والقاعدة والبعث الصدامي الى الدخول في مجال السياسة او على الاقل ان يكونوا من ضمن جوقة أهل السياسة وهذه الحالة
ادت الى نشر الفوضى وعدم تطبيق الدستور حتى انهم أهملوه ولم يذكروه بل وضعوه على الرف وعادوا الى الاعراف والقيم العشائرية البدوية واصبحت وزارات ودوائر الدولة مضايف خاصة لشيوخ العشائر فكل وزارة دائرة مضيف للعشيرة التي ينتمي اليها الوزير او المدير لحل المشاكل والنزاعات التي تحدث بين المسئولين
وهكذا فشلت الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية وتغلبت القيم والاعراف العشائرية وترسخت
مهدي المولى
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط