هل تنجح جهود كسر الحلقة التركية في تحالف الحرب شبه الدولية في بلاد الشام ؟

رهانات واشنطن وتل أبيب لعكس مسار الصراع

عمر نجيب

تتجمع مؤشرات كثيرة على أن الأشهر المتبقية من سنة 2019 ستشهد تصعيدا وتحولات كبيرة في الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف شهر مارس 2011.

خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2019 سجلت الأطراف المتصارعة سواء الدولية أو الاقليمية والمحلية مزيجا من النقط إلايجابية والسلبية.

بإعتراف غالبية الملاحظين كانت التطورات السياسية والعسكرية أكثر إيجابية لدمشق وحلفائها بالمقارنة مع ما أنجزه خصومها وخاصة الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل. غير أن هذه الأطراف الأخيرة ومعها حلفاء لهم لم يسلموا بإنكسار مشاريعهم وأصبحوا يراهنون على العامل الزمني من أجل الوصول إلى تسويات يمكن أن يصفوها بنصر جزئي خاصة إذا نجحوا في خلق حالة استنزاف مكلفة ماديا وسياسيا على دمشق وموسكو وحلفائهما.

التنسيق الأمريكي التركي استمر رغم ما يشاع عن خلافاتهما بشأن قضايا مختلفة، وعطل عملية استعادة الجيش العربي السوري السريعة على آخر معاقل الجماعات المسلحة بإدلب في شمال غربي البلاد، ولكن دمشق وبالتعاون مع موسكو طبقت تكتيك القضم التدريجي للمناطق الخاضعة للخصوم دون أن تدخل في مواجهة عسكرية سواء مع القوات الأمريكية أو التركية. في منطقة شرق الفرات تواصل وجود القوات الأمريكية وهذبت واشنطن إلى حد ما سياستها المتأرجحة بين دعم التنظيمات الكردية المسلحة وإغراء أنقرة بإنهاء خلافاتها مع من تعتبرهم كيانات إرهابية مقابل مكافآت لأنقرة، وفي نفس الوقت أشهرت واشنطن سيف العقاب ضد حلفائها من الأكراد إذا هم انحازوا لفكرة التصالح والتلاحم مع دمشق وهو أمر تعمل موسكو بجدية على إنجازه. واشنطن وبعد أن فشلت في جر ألمانيا إلى إرسال قوات برية من جيشها إلى مناطق السيطرة الأمريكية بسوريا تحت غطاء تعويض القوات الأمريكية المخفضة من 2500 جندي إلى 500 جندي، نجحت في الحصول على تعهد من باريس ولندن بإرسال وحدات برية تحت غطاء مواجهة التنظيمات الإرهابية زيادة على وعود إيطالية بإتباع نفس المسار.

السياسة التركية

بالنسبة لمراكز الرصد وخاصة الألمانية وكذلك عدد من المحللين، فإن دمشق وموسكو قدرا أنه في الوضعية التي إستقرت بداية صيف سنة 2019، توجد النقطة الأضعف في سلسلة تحالف خصومها، بتركيا. ترويض أنقرة بفعل عمل عسكري عنيف أو أسلوب استنزاف من شأنه إسقاط الجزء الأهم من التكتيك الأمريكي الإسرائيلي. وهكذا اتبع أسلوب العصا والجزرة في التعامل مع حكومة الرئيس التركي أردوغان الذي لا تزال تراوده أحلام العثمانية الجديدة.

بداية شهر يونيو 2019 جاء في تقرير نشرته “جيوبوليتيكال فيوتشرز” الأمريكية تحت عنوان: تركيا وروسيا تشتبكان في سوريا مجددا.

“يبدو أن مقاتلي “الجبهة الوطنية للتحرير”، وهم من المعارضة السورية التي تدعمها تركيا، هاجموا القوات الخاصة الروسية المتمركزة في محافظة حماة السورية في أحدث تطورات المعارك في الحرب شمال غربي سوريا. ويمكن أن يكون للهجوم آثار أوسع على العلاقات بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة.

لا تزال التفاصيل نادرة. لكن 3 مصادر أكدت أن الهجوم حدث بالفعل، في 25 مايو، وأن “الجبهة الوطنية للتحرير” مسؤولة عنه. وقالت مصادر روسية إن الهجوم وقع على بعد 7.5 كم من المكان الذي تعمل فيه القوات الخاصة.

يأتي الهجوم في الوقت الذي يشن فيه الجيش السوري، بدعم جوي روسي، هجوما على المحافظات الشمالية الغربية في سوريا، التي تتمركز فيها المعارضة المدعومة من تركيا. ويعد الأمر الجدير بالملاحظة حول هجوم “الجبهة الوطنية للتحرير” هو أنه لم يستهدف القوات السورية أو الوكلاء المدعومين من روسيا ولكن القوات الروسية نفسها. ويمكن للهجوم أن يعني بضعة أشياء، وقد يكون مؤشرا على أن تركيا بدأت تفقد السيطرة على المعارضة السورية التي تدعمها، ما أدى إلى قيام إحدى وحدات “جبهة التحرير الوطني” بعملها بشكل منفرد. ومن المحتمل أيضا أن تكون تركيا أجازت الهجمات، أو على الأقل لم توقفها، في محاولة للضغط على روسيا لإجبار دمشق على التراجع عن هجومها على محافظات الشمال الغربي.

ورغم أنه من الصعب تحديد أي من هذه التفسيرات هي الأكثر ترجيحا، فإن أيا منهما سيكون له عواقب تمتد إلى ما وراء سوريا. وإذا فقدت تركيا السيطرة على بعض مجموعات المعارضة التي تدعمها شمال غربي سوريا، فسيكون من الصعب على روسيا وتركيا العمل سويا للتوصل إلى حل لعمليات التصعيد الأخيرة. ولدى تركيا عدد من المصالح في محافظتي إدلب وحماة، لكن ربما تكون مصلحتها الأكثر إلحاحا هي منع التدفق الجماعي للاجئين عبر الحدود، والذي قد ينجم عن هجوم بري واسع النطاق. وتكتسب تركيا نفوذها مع روسيا من قدرتها على التحكم في تصرفات الفصائل المسلحة في شمال سوريا، وكان جزء من اتفاق تركيا مع روسيا يتضمن تحجيم “هيئة تحرير الشام”، وهو التزام فشلت تركيا في الوفاء به.

ومع ذلك، تقود معظم الإشارات في الوقت الحالي إلى أن روسيا وتركيا تعملان معا بشكل وثيق لتثبيت وقف إطلاق نار جديد. وذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس” يوم 31 مايو أن البلدين كانا على وشك

الوصول إلى شكل ما من الاتفاق، وكان هناك عدد من التقارير على مدى أسبوع يفيد بأن تركيا قامت بزيادة تسليح الجماعات المسلحة التي تدعمها في الشمال الغربي من أجل صد هجوم الجيش السوري. ومن الصعب أن نتخيل أن تركيا تفقد نفوذها على أي من هذه المجموعات في الوقت الذي تزيد إمداداتها من الأسلحة إليهم.

في الوقت نفسه، لا تفصل تركيا سوى أسابيع قليلة عن تلقي أنظمة “إس-400” الروسية، وهي قضية ألقت بظلالها على العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، بل دفعت الولايات المتحدة إلى منع تركيا من استلام مقاتلات “إف-35” الأمريكية التي تشارك تركيا بنشاط في تطويرها منذ بداية برنامج تصميم الطائرة. ومن المؤكد أن أنقرة تدرك أن السماح بالهجمات على القوات الروسية في سوريا يمكن أن يكون وصفة لإفشال الصفقة التي خاطرت بعلاقاتها مع الولايات المتحدة من أجلها، ما لم تكن تركيا تعتقد أن لديها خطة احتياطية يمكن الاعتماد عليها. وما زال الحوار بين الولايات المتحدة وتركيا حول بدائل “إس-400″ مستمرا لذلك من الممكن أن يكون الطرفان قد توصلا إلى بوادر اتفاق أعطى تركيا حرية أكبر للتصريح بمواجهة القوات الروسية. وهذا يعني المزيد من الأخبار السيئة بالنسبة لروسيا التي كانت تأمل في أن تضر العلاقات الأمريكية التركية الضعيفة بموقع تركيا في الناتو.

وإذا كانت تركيا على استعداد للسماح بهجوم على القوات الروسية، فقد تكون على استعداد لتحمل مخاطر أكبر للدفاع عن موقعها في شمال غربي سوريا ضد أي هجوم من قبل الجيش السوري وحلفائه الروس. وفي الوقت الحالي، تبدو روسيا مستعدة للتفاوض بشأن شمال غرب سوريا، لأنها ليست في عجلة من أمرها لدفع تركيا بقوة للعودة إلى معسكر أمريكا.

ومهما كان الأمر، فإن هذا الهجوم يذكرنا بوضوح أنه على الرغم من التغطية المتفائلة لتحسن العلاقات بين تركيا وروسيا، فلا تزال هناك مصالح متضاربة بين البلدين، بما في ذلك في سوريا. وحتى لو تمكن البلدان من التعاون في أنظمة الطاقة والأسلحة، فإنهما يظلان عالقين في حرب بالوكالة في شمال غرب سوريا. وهناك أسباب جوهرية وراء خوض هذه الحرب مرات لا تحصى منذ ظهور الإمبراطورية الروسية، ولا تزال هذه الأسباب التي أدت إلى هذه المنافسة طويلة الأمد مهمة وقائمة حتى اليوم”.

للإشارة روسيا شرعت في تسليم تركيا أجزاء من صواريخ اس 400 منتصف شهر يوليو 2019.

تحرك موسكو

بعد أيام قليلة على نشر تقرير “جيوبوليتيكال فيوتشرز” صدر في العاصمة البريطانية لندن تقرير جاء في:

اعتبر مراقبون أن تكثيف كل من الجيش السوري والمقاتلين الأكراد هجماتهم على إدلب وتل ورفعت وعفرين، وبالتحديد استهداف النقاط الأمنية التركية هناك وراؤه ضوء أخضر روسي، بعد غضب موسكو بسبب إعلان كل من أنقرة وواشنطن، مؤخرا، حدوث تقدم ملحوظ حول إقامة منطقة آمنة شرقي نهر

الفرات، شمالي سوريا، بالإضافة إلى فشل تفاهمات بين الروس والأتراك مؤخرا خلال جولة مباحثات أستانا الأخيرة.

وفي الجولة الثانية عشرة من مباحثات أستانة التي عقدت قبل أيام، فشل روسيا في إقناع تركيا بالتحرك عسكريا ضد هيئة تحرير الشام في إدلب في الوقت الحالي، كما فشلت في الحصول على موافقة تركيا والمعارضة السورية على لجنة إعادة كتابة الدستور بصيغتها الحالية، وهو ما أغضب موسكو التي كانت تسعى لتحقيق انجاز عسكري أو سياسي في الملف السوري.

أعقب ذلك، حديث تركي أمريكي عن حصول تقدم في المباحثات الجارية حول إقامة منطقة آمنة في شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، وذلك بتنسيق تركي أمريكي بعيدا عن روسيا التي تعمل على إفشال هذه المساعي وإجبار الجيش الأمريكي على الانسحاب لتسيطر بدورها مع الجيش السوري على مناطق سيطرة الوحدات الكردية شرقي الفرات.

وعقب هذه التطورات، وبشكل متسارع، كثفت روسيا قصفها الجوي على إدلب، بالتزامن مع ضربات الطيران السوري الجوية والمدفعية على المحافظة ومحيطها والذي تعمد استهداف محيط نقاط المراقبة التركية، كما هاجم الجيش السوري مناطق تخضع للسيطرة التركية في محيط عفرين، بالتزامن مع تكثيف الوحدات الكردية لهجماتها ضد تركيا وحلفائها انطلاقاً مع منطقة تل رفعت.

لكن التطور الأخطر، تمثل في قيام الجيش السوري بتكثيف هجماته الجوية والصاروخية على محيط نقاط المراقبة التركية وصولا لسقوط صواريخ على إحدى النقاط، السبت الأول من شهر يونيو، ووقوع عدد من الإصابات في جنود الجيش التركي الذي اضطر لتحريك طائراته الحربية وتوفير الغطاء الجوي لمروحيات نقلت الجرحى.

وفي تطور آخر، سجل قصف مدفعي وصاروخي نفذته القوات السورية على قرية “مريمين” التابعة لعفرين التي يسيطر عليها الجيش التركي، وقالت مصادر سورية إن الجيش استهدف هذه المنطقة بعفرين لأول مرة منذ سيطرة الجيش التركي عليها قبل أكثر من عام.

كل ذلك تزامن مع تصعيد وحدات حماية الشعب الكردية وبدعم من دمشق هجماتها بدرجة كبيرة ضد القوات التركية وعناصر التنظيمات المسلحة انطلاقا من منطقة تل رفعت التي ما زالت روسيا تعيق عملية عسكرية تركية للسيطرة عليها.

ورغم التفاهمات التركية الروسية التي تمنع أنقرة من التقدم نحو تل رفعت، رد الجيش التركي على تصاعد هجمات الوحدات الكردية بشكل مختلف هذه المرة، حيث نفذت قوات المليشيات المختلطة هجوما بريا على مناطق في تل رفعت بغطاء مدفعي تركي نتج عنه السيطرة على منطقتي ملعناز والمالكية قبل أن تنسحب مجددا.

أنقرة وتل أبيب

خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو 2019 تصاعدت وتيرة عمليات إمتحان القوة بين موسكو من جهة وكل من تركيا وإسرائيل من جهة أخرى عبر الجماعات المسلحة التي تتمتع بدعمهما أو عن طريق الغارات الإسرائيلية، وذلك بموازاة مع تقدم الجيش السوري، فيوم 13 يوليو أعلنت روسيا أن دورية من الشرطة العسكرية التابعة لها تعرضت، يوم السبت، لهجوم بواسطة عبوة ناسفة في محافظة درعا جنوب سوريا بالقرب من خطوط الهدنة السورية الإسرائيلية دون وقوع إصابات بين العسكريين الروس.

وقال مدير مركز حميميم لمصالحة الأطراف المتناحرة في سوريا والتابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء ألكسي باكين، في بيان أصدره مساء السبت: “تم يوم 13 يوليو 2019 تفجير عبوة ناسفة يدوية الصنع عن بعد، مزروعة في جزء من طريق أمام مسار دورية للشرطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة الروسية في محافظة درعا، دون أي خسائر بين العسكريين الروس أو أضرار للمعدات العسكرية”.

وأضاف باكين أن “المعلومات الأولية تشير إلى أن العملية الإرهابية التخريبية نفذت على يد مسلحين من التنظيمات الإرهابية وغير الشرعية، التي تعمل بشكل متفرق في جنوب سوريا، بهدف تصعيد الوضع في هذه المنطقة”.

وذكر باكين أن “قيادة مجموعة القوات المسلحة الروسية في الجمهورية العربية السورية اتخذت إجراءات إضافية خاصة بضمان أمن العسكريين الروس”.

ودعا مدير مركز حميميم، في ختام البيان، قادة التشكيلات المسلحة غير الشرعية إلى “التخلي عن الاستفزازات المنفذة باستخدام السلاح، وسلك سبيل التسوية السلمية للأوضاع في مناطق سيطرتهم”.

قبل ذلك بأربعة وعشرين ساعة أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا أن وسائل الدفاع الجوي الروسية صدت هجوما للمسلحين بطائرات مسيرة على قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية السورية.

وقال رئيس المركز الروسي للمصالحة اللواء، أليكسي باكين، للصحفيين، اليوم الجمعة، إن المسلحين الموجودين داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب حاولوا الليلة الماضية مهاجمة قاعدة حميميم الجوية الروسية باستخدام طائرات مسيرة.

وأكد باكين أن وسائل الدفاع الجوي الروسية رصدت ودمرت 3 طائرات مسيرة على مسافة آمنة من القاعدة الجوية. وأشار إلى عدم وجود إصابات أو أضرار مادية، وأن قاعدة حميميم تعمل بشكل طبيعي.

وأضاف رئيس المركز الروسي أن المسلحين قاموا كذلك خلال الـ 24 ساعة الأخيرة بإطلاق النار على بلدة كنسبا في محافظة اللاذقية ومدينة حلب وبلدة السابقية في ريفها.

وموزاة مع ذلك أكدت روسيا أنها لن تتسامح للأبد مع وجود الإرهابيين في محافظة إدلب السورية، فيما تعهدت بتدمير مواقع إطلاق الهجمات على قاعدة حميمم الروسية غرب سوريا.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، في تصريح صحفي: “لا يمكننا التسامح للأبد مع وجود جيب للإرهابيين في الأراضي السورية. عدد الإرهابيين في إدلب، للأسف، كبير، إنهم من يهيمن في هذه المنطقة”.

وأشار فيرشينين إلى أن روسيا تواصل تطبيق الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع الشركاء في قضية التسوية السورية، مشددا على ضرورة منع معاناة السكان المدنيين في سوريا، وأوضح: “هذا الأمر مهمة صعبة، نعمل على حلها، كما تقوم بذلك القوات الحكومية”.

وتابع نائب وزير الخارجية الروسي قائلا: “نؤكد من جانبنا، وندعو الجميع إلى أن يؤكدوا بالكلام وبالأعمال الالتزام بسيادة سوريا ووحدة أراضيها. وإدلب هي أرض سورية في نهاية المطاف”.

وتعليقا على الهجمات المستمرة على قاعدة حميميم الروسية من أراضي سيطرة المسلحين في سوريا، شدد فيرشينين على عزم بلاده الرد على منفذي هذه العمليات، وقال: “نرد دائما بدقة على الهجمات التي تستهدف كلا من السكان المدنيين وعسكريينا الذين ينتشرون في سوريا، بما في ذلك في قاعدتنا. سيتم تدمير مصادر إطلاق النار”.

مشروع منطقة آمنة في سوريا

تقلبات السياسة التركية أو ما يسميه محللون محاولة السير على حبلين متباعدين، برزت من جديد يوم السبت 13 يوليو حين اعلن في أنقرة أن وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” اتفق خلال اتصال هاتفي مع القائم بأعمال وزير دفاع الولايات المتحدة “مارك إسبر” على ضرورة إرسال فريق عسكري أمريكي إلى أنقرة على وجه السرعة الأسبوع المقبل لبحث إقامة منطقة آمنة في سوريا.

فكرة المنطقة الآمنة كانت قد طرحت علنيا لأول مرة من قبل تركيا خلال الزيارة التي قام بها الرئيس “رجب طيب أردوغان” إلى واشنطن في مايو 2013، لتنسيق تحركات البلدين بشأن إسقاط الدولة السورية ضمن مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الكبير، القاضي بتقسيم المنطقة على أسس عرقية ودينية وطائفية لما بين 54 و 56 دولة مما يضمن أمن إسرائيل واستغلال ثروات المنطقة واستكمال طوق الحصار على روسيا من جناحها الجنوبي الغربي.

ومنتصف سبتمبر 2017، أعلنت الدول الضامنة لمسار أستانة تركيا وروسيا وإيران التوصل إلى اتفاق ينص على إنشاء منطقة خفض تصعيد بمحافظة إدلب ومحيطها على أساس أن تكون بديلا.

والمخطط التركي الأمريكي يقضي أن تمتد المنطقة بطول 460 كم على امتداد الحدود التركية السورية، وبعمق 32 كم، لتضم مدنا وبلدات من 3 محافظات سورية، هي حلب والرقة والحسكة.

وتريد تركيا أن تكون وحدها المسؤولة عن إقامة المنطقة الآمنة بدعم لوجيستي من الحلفاء بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وتقول إنها ينبغي أن تكون خالية من تنظيم “ي ب ك” الذي تدعمه الولايات المتحدة، بينما تعتبره أنقرة “تنظيما إرهابيا”.

وتفيد مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن واشنطن تريد ضم المنطقة المسماة آمنة لأرض شرق الفرات لتنصب عليها الدولة السورية البديلة.

إلى ذلك، أبلغ “أكار” نظيره الأمريكي، خلال الاتصال الهاتفي الجمعة، بأن شراء تركيا منظومة “إس-400” الروسية للدفاع الصاروخي لا يعني تغيير أنقرة توجهاتها الاستراتيجية، مؤكدا أن الصفقة “ضرورية” لبلاده.

ونقلت وزارة الدفاع التركية أيضا عن “أكار” قوله إن أنقرة لا تزال تقيم عرضا لشراء منظومة الدفاع الجوي الأمريكية “باتريوت”، وإن تدهور العلاقات الثنائية لا يخدم مصالح أي من البلدين.

والجمعة 12 يوليو 2019، أعلنت وزارة الدفاع التركية وصول الشحنة الأولى من قطع منظومة “إس-400” إلى مطار عسكري في العاصمة التركية أنقرة.

وتقول الولايات المتحدة إن هذه المعدات العسكرية الروسية لا تتوافق مع نظم حلف شمال الأطلسي، وإن الحصول عليها يمكن أن يؤدي إلى إبعاد تركيا من برنامج لإنتاج الطائرة المقاتلة “إف-35″، وهي خطوة رفضتها تركيا.

خلافات إسرائيلية أمريكية روسية

عمليات التصعيد المتبادلة جاءت بعد فشل روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل في التوصل إلى تفاهم خلال لقاء عقد خلال الثلث الأخير من شهر يونيو كان الرئيس الأمريكي ترامب يأمل من خلاله خلق نزاع روسي إيراني، وكشفت تصريحات روسية عن خلاف غير معلن بين موسكو من جهة، وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، حول الوجود الإيراني في سوريا، خلال اجتماع غير مسبوق في القدس المحتلة، يوم الثلاثاء 25 يونيو 2019، بين مستشاري الدول الثلاث.

وضم الاجتماع مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون”، مع نظيريه الروسي “نيكولاي بتروشيف”، والإسرائيلي “مئير بن شبات”، ثم التحق بهم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، الذي لفت إلى أن “إسرائيل تحركت مئات المرات لمنع التموضع الإيراني في سوريا، ومنع تزويد حزب الله بأسلحة متطورة، وعدم السماح بفتح جبهة أخرى ضدنا في الجولان”

واعتبر أن الهدف المشترك للمجتمعين هو “ضمان الأمن والسلام والاستقرار في سوريا”، مضيفا: “لدينا هدف مشترك آخر وهو إخراج كل القوات الأجنبية التي دخلتها بعد العام 2011″، في إشارة إلى إيران.

وشدد على أن “إسرائيل ستواصل العمل على منع إيران من استخدام أراضي الدول المجاورة كمنصات لشن هجمات عليها، وأنها سترد بقوة على كل هجوم”.

وفيما بدا أنه إشارة إلى خلافات جرت في أروقة الاجتماع، قال “بتروشيف” إنه “يجب أخذ مصالح دول أخرى في الحسبان”، في إشارة كذلك إلى إيران.

وأكد في الوقت ذاته: “نحن مدركون لقلق إسرائيل، ونأمل أن تزول التهديدات لتبقى إسرائيل آمنة، لكن يجب أن نتذكر أنه لن نتوصل إلى نتائج إذا تجاهلنا مصالح قوى أخرى”.

ووفق تصريحات “نتنياهو” في افتتاح “القمة” اللقاء الأمني الإسرائيلي الروسي الأمريكي، فإنها “تسعى القمة لتعزيز التعاون بين الأطراف الثلاثة، وإخلاء سوريا من أية قوات أجنبية وصلت إلى هناك بعد 2011”.

وفي 25 مارس الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجزء من الجولان الذي احتلته إسرائيل من سوريا خلال حرب عام 1967، ثم ضمته عام 1981 في خطوة عارضها المجتمع الدولي.

تشديد الحصار

لا تتوانى الولايات المتحدة عن أي خطوة من شأنها تشديد الحصار على سوريا. السعي إلى تثبيت سيطرة حلفائها على منطقة شرق الفرات الغنية بالموارد النفطية والغازية، وفرضها عقوبات على كل الشركات والدول التي توصل النفط إلى مصفاة بانياس على السواحل السورية، هما بعض من تلك الخطوات، لكنهما ليسا كل شيء. جنبا إلى جنبهما، يشتغل الأمريكيون على عزل سوريا بريا عن محيطها، وحرمانها من منافذ اقتصادية هامة تمثل بالنسبة إليها شريانا حيويا. وفيما يسيطرون على معبر التنف الحدودي المشترك، الذي يمكن العبور منه نحو الأردن والعراق، يسعون اليوم إلى التحكم بمعبر البوكمال القائم، على نحو لا يتاح معه لدمشق التنفس من هذه الرئة. أما على المقلب الأردني، فتمارس واشنطن أقصى مستويات الضغط على عمان، لإعاقة نمو حركة التجارة والتواصل عبر معبر نصيب جابر الحدودي، ولمنع إعادة تفعيل إحدى البوابتين العراق والأردن اللتين تعبر منهما الصادرات السورية نحو دول الخليج. هكذا، ولأن المعابر البرية ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى دولة تقاطعها الدول والشركات حول العالم، وضعت واشنطن نصب عينيها العمل على الحيلولة دون فتح تلك المنافذ، أو في الحد الأدنى تعطيل الإفادة منها إن فتحت.

نفط الشرق السوري بيد إسرائيل

المعادلة الأمريكية لإيجاد دولة بديلة لسوريا على جزء من أراضيها لا تقتصر على العمل العسكري والحصار الإقتصادي والسياسي، بل تتضمن أيضاء تقاسم ثروات البلاد مع حلفائها. في العاصمة اللبنانية بيروت كشفت صحيفة “الأخبار” اللبنانية على وثيقة مسربة يفوض بموجبها لرجل أعمال إسرائيلي جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط السوري في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية بدعم من قوات الاحتلال الأمريكي.

وذكرت الصحيفة: يوما بعد يوم تزداد، داخل الحركة الكردية في سوريا قوة الخط المؤيد لخيار القيام بدور وظيفي يخدم استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وتعزز هذا الصعود بعد إعلان

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أواخر عام 2018، قرار انسحاب قوات بلاده من سوريا، الأمر الذي أثار لدى هؤلاء مخاوف الاقتراب من حائط مسدود يقضي على أي أمل للحركة الكردية في تحقيق الطموحات التي تتطلع إليها، وفي مقدمتها إقامة دولة مستقلة. أصحاب هذا الخط ينطلقون من اقتناع مفاده أن بقاءهم وتنفيذ مخططهم مرتبطان بالمظلة الأمريكية، وأن لا سبيل للحفاظ على هذه المظلة سوى بتطوير العلاقات مع إسرائيل، لكون الأخيرة أقرب طريق إلى قلب واشنطن، حيث مستوى نفوذ اللوبي الصهيوني، تحديدا في مواقع القرار، عال جدا. ومن يتتبع مسارات هذا الخط لا يواجه صعوبة في التقاط بعض المؤشرات التي تؤكد سيره قدما في هذا الاتجاه على حساب وحدة سوريا وشعبها وثرواتها. من بين هذه المؤشرات الجولات التي يجريها صحافيون إسرائيليون في مناطق سيطرة الانفصاليين الأكراد، شمال شرق سوريا، حيث يعدون تقارير صحافية مع مسؤولين في بعض الفصائل، تضاف إليها زيارات لضباط إسرائيليين.

مِن بين هذه المؤشرات، يظهر اليوم دليل آخر، إذا ما صح، فإنه يدلل على أن أصحاب هذا الخيار يعبرون البوابة الإسرائيلية لكسب الرضى الأمريكي. وهو كتاب موقع من رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، التابع لـ”قوات سوريا الديموقراطية” قسد، إلهام أحمد، مرسل إلى رجل أعمال إسرائيلي، يعطيه تفويضا ببيع نفط سوريا الذي تضع يدها عليه بحكم الأمر الواقع المفروض من قوات الاحتلال الأمريكي.

يبين الكتاب الذي حصلت عليه “الأخبار” أن الجهة المرسل إليها هو رجل الأعمال الإسرائيلي، موتي كاهانا، رئيس جمعية “عماليا”، المعروف أنها كانت تستخدم الغطاء الانساني لإعداد الأرضية اللازمة لإقامة “منطقة آمنة” في الجنوب السوري تنفيذا لأجندة استخبارية إسرائيلية، وذلك عبر نسج علاقات ودية مع الجماعات التي كانت مسيطِرة هناك. وتوسع نشاطها في إطار “تعزيز الجسور القائمة بين إسرائيل والشعب السوري والثورة السورية” في محافظة إدلب، حيث سعت إلى إقامة مدرسة تستوعب 90 طفلا سوريا و15 معلما، من أجل “تغيير مفاهيم الأجيال السورية تجاه إسرائيل”. سيرة “عراب تهريب عدد من اليهود السوريين، واستعادة القطع الأثرية اليهودية القديمة”، كما تعرف عنه مواقع إسرائيلية طويلة، تبدأ من تجنيده عملاء في سوريا ولبنان، ولا تنتهي عند كونه عمل في سلاح الجو التابع للجيش الإسرائيلي، ووثيق الصلة بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية وباللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

الكتاب الموجه إلى كاهانا من “مجلس سوريا الديموقراطية” يعتبر، وفق ما يرد، “رسالة رسمية تؤكد القبول بأن تمثل شركته المجلس في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط المملوك من قبله، وذلك بموافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية”. ويضيف الكتاب: “إننا نقدر بأن إنتاج النفط سوف يصبح بحدود 400 ألف برميل يوميا، فيما هو اليوم بمعدل 125 ألف برميل”، مع “إعطاء كاهانا حق استكشاف وتطوير النفط”، محددا سعر البرميل من 22 إلى 35 دولاراً.

ماذا يعني هذا الكتاب لو كان مؤكدا؟ الدلالات كثيرة، لكن أبرزها:

1- إعطاء التفويض لكاهانا يعني أن المجلس بدأ يتصرف فعلاً بصفته جهة مستقلة عن الدولة السورية، يعطي من دون وجه حق أعداء سوريا سلطة التصرف بنفط الدولة السورية بغطاء أمريكي، إذ إن “قسد” تسيطر على ما نسبته 80 في المئة من حقول النفط السورية.

2- الحديث عن إنتاج النفط بهذه الكمية الكبيرة في ظل الأزمة التي تعاني منها سوريا ليس سوى تبديد لثروة الشعب.

3- الانخراط في مشروع التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل يعني عدم حفظ أي خط للعودة إلى التواصل مع الشعب السوري والدولة.

4- في حسبة بسيطة لكمية الإنتاج والسعر المحدد في الوثيقة، يقدر العائد الذي سيجنيه “المجلس” من سرقة النفط السوري وبيعه بما بين 8 و14 مليون دولار يوميا، فيما لو ارتفع الانتاج إلى 400 ألف برميل يوميا أكثر من 3 مليارات دولار سنويا.

خلاصة هذا الكتاب، لو ثبتت صحته، أن أصحاب الخط الأمريكي الإسرائيلي في الحركة الكردية السورية يعملون بالتوازي مع المشاريع الأخرى التي تحارب ضد الدولة لمنعها من استعادة سيطرتها على كامل أراضيها ومقدراتها، وهم يسعون إلى استرضاء أمريكا وإسرائيل بكل الوسائل، في سبيل تنفيذ مشروعهم الانفصالي، فيما تستفيد إسرائيل منهم لتنفيذ مخطط تقسيم سوريا بعدما فشلت رهاناتها في تحقيق ما كانت تهدف إليه لضرب العمود الفقري لمحور المقاومة في المنطقة، وقد باتت أكثر تمسكا بهذا المخطط مع تعاظم هذا المحور.

حاولت “الأخبار” الاتصال بمسؤولين في “مجلس سوريا الديموقراطية” لسؤالهم عن صحة الوثيقة المسربة، لكنهم لم يجيبوا، في حين أن مصادر على صلة بـ”المجلس” أكدت حصول الاتفاق بين “المجلس” وكاهانا.

عمر نجيب

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here