الخنوع لحد فقدان الشخصية

عماد علي

الغريب الجديد في العراق و كوردستان هو بروز ظاهرة قل نظيرها من قبل لدى المواطن، و يمكن الاعتقاد بان التغييرات المتعددة و الظروف الماساوية و ما حملتها الحروب من الافرازات المؤذية على الوضع الطبيعي هي التي استحدثتها او صنعتها بعد الشقاء و المعانات التي مر بها الشعب العراقي بكل اطيافه، و هي الخنوع الكامل دون البقاء على راي و موقف و خصوصية ذاتية لشخص و الاستسلام بكل ما يملك للمعبود لحد تصفير الشخصية الذاتية و السمات و الصفات الخاصة التي يتميز الفرد بها و تفرقه عن الاخر. المدهش في هذا الامر هو انتشار هذه الظاهرة كثيرا و لم تبق على حالة في صفوف شريحة ما تُعتبر من المثقفين الجدد فقط و اكثرهم لا صلة لهم باصالة المثقف و خصائصه و مميزاته، بل برزه القدر و الظروف السياسية الاجتماعية التي ولدت عجب العجاب منذ عقود، و اصبحت ما كانت حالات ظاهرة بعد سقوط الدكتاتورية و تفشي الفساد في كل حدب و صوب و تاثرت اخلاقيات الناس بالمستجدات التي فرضت عليهم.

لو بحثنا في اسباب هذه الظاهرة الغريبة حقا عن تاريخ هذا البلد، لانه يشتهر بالشخصيات الثقافية التي كانت لها الدور المتميز المنصح الملهم المقتدى به طوال تاريخه، سنجد اسباب موضوعية اكثر من الذاتية هي التي دفعت من يُحتسب على المثقف او السياسي الدخيل على اكتساب هذه الصفات التي تؤدي الى تصفير شخصيته دون ان يهز له شعرة و تؤثر على سلوكه و مواقفه و تعامله مع الاحداث بشكل مطلق.

هل من المعقول ان تؤدي دور من تكون قريبا منه او في تنظيمه او من جماعته و دائرته و تصبح تابعا له و كانك لا وجود لك و لم تمتلك كيانا و شخصية و تتصرف و تؤدي ما عليك دون اي حساب لنفسك الخاصة ولدائرتك المرتبطة بك و لم تحتسب لما تملك او فقدت شعورك و فكرك و فلسفتك في الحياة، و تعيش بخضوع تام عقلا و كيانا لمن لديه مصلحتك الشخصية فقط دون ان تحتسب لاي ميزة حتى الشرف و الهيبة و الوقار المطلوب لدى المحسوب على السياسي و المثقف. فهل من المعقول ان يكون الوضع الاقتصادي او المصلحة الاقتصادية هي التي تدفعك ان تصفر كيانك و تستسلم لمن تتبعه سياسيا و تخنع له كيانا و مكانة و عقلا و موقفا لحد فقدان شخصيتك و ما تمتلك من خصوصياتك التي يُفترض ان لا تخضع لخارج كيانك و سماتك لانه شرفك و ووجودك .

هكذا اصبح ماكان غريبا سائدا لدى الكثيرين، شاهدنا التابعين لشخصيات يتصرفون مؤكدين بان توابعهم لهم الراي ذاته، بل تلمسنا مواقف مشابهة ابقوا على شيء من الخصوصية بداية و من ثم مثيلا للمتبع و الخصوع التام و ان كان على حساب كا الخصوصية التي تدخل في دائرة الشرف و العزة و الكرامة. ليس من المعقول ان تفقد كل ما تتسم به و تفرغ نفسك و تبقى جسدا تابعا لرئيسك او الاصح مالكك من اجل حفنة من الاموال و على حسابك و عائلتك. فهل يمكن ان تسمى هذه الحالة و التي اصبحت ظاهرة لدى الناس التي افتقدت الحياة الحرة او المعيشة الخاصة لهم ام انها العبودية و تسليم الذات الكلي للاخر دون بقاء على النفس او الكيان الذاتي و الادهى تحسب نفسك سياسيا بارعا و مثقفا جهبذا و عالما مقتدرا.

من ابهر الامثلة هو ما شاهدنا كثيرا من المواقف السياسية التي اتخذها بعض المسماة على القادة و لم يبقوا على شيء من ذم و قدح و انتقاد للحزب و القيادة التي تركوها و حتى لم يبقوا لهم خط رجعة للندم يوما ما، و بعد مدة قصيرة جدا تراجعوا و عادوا مخذولا مخنوعا الى ما كانوا عليه و فيه بمجرد منحهم منصبا و به فقدوا احترامهم و عزة نفسهم التي لم يمتلكوها و ادعوا من قبل بانهم يحتفظون بها و لم يفكروا يوما في العودة الى من قذفتهم و قدحت بهم، و المستعجب ان من ناظر لمواقفك و كرر ما ادعيته سرا و علنا كلاما و تحريرا و مقالات منظرا لاراءك فانه عاد كما قررت انت المتبوع و كرر و كانه مرتبط آليا بعقلك و توجهاتك الغريبة و مواقفك المرتبطة بمصلحك الشخصية و طموحاتك فقط دون اي حساب لحتى شرفك الشخصي، فهل من الممكن ان يكون هناك مثالا ولو في المستوى الادنى من مثل هؤلاء في تاريخنا القديم او الحديث الا ما نشاعده في هذه الاونة فقط، فكم من المثقفين و السياسيين و المفكرين الذين اختلفوا مع من لديهم المصلحة و ضحوا بكل ما يملكون من اجل موقف بسيط مغاير لما يؤمنون و لم يتنازلوا عن ذرة من كرامتهم، و اليوم يدعي هؤلاء بانهم اصبحوا الوريثين لهم، ياللعجب من الحياة و ما فيها.

ان القيم التي اتسم بها الفرد المميز في المجتمع كان لها الاهمية القصوى في اية خطوة اتخذها او موقف ادعاه، واليوم لم يبق شيء اسمه القيم في جعبة الخانع الخاضع التابع، و اصبح علبة فارغة و لا يمكن ان يُقال عنهم بانهم يمتلكون كيانا فكرا و عقلا و جسدا، بل اصبحت التبعية شغلهم و التسرع لبيان التبعية شغلهم الشاغل و على حساب كل ما يملكون و في الحقيقة لا يملكون من الخصوصيات السخصية و حتى العائلية، يا لهم من سفهاء العصر الذي ابتلى بهم الشعب المميز في تاريخه و الذي يتسم بخصائص و صفات الت جعلت له مكانة

خاصة لدى امم العالم. فهؤلاء احدثوا فجوة و خدشا في كيانه و عليه اصبحت ما نتكلم عنه حاله لا تحتمل بل اصبح موضع انتقاد و ذم و سب الاخرين دون ان يكون للمجتمع اي ذنب بل ما سال من القاذورات من هؤلاء قد غطى معه حتى على كيان المجتمع الخاص و المميز و هو صاحب اجمل صفات و سمات و خصائص و قيم باهرة امام اعين الغرباء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here