العبرة ليست في تصنيف عملية الانتحار بل في كيفية معالجتها

بقلم مهدي قاسم

كتبتُ عدة مقالات قبل سنين ماضية عن ظاهرة الانتحار ،
بعدما تناولت صحف و مواقع عديدة اخبارا عن حالات انتحار في العراق ، والتي لم تكن آنذاك بهذه النسبة الكبيرة و المتصاعدة مثلما مؤخرا و بمؤشرات مقلقة وخطرة على الأمن الاجتماعي و العائلي و الفردي في آن ، و اقترحنا من ضمن ذلك معالجة هذه القضية بعيدا عن خرافات
و معتقادات و تصنيفات اجتماعية بالية ومحبطة و مُدّمغة ، و برؤية موضوعية و علمية تعتمد تجارب الطب السايكولوجي الإكلينيكية ومصحات النقاهة النفسية الغربية و التي تسعى إلى معالجة المريض من أزماته النفسية من خلال معرفة الخلفيات والأسباب الاجتماعية و الاقتصادية
والعاطفية الدافعة لمثل هذه الأزمات المتفاقمة والمنتهية إلى حالة الانتحار المؤسفة ومن ثم العمل الدؤوب لمعالجته عبر جلسات قد تقصر أو تطول نحو شفائه البطيء و النهائي ، وهو الأمر الذي كان يتطلب في البداية القيام بحملات توعية و تثقيفية اجتماعية عامة على صعيد كون
المرض النفسي ليس خبلا أو جنونا ، و أن إقدام المريض على زيارة الطبيب النفساني بهدف تشخيص طبيعة مرضه النفسي و من ثم اقتراح وسائل علاجه ليس بأمر مخجل أو معيب يستدعي التّعيير والتصنيف بالجنون أو الخبل ، فهذا كخطوة أولى لتشجيع المترددين المرضى لتبني أمراضهم النفسية
، باعتبارها كأي مرض عادي آخر ،أما الخطوة الثانية فيجب أن تتجسد بعملية توفير وإيجاد أطباء نفسايين متخصصين تأهيلا طبيا احترافيا و بمواصفات جيدة كاملة يمتلكون إمكانيات معالجة أمراض من هذا القبيل ببراعة ومهنية عالية ، بينما الخطوة الثالثة تتطلب توفير المستلزمات
الميدانية الملائمة والمناسبة من عيادات طبية و معاهد إكليكنية و دور النقاهة النفسية ، و ضمن أمكنة و أجواء و مناخات مريحة لنفس المريض ، كعوامل مشجعة و مسرعة في عمليات و جلسات العلاج المكرسة لمثل هذه الغاية المهمة و النبيلة ، بينما الخطوة الرابعة فيجب أن تتجسد
في إزالة و أنهاء العوامل و الحالات و الظروف التي كان لها دورها الأكبرفي تسبب هذه الأمراض النفسية من عوامل اجتماعية و اقتصادية و عاطفية أو بيئة ضاغطة و معوقة و غير ذلك من أسباب أو مسببات أخرى ..

علما بأنه ليس بأمر غريب لمجتمع مثل المجتمع العراقي الذي
عاش أزمنة و حقب غابرة ومديدة من أجواء ضاغطة وخانقة ، بحكم تقلبات و انقلابات سياسية كارثية ، مصحوبة بأعمال عنف و قمع وإرهاب سلطوي متواصل ، علاوة على حروب طاحنة متلازمة لسنوات طويلة وما تركتها من دمار نفسي و مادي هائلين و خراب روحي عميق ، نقول أنه ليس بأمر
غريب أن يُكثر في مجتمع كهذا مرضى نفسانيون الذين لم يتحولوا إلى مجانين خطيرين قد يقتلون بعضا من الناس الأبرياء على غير تعيين ، إنما يكتفون بإلحاق الأذى بأنفسهم فقط من خلال الإقدام على عملية الانتحار ، إنما الأمر الغريب هو الموقف الاجتماعي السلبي والمتشنج من
هذه الظاهرة وكذلك موقف الحكومات المتلاحقة والمتسم ــ أصلا ــ بلا مبالاة وعدم اكتراث ، و كل ذلك بسبب عدم وجود حكومة حقيقية صالحة ومهنية مناسبة ، بقدر ما هي كانت ولا زالت عبارة عن عصابات لصوصية منظمة همها الوحيد هو النهب المنظم للمال العام من ناحية ، وإهدار
أو تبذير ما تبقى منه على نثريات رئاسية و أثاث مكاتب وزارية فخمة و سفرات و فخفخة أخرى ..

لهذا فأن هذه المقالة وغيرها هي موجهةــ بالدرجة الأولى
ــ للقارئ الكريم أكثر مما هي موجهة للحكومة الكسيحة والفاشلة أو للمسؤولين الغافين على وسادة نعمتهم المترّيشة !!..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here