تعديل قانون التقاعد .. التحول من العاطلين إلى المعطلين

في لقاء تلفزيوني مع احدى القنوات الفضائية تحدث السيد احمد ألساعدي رئيس هيئة التقاعد الوطنية عن التشريعات التقاعدية التي يتم التداول بخصوصها بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث قال إن بعضها ربما تشهد النور في بداية العام الحالي أو اعتبارا من بداية العام القادم ، ويتضمن مشروع التعديل المقترح لقانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014 ( المعدل ) مجموعة من ( التغييرات بهيئة المكرمات ) أبرزها :
يحق للموظف الإحالة إلى التقاعد وتقاضي رواتبه التقاعدية إذا كانت لديه خدمة تقاعدية لا تقل عن 15 سنة وعمره لايقل عن 45 سنة ، علما بان النص الحالي يتضمن الإحالة إلى التقاعد عندما تكون مدة خدمة الموظف 15 سنة لبعض الحالات كالمرأة التي لديها ثلاثة أطفال وأكثر وأعمارهم اقل من 15 سنة أو إذا كان الموظف من منتسبي الشركات الخاسرة الممولة ذاتيا ، وقد اشترط النص النافذ حاليا على أن يكون عمر المتقاعد 50 سنة كشرط لاستلام الراتب التقاعدي حيث بالإمكان إحالته للتقاعد بعمر 47 مثلا ولكن استحقاق الراتب التقاعدي يبدأ عند بلوغ سن ال50 سنة .
وجوب إحالة الموظف إلى التقاعد عند بلوغه سن 60 سنة مع عدم جواز التمديد ، والنص النافذ حاليا يتضمن إحالة الموظف للتقاعد عند بلوغه سن 63 مع جواز تمديد خدمته لمدة 3 سنوات بتوصية من دائرته واستحصال موافقة المراجع الأعلى على التمديد .
وجوب إحالة الموظفة إلى التقاعد عند بلوغها سن 55 سنة مع عدم جواز التمديد ، والنص النافذ حاليا لا يميز بين الرجل والمرأة في سن الإحالة إلى التقاعد انطلاقا من مبدأ المساواة بين الجنسين الذي ورد نصه في الدستور العراقي وفي معظم قرارات المنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان ، وهناك تمييز وحيد ورد في قانون التقاعد الحالي ويتعلق بالمرأة التي لها 3 أطفال فأكثر كما أسلفنا في ( 1 ) أعلاه وهي حالة جوازية للمرأة وليست وجوبية للسلطة الإدارية أي أنها تحال إلى التقاعد بناءا على طلبها وليس بالإجبار .
إعادة النظر بالحد الأدنى للراتب التقاعدي ليكون بحدود 750- 800 ألف دينار شهريا ويكون منح الحد الأدنى بغض النظر عن مدة الخدمة والشهادة والعنوان الوظيفي ، والنص الحالي لقانون التقاعد ينص على إن الحد الأدنى هو 400- 460 ألف دينار شهريا ، ويكون منح راتب الحد الأدنى عندما يكون الناتج اقل من 400الف بعد تطبيق المعادلة التقاعدية ( 2,5 % عن كل سنة تقاعدية على أن لا يزيد عدد السنوات عن 40 سنة والناتج يضرب بمعدل الراتب الاسمي لآخر 36 شهر + 1% مخصصات غلاء المعيشة عن كل سنة تقاعدية + مخصصات الشهادة من الدبلوم التقني أو الفني إلى الدكتوراه .
جواز قيام الموظف بشراء الخدمة التقاعدية من هيئة التقاعد الوطنية لإبلاغ خدمته إلى 15 سنة لكي يستحق الراتب التقاعدي وبموجب تعليمات ستصدر لاحقا بهذا الخصوص .
مضاعفة خدمة العسكريين بضربها × 2 وتقريب الرقم 28 إلى 30 لغرض منح المكافئة التقاعدية التي تعادل 12 × آخر استحقاق من الرواتب والمخصصات أي للشهر الأخير قبل الإحالة إلى التقاعدية .
وتوقع السيد ألساعدي إن العمل بهذه ( المقترحات ) التي يتم التداول بشأنها مع اللجان المعنية في مجلس النواب بان يزداد عدد المتقاعدين وتتحسن مدخولاتهم الشهرية وان تعالج اجزاءا مهمة من مشكلات البطالة من خلال الشواغر التي ستحدث بعد تطبيق ما يتعلق بتقليل الحد الأعلى لسنوات الخدمة والسماح بتقاضي الرواتب التقاعدية بسن 45 عام ، ولكن مهارة مقدم البرنامج لم تسعفه ليسأله عن الرقم الذي سيبلغه عدد المتقاعدين وتكاليف مثل هذه القرارات وماذا سيفعل ( الشباب) بسن 45 سنة من المتقاعدين وهم يتقاضون راتبا شهريا بحدود 800 ألف دينار شهريا لأنهم خدموا الدولة 15 سنة ، فهل سيتحولون إلى مبدعين ومخترعين أو إنهم سيلازمون الفراش والنوم طيلة الليل و النهار ، وما هي النتائج الاجتماعية التي ستترتب عن هذه التعديلات من حيث زيادة أو انخفاض سن الإقبال على الزواج ونسب العنوسة ومعدل عدد أفراد العائلة ومتوسط عمر الحياة ونسبة الإصابة بالأمراض المزمنة والانتقالية ومدى تأثير ذلك على تعاطي الكحول والمهدئات والمخدرات ، ومن الناحية الاقتصادية لابد من تخمين النفقات التي ستتحملها الدولة لدفع المستحقات للمتقاعدين والمردودات الاقتصادية لهذه المدفوعات وعلاقتها بارتفاع أو انخفاض الأسعار والقدرات الشرائية لعوم المواطنين ، ودون الإسهاب كثيرا في الأسئلة والتساؤلات فان العمل بهذه المقترحات ربما يعني تحول الدولة إلى معيل اجتماعي من خلال توزيع الإيرادات المتأتية من بيع النفط على المتقاعدين من دون أية إضافة للقيمة الاقتصادية والناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التنمية المستدامة بحيث يعرض الشعب لمخاطر تحولهم إلى اكبر الجائعين عند انخفاض أسعار النفط أو تناقص المخزونات أو حدوث مشكلات في بيع النفط او التصدير وإيجاد مصادر للطاقة البديلة عن النفط في العالم .
ومن حيث تنمية وتطوير الموارد البشرية ، فان هذه المقترحات ستحول بلدنا إلى اكبر مهدر للموارد البشرية وهي ربما تكون من أهم الموارد في معظم البلدان ، فهناك دول تتميز بالمساحة الواسعة ووفرة الموارد ولكنها تفتقر إلى الموارد البشرية كاستراليا وكندا وغيرهما التي يصل فيها متوسط سن العمل إلى مستويات كبيرة ، كما تعتمد جميع دول الخليج العربي على أكثر من 50% من العمالة الوافدة من الخارج لتغطية الحاجة إلى المجهودات البشرية ، ولا تخفى الآثار والانعكاسات والتداعيات الناجمة من الاعتماد على الموارد البشرية الوافدة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والانثروبولوجية وغيرها من حيث التغير بالعادات والتقاليد والمحافظة على الموروث الشعبي والقيم والرموز، وفي تجربتنا المحلية كان لدخول العمالة العربية المصرية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي العديد من الممارسات رغم أنهم من الأشقاء ويتشاطرون معنا في القومية والدين وغيرها من المشتركات ، وصحيح إن الإحالة المكبرة إلى التقاعد تخلق فرص العمل لفئات السكان ولكن هذا الحل ليس هو البديل الأفضل لان القضاء على البطالة أو تخفيف معدلاتها لا يأتي من خلال تعطيل مجهودات القوى العاملة والاستغناء عن الخبرات والمهارات والمعارف المكتسبة بتحويلها إلى عطلات ، لأنه يعني باختصار معالجة الخطأ بأكبر منه من الأخطاء ، ولا يعني كل ما تقدم إننا نقف بالضد من تحسين المستوى المعيشي للمتقاعدين أو الطعن بكفاءة ألساعدي الذي تسجل له العديد من الايجابيات كقائد تنفيذي ، وإنما بهدف ترك التشريع لأصحابه والعمل باتجاه إثراء القرارات المتعلقة بهذا الموضوع ودراسة تأثيراتها قبل إصدارها بما يحافظ على ثرواتنا الوطنية من الضياع ومنها الموارد البشرية لأنها تزداد قيمة ومنفعة ومردود بتقدم سنوات الخبرة ، والشعوب المتقدمة تعمل بشعار خبرة الشياب وهمة الشباب وليس بمعالجة البطالة من خلال تعطيل الكفاءات والخبرات ، والعراقيون الذين اغنوا العالم بعلومهم وقدراتهم لا يستحقون أن يتحولوا لهذا السبب أو ذاك من عاطلين إلى معطلين لان الاقتصاد وما يرتبط به من حلقات وبعض جوانب الأمور والتفصيلات لا تدار بالشكل الموضوعي والمطلوب .
باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here