هكذا كانت اوضاع الحكم زمان السلطنة العثمانية ! ح9

* د. رضا العطار

مقتبس من كتاب عصر التكايا والرعايا لمؤلفه د. شاكر النابلسي الذي يقول :
يعود الفضل في تهيئة هذا البحث الى امين كازاك ، استاذ العلوم السياسية في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة والى عزت سوبره مدير المكتبة الالكترونية في بيروت، اللذان لعبا دورا محوريا في توفير المصادر النادرة لهذا الموضوع، علما ان معظم تاريخ فترة حكم الدولة العثمانية ما زال مخطوطا في خزائن الدول الاوربية والتركية، وهي غير محقق ولا منشور.

اما عن تاريخ بدأ ظهور الاتراك، يقول بطرس البستاني :
اندفعت قبائل مغولية متوحشة من اواسط آسيا غربا واستقرت في آسيا العليا في بداية القرن الحادي عشر التي هي الان تركستان، فسماها الفرس توران، ومن هنا نشأ لفظ ترك، كما سماها اليونانيون تيران ومعناها الطغاة.

الامبراطورية العثمانية تدخل مرحلة الانهيار الكلي !
شهد القرن التاسع عشر سلسلة من الهزائم العسكرية ومزيدا من الفتن والاضطرابات التي لم تعد الادارة العثمانية قادرة على علاجها، كان آخرها ما تم في عهد السلطان
عبد المجيد الاول حين قامت الفتنة في بلاد الشام بين الدروز والموارنة، وفي العام 1845 احتلت النمسا بعض اجزاء من البلقان. كما ارسلت فرنسا جيشها الى بيروت لفض منازعات الدروز مع المسيحيين. التي ادت الى مذابح عام 1860 .

وبعد ان خسرت الدولة العثمانية حرب القرم مع روسيا عام 1688 بدأت على حافة الافلاس مما اضطرت الى الاقتراض من بيوت المال الاوربية بما يقارب 40 مليون دولار بفائدة 12% وكان هذا المبلغ بالنسبة لذلك الزمان مبلغا جسيما جدا، انها كانت واحدة من علامات الغروب الحقيقي للامبراطورية العثمانية التي اصبحت فقيرة ماليا لا تملك جيشا يستطيع الدفاع عنها او اخماد تمرد ولاتها وباشواتها او ردع المؤسسات الدينية ومؤامراتها. وبدأ السلطان ببعض الاصلاحات الادارية، لكن المؤسسة الدينية وقفت ضدها بحجة ان الاسلام جاء كاملا غير منقوص من كافة نواحي الحياة، وفيه كل القوانين التي يحتاجها البشر ولا داعي مطلقا لقوانين دنيوية.

وفي العام 1867 تلقى السلطان عبد العزيز دعوة من نابليون الثالث لحضور افتتاح معرض للصناعات الفرنسية في باريس – – وهناك حضر عروضا فنية للباليه وسمع الموسيقى الغربية والتقى بالمثقفين الفرنسيين وشاهد بعينه كيف تعيش اوربا في عصر الانوار – وكانت تلك الزيارة اول خطوة من العثمانيين في تاريخهم الطويل للاتصال بالغرب والالتقاء بالحضارة الحديثة وجها لوجه. فكان جزاءه على هذه الزيارة ان خلعه شيخ الاسلام، بعد ان اصدر فتواه التالي :
( خروج السلطان عبد العزيز الاول عن المألوف وزيارته للممالك الغربية، ومشاهدته نسوان يرقصن بالتياترو، وبذخه المال على مصاريفه النفسية وتخريب سمعة الملًة واخلاله بالامور الدينية )
وعندما بلغ السلطان عبد العزيز بالحكم الجائر، انتحر على فوره. وظني انه كان اول خليفة عثماني يضحي بحياته في سبيل تغيير الانسان التركي باتجاه الحداثة و التقدم الحضاري المنشود.

ثم جاء السلطان مراد الخامس، ولم يدم حكمه اكثر من ثلاثة اشهر، قيل انه (مجنون) وقرر شيخ الاسلام خلعه بفتواه الشرعية – – – وفي زعمي ان مراد الخامس لم يكن مجنونا ولم يمسه الجنون وانما الصقت به هذه التهمة لنيته في الاصلاح الاداري الشامل الذي جاءت نصوصه من خلال الرسالة المكونة من اربعة بنود، اهمها مكافحة الفساد والرشوة المتفشية – – وجهها الى الصدر الاعظم في المؤسسة الدينية الحريصة على امتيازاتها المالية، مما اقلق بال رجال الدين، ذوي النفوذ اللامحدود.
وعندما تلقى الصدر الاعظم الرسالة، صعق بالعبارة التي تقول :
(تقييد ادارة الدولة بقوانين قوية لتكون كفيلة لعموم الرعية بالتمتع بتمام الحرية)
فيما لو علمنا بان المؤسسة الدينية كانت ضد القوانين الوضعية ولا تعترف باي قانون خارج النصوص الشرعية.

كان عبد الحميد الثاني اول سلاطين آل عثمان الذين اطلوا على القرن العشرين أطالة صفراء حمراء. ففي بداية عهده قام باصلاحات وقتية، ما لبث ان انقلب عليها، واعلن ديكتاتورية سلطانية مطلقة. وخلال الثلاثين سنة التي حكم فيها هذا السلطان البلاد حكما بوليسيا بغيضا، اجتهد في القضاء على كل اشكال الفكر المستنير.
وكان آخر سلاطين آل عثمان قبل الحرب العالمية الاولى رشاد الخامس (1909 – 18 ) وفي عهده تسلم حزب ( الاتحاد والترقي) الادارة العثمانية واجرى بعض الاصلاحات الادارية.

ثم طفى على السطح ما سُمي ب (المسألة الشرقية) وهي حالة الدولة العثمانية والتي اطلقت عليها روسيا مصطلح (الرجل المريض) – – فبدأت الدول الغربية تفكر في كيفية تقطيع باقي اجزاء الثور العثماني، فقد حضُروا سكاكينهم وهيأوا النار – – وافواههم مفتوحة جائعة.
فبدأ قناصل الدول الاوربية حملة تودد وتعاطف وتآلف زائف مع رعايا العثمانيين في مختلف انحاء العالم العربي لاستمالتهم الى جانبهم – – فأخذت فرنسا جانب الموارنة واصبحت بالنسبة لهم (الام الرؤوم) واخذت بريطانيا جانب الدروز واصبحت بالنسبة لهم (الاسد المدافع) واخذت روسيا جانب الروم الارثودوكس واصبح القيصر لهم (البابا العطوف) اما المسلمون فلم يقف الى جانبهم احد وتُركوا تحت رحمة لله !
وشجع الباب العالي هذه المحاور وكرسها بغباء شديد – حيث احدث التفريق بين الطوائف لضرب الناس بعضهم ببعض مما احدث الفتنة بينهم، كانت هي السبب لاحداث المذبحة الكبرى عام 1860
وفي مطلع القرن العشرين استمالت بريطانيا الى المسلمين بدافع من مصالحها عندما اتفقت مع شريف مكة ووالي الحجاز العثماني، الشريف الحسين بن علي على تحقيق حلمه في مملكة العرب مقابل ان يقف الى جانبها ضد السلطان العثماني في الحرب العالمية الاولى، فخاض الشريف المغامرة بحماس، ولكن بريطانيا لم تحقق له حلمه، حيث انه وعائلته طرد من الحجاز من قبل قوات عبد العزيز آل سعود الغازية والتي تمت بدعم من بريطانيا العظمى سرا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here