“أي شيء أحسن من اللاشيء”

علي علي

(إيد وحده ماتصفگ)

في أعلاه مثل لطالما رددناه حين كنا صغارا، ولطالما استشهدنا به حين كبرنا، إذ هو يدفعنا الى التعاون -على البر والتقوى طبعا- ويحثنا على الأخذ بالمشورة وإشراك الغير في عملنا، لاسيما حين يكون مردود العمل جماعيا. والشيء بالشيء يذكر، فمن منا لايتذكر قول معن بن زائدة الذي دأب معلمونا على انشادهما على مسامعنا، بغية إيصال فكرة ان الوحدة خير من الفرقة ويد الجماعة خير من الأيادي الفرادى، ذينك البيتان هما:

كونوا جميعـاً يابني إذا اعترى

خطب ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً

وإن افترقن تكسرت أفرادا

فالدعوة إذن، للعمل الجماعي بروح الجماعة هو مفتاح الوصول الى أحسن النتائج وأنجع الحلول، إذ برأي الجماعة ستكون الغلبة على الرأي الشطط، وصوتهم وهم مجتمعون يعلو على أصوات النشاز وإن علت. وعلى هذا تكونت الحضارات ليس بجهد فرد واحد، بل كان الجهد مشتركا، ولم تستغنِ فئة عن أخرى كما قال المعرى قبل ألف ومئة عام:

الناس للناس من بدو وحاضرة

بعض لبعض وان لم يشعروا خدم

ولم يقف يوما مع تقدم الحضارات اعتماد انسان على آخر في حد معين، بل ازداد احتياج الفرد وتشعب الى احتياج مجموعة الى أخرى وبلد الى آخر وأمة الى أخرى. وبذا ارتقت مهمة رئيس مجموعة صغيرة الى مهمة أكثر تعقيدا وأشمل رقعة وأوسع مسؤولية، بزيادة كم البشر الذين يرأسهم. الأمر الذي اقتضى وجود أكثر من رأس لإدارة المجاميع، وهذا يتطلب حتما التناسق التام في صغائر الأمور فضلا عن عظائمها، بين رؤوس الحكم. اذ ان اي خلاف مهما كان بسيطا بين شخصين يترأسان مجموعة، يقابله قطعا مضيعة لحقوق مرؤوسيهم، الذين بدورهم قد لايكون لهم حول ولا قوة على فعل شيء سوى انتظار توافق المختلفين مع بعضهم، لعل حقا من حقوقهم يتم تحقيقه على أيديهم.

في عراقنا اليوم، يبدو أن مجلس نوابنا بات أنموذجا للخلافات والتضادات بين الرؤوس، كذلك صار مثلا للفرقة وشتات الآراء والنيات، وأصبح أغلب نوابنا المثل الأعلى في عمق الخلافات وطول أمدها، وبالتالي اتساع رقعة ضررها لشرائح المجتمع كافة، وزادوا على ذلك باتساع صدى وعودهم وتعبيد الطرق أمام شعبهم سرابا كاذبا من باب ان “اي شيء أحسن من اللاشيء”.

ولاأظن دورة تشريعية او فصلا تشريعيا، بل ولا جلسة واحدة من جلساتهم تمت من دونما مشاكل وخلافات تطول وتعرض، اول سبب في حدوثها هو عدم توافق النيات السليمة التي من أجلها عقدت الجلسة، وانعدام العمل بروح الفريق الواحد، ما ينتج عنه تباين الآراء واختلاف وجهات النظر -عن قصد او من دون قصد- وفي الحالتين ترفع الجلسة الى إشعارات تطول على المواطن، وهو في أمس الحاجة الى اختصار الزمن واختزال الوقت، لتدارك مافاته من حقوق في بلده المسروق، حتى بات ينادي مسؤوليه بملء شدقيه:

لاتدعني ككمون بمزرعة

إن فاته الماء أغنته المواعيد

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here