المعرفة الزراعية حلّ للشباب العاطل عن العمل

العمل الميداني للشباب: كيف يمكن للشباب المغربي الحصول على وظيفة في المستقبل انطلاقا من اكتسابهم للمهارات الزراعية؟
بقلم: أنيا كرامان
مراكش

.(مشتل زراعي بمركز فاس لرعاية الطفل (تصوير سعيد بناني
مركز حماية الطفولة بفاس مخيم صيفي على مدار السنة، و هو عبارة عن مبنى أبيض مفتوح و”الجانحون” فيه يسقون النباتات ويزرعون البذور والحارس الوحيد في الأفق، إذا كنت محظوظًا، هو طاووس بري يقوم “بدوريات” على قطعة الأرض.
بالنسبة للكثيرين منا، فإن مصطلح “مركز حماية الطفولة” لا يمسّ مشاعر الضيف. لكن في مدينة فاس ينحرف مركز حماية الطفولة عن القاعدة بأكثر من طريقة ما يميز المركز نفسه عن غيره هو كونه ينمي الخبرة الزراعية ويزيد من تأهيل الشباب وإعادة إدماجهم في المجتمع.

يشرح السيد عثمان خايي، مدير العمليات، أن الهدف من هذا المركز هو “عدم معاقبة” بل “تثقيف” الشباب الذين يستقبلونهم. فبدلاً من تجربة الأساليب التأديبية التقليدية -مثل العزلة والعقاب وتقييد الحركة -يتم منح النزلاء المحتجزين فرص للعمل، التعلم والنمو أثناء فترة الحجز. وبينما يعيش النزلاء تحت المراقبة المستمرة، يتحملون أيضًا مسؤولية تعلم المهارات الزراعية. مثل الري و إدارة المحاصيل وإزالة الأعشاب الضارة وتطعيم الأشجار. ومع وجود متوسط ستة وثلاثين صبيا في المركز في يوم واحد -وهذا العدد يتغيّر مع عملية الإدخال والإفراج اليومية -يصبح تأثير النهج الفعال للمركز في بناء المهارات الزراعية واضحًا.

يأتي هؤلاء الفتيان للمركز من أسرة زراعية قروية. وخلال الآونة الأخيرة قامت مجموعة صغيرة من موظفي مؤسسة الأطلس الكبير بزيارة ميدانية للمركز. رافقوا فيها تسعة من أترابه في جولة سيرًا على الأقدام إلى المرافق ومشاتل الأشجار. قمنا بطرح السؤال التالي، “ما هو الشيء الذي تعلمته هنا ولم تكن تعرفه من قبل في قريتك؟” توقف برهة قصيرة ثم أجاب: “لقد تعلمت كيفية زراعة الأشجار والعناية بها لأننا في فقريتنا نركز بشكل
أساسي على القمح والشعير”.

يأتي معظم الصبيان في المركز من خلفيات مشابهة: من أسر زراعية ريفية تستمد دخلها من محاصيل الحبوب ذات القيمة السوقية المنخفضة مثل الشعير. جعلت القيمة السوقية المنخفضة لهذه المحاصيل الأساسية التقليدية زراعة الكفاف غير مستدامة، فقد ذكرت وزارة الفلاحة سنة 2019 أنه في حين أن المواد الغذائية الأساسية تشغل حوالي 75 ٪ من الأراضي الزراعية القابلة للاستخدام، إلا أنها لا تمثل سوى 10-15 ٪ من الإيرادات الزراعية و5-10 ٪ فقط من فرص العمل في هذا القطاع. وفي الوقت نفسه يكمن هدف وزارة الفلاحة -كجزء من خطة المغرب الأخضر -في توفير 600000 فرصة عمل جديدة.

حالات هي مثل الصبي الذي ذكر أعلاه، فهو يمثل حلاً فريدا من نوعه. فبمجرد أن يتم تنفيذ محكوميتهم يتم إطلاق سراحهم لعائلاتهم حيث يأخذون معهم ممارسات بيئية وزراعية مهمة قاموا بتطويرها في المركز ولا تقتصر فقط على زراعة محاصيل عضوية غير الحبوب. لا يستفيد الأولاد فقط من تطبيق خبراتهم في المنزل – وبالتالي تحسين الحصول على فرص عمل – لكن الأسر تتعلم أيضًا أساليب محسنة للزراعة، فتنمو سلسلة القيمة الزراعية مع كل ولد يأتي من المركز وكل أسرة تتبنى ممارسات مستدامة، الطلب عليها مرتفع.

كيف يسرع هذا النهج المتبادل في إعادة تأهيل الشباب؟ ربما يعود الأمر لحرية الإختيار التي يمنحها موظفو المركزللأحداث. ففي حين أن رعاية المشاتل الزراعية هي الفائدة الأساسية لمعظم الصبيان، إلا أنهم يتمتعون بحرية المشاركة في أنشطة أخرى يجدونها أكثر متعة. أخبرنا صبي أنه لا يحب “التواجد في المزرعة في الصيف”، لذا يقضي وقته في أعمال اللحام والبناء والطلاء. ويقوم موظفي المركز بجعل اهتماماته مفيدة وقيمة حيث يعتقد هؤلاء بأن الصبيان يجب أن يشاركوا في بعض الأنشطة اليدوية -العملية أيا كان نوعها. هناك تنوع كافٍ في الأنشطة التي لا يكون فيها الأحداث أبدا ً في وضع الخمول لفترة طويلة. إن إنتاجيتهم تجني نتائج حقيقية ملموسة يمكن أن يشيروا إليها على أنها ثمرة عملهم. وعندما يرون النتيجة المباشرة لعملهم، يتعلمون أن هناك فوائد مالية وذاتية وحتى بيئية في أن يصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع.

تسلط المجموعة الواسعة من أنشطة المركز الضوء على قلق أكثر إلحاحًا يواجه المغرب اليوم وهو: تجنيد الشباب الذين يتعرضون للوصم من قبل الجماعات السياسية المتطرفة. وبالنسبة للأحداث الذين يبحثون عن هدف في الحياة بعد انتهاء مدة محكوميتهم، يوفر المركز فرصًا لدخول سوق العمل بمهارات ومعرفة خاصة بالصناعة. لكن مستقبل الشباب العاطل الذي لا يشارك في بناء المهارات الزراعية غير واضح. علاوة على ذلك، هذا المركز هو واحد فقط من واحد وعشرين بالمغرب. وبالنسبة للفتيان الصغار السنّ الذين لا يتحملون نفس المسؤوليات التي يتحملها الفتيان في فاس، فإنهم يدخلون مجتمعًا أكثر تحضراً وأكثر قدرة على المنافسة من وقت مغادرته. إن التباعد بين العالم الذي دخلوه والعالم الذي تركوه يتركهم عرضة للمجموعات المتطرفة ذات الأيديولوجيات التي تعد بالقبول والغرض والوفاء الروحي.

مع اتساع الفجوة بين العمال المهرة وغير المهرة، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى الاستثمار في برامج ملتزمة بمنح الشباب غير العاملين فرصة في العمل. إذا كان هناك شيء يمكن تعلمه من نهج مركز فاس لحماية الطفل، فهو أنه على الرغم من تجاوزاتهم السابقة في الحياة، ينبغي أن يكون لكل طفل مقعد على الطاولة وفرصة للتحسينو التطويرالشخصي والمهني. وبالفعل، نرى أن فوائد سحب مقعد إضافي للأعلى يتم الشعور بها إلى ما هو أبعد من أبواب المركز.

أنيا كرامان ([email protected]) طالبة في جامعة فرجينيا تدرس اللغة الإنجليزية والتاريخ. متتدربة –الفترة الصيفية-في مؤسسة الأطلس الكبير في المغرب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here