هل تؤيد إستراليا السعودية بقتالها في اليمن؟ وثائق تكشف الحقيقة

هل تؤيد إستراليا السعودية بقتالها في اليمن؟ وثائق تكشف الحقيقة

  رغم تفاقم الوضع الإنساني في اليمن من جراء الحرب المستمرة على مدار سنوات التي زادها سوءًا الحملة التي يقودها التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية وحليفتها الإمارات العربية المتحدة ضد الثوار الحوثيين، تواصل الدول الغربية بيع الأسلحة لدولتي التحالف في تغاض تام عن التبعات الكارثية لتلك الصفقات على الصعيد الإنساني. ويسلط تقرير نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية الضوء على وثائق كُشف عنها مؤخرًا بشأن صفقات الأسلحة الأسترالية المباعة إلى التحالف الذي تقوده السعودية، ودورها في تأجيج الصراع.

 يبدأ تقرير «الجارديان» بالتنويه إلى أنه في الأسبوع نفسه الذي أعلن فيه القضاء البريطاني أن صادرات الأسلحة البريطانية إلى السعودية غير قانونية غادرت شحنة كبيرة من أنظمة السلاح الموجّه عن بعد أسترالية الصنع مطار سيدني. ويستند التقرير إلى ما يقول إنها صور سرية حصلت عليها النسخة الاسترالية من صحيفة «الجارديان» تثبت هوية المشترين، وهما حكومتا السعودية والإمارات، اللتان تشن قواتهما حاليًّا حربًا مدمرة على اليمن. بالإضافة إلى أن الصور تحدّد أيضًا، وفقًا للتقرير، موردي تلك المعدات، التي يفتخر المصدر المصنّع لها بأنها «تعزز القوة المميتة بشكل كبير» في القتال.

وتقول الصحيفة البريطانية: إن ملصقات التعريف الخاصة بالشحنة تكشف عن إرسالها في يونيو (حزيران) الماضي إلى وزارة الداخلية السعودية، وتحديدًا الإدارة العامة للأسلحة والمتفجرات، وأن المورّد هو «أوربيتال أيه تي كي»، وهي شركة مقرها الولايات المتحدة وتتولى بيع المعدات التي تصنّعها الشركة الأسترالية «إلكترو أوبتيكس سيستمز (إي أو إس)». ويضيف التقرير أن شركة «إلكترو أوبتيكس سيستمز» هي أيضًا من وفّرت منظومات الأسلحة التي شُحنت إلى القيادة اللوجستية المشتركة للقوات المسلحة الإماراتية من مطار سيدني الدولي.

تُتيح منصة التحكم بالرماية عن بعد من نوع R400s المشار إليها، تركيب المدافع الصغيرة أو الأسلحة الرشاشة أو قاذفات الصواريخ على أي من المركبات الخفيفة أو العسكرية، والتحكم في تشغيلها عن بعد. ويشير التقرير بعد ذلك إلى أن ثمة قلقا متواصلا منذ فترة طويلة بشأن عمليات بيع الأسلحة إلى التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب التي تشنها في اليمن. وتسبّبت الحرب التي بدأت في عام 2015 في تشريد أكثر من 3 ملايين شخص، وأدّت إلى انتشار المجاعة والأمراض، فيما يعتبر حاليًّا أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وقد اتُهمت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها بارتكاب ما قد يعد جرائم حرب وفظائع متعددة، تشمل القصف العشوائي للمدنيين.

وفي يونيو (حزيران) الماضي قُدّر عدد الأشخاص الذين قتلوا في الصراع بنحو 100 ألف شخص، بينهم قرابة 11 ألف و700 قتلوا في 4500 غارة استهدفت المدنيين بشكل مباشر. ويعود التقرير إلى مقابلة أجرتها مجلة «ديفينس تكنولوجي ريفيو» في عام 2018، مع الرئيس التنفيذي لشركة «إلكترو أوبتيكس سيستمز»، بن غرين، قال: إن أنظمة آر إس «غيرت قواعد اللعبة» إذ أن لديها القدرة على «المواجهة والتغلب على التهديدات الحالية». وأضاف غرين: «تتيح هذه التقنية المبتكرة لأول مرةٍ تركيب أنظمة المدفع 30 ملم وتوجيهه بدقةٍ غير مسبوقة على المركبات الخفيفة؛ ما يعزز من القدرة على الفتك والحماية في آن واحد، دون التقليص من القدرة على الحركة، علاوة على التكلفة المنخفضة».

والعام الماضي، كشفت شبكة «إي بي سي» الأسترالية أن شركة «ديفينس تكنولوجي ريفيو» أبرمت صفقة مربحة لبيع الأسلحة إلى جهةٍ خارج البلاد. ولم تفصح الشركة وقتها عن هوية المشتري، لكنها نفت استخدام أي من منتجاتها في اليمن، وفقًا لتقرير «الجارديان». غير أنه في أعقاب خروج روابط شركة «إي بي سي» بالصراع اليمني إلى العلن، قررت الهيئة الاسترالية المعنية بالادخار التقاعدي الانفصال عن الشركة، وبدأت في عمليات بيع واسعة لأسهمها في الشركة منذ أوائل مارس (آذار)، وحتى الشهر الماضي.

وفي رسالة موجهة إلى نائب حزب الخضر عن مقاطعة نيوساوث ويلز، ديفيد شوبيردج، قال رئيس مجموعة شركات «أي إف إم» الأسترالية للاستثمار والصناعة، غريغ كومبيت، إن المنظمة لن تخصص شركات معينة بالتعليق، لكنه أشار إلى «توقف» الاستثمار.

وأضاف كومبيت في رسالته، وفقًا للتقرير، إن «أي إف إم تستثمر في مجموعة من فئات الأصول والقطاعات الصناعية، وندرك أن استثماراتنا قد تتعرض لمجموعة من عوامل الخطر البيئية والاجتماعية ومشكلات الحوكمة. غير أنه لضمان وضع هذه المسائل  قيد الاعتبار قبل الاستثمار، فإن الشركة لديها مقاربة فعالة لدمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في عمليات اتخاذ القرار الاستثمارية لدينا».

وقال كومبيت: إن مجال الصناعات الدفاعية في أستراليا والولايات المتحدة كان «شديد الفعالية»، وإن هذه الصناعة تعد جزءًا مهمًا من الاقتصاد الأسترالي.

في الشهر الماضي وجدت محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة أن الحكومة البريطانية أخفقت في إجراء تقييم صحيح لمخاطر سوء الاستخدام، إذ إنها وافقت على عمليات البيع دون إجراء أية تقييمات لأي نمط سابق من الانتهاكات التي ارتكبها التحالف الذي تقوده السعودية .

وفي الوقت ذاته تدافع أستراليا عن صادراتها بطريقة مماثلة، زاعمةً أن كل طلب للحصول على ترخيص ببيع الأسلحة يخضع لتقييمات التحقق من مخاطر الاستخدام النهائي للسلاح والتأكد من عدم خرقه لحقوق الإنسان المنصوص عليها وغيرها من الالتزامات الدولية، وفقًا للتقرير.

ويشير التقرير إلى أن الكونغرس الأمريكي كان قد حظر، لعدة أشهر في بداية هذا العام، عمليات بيع الأسلحة إلى السعودية والإمارات، وأرجع ذلك تحديدًا إلى المخاوف من الإصابات في صفوف المدنيين في اليمن، إلا أنه في مايو (أيار) استخدم الرئيس دونالد ترامب الفيتو الرئاسي لتحدي الحظر وإعادة إطلاق عمليات بيع السلاح.وينقل التقرير اعتراضات زعيم حزب الخضر الأسترالي، ريتشارد دي ناتالي، إذ يقول إنه في الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى تحظر بيع الأسلحة إلى السعودية، «واصلت أستراليا الانتفاع من الحرب من خلال بيع الأسلحة إلى كلا البلدين، مساهمةً في استمرار الحرب، في حين تلتزم الصمت وتتجاهل عن عمد الأماكن التي ينتهي إليها استخدام تلك الأسلحة».

ليضيف دي ناتالي: «حان الوقت لإنهاء تجارتنا للأسلحة مع منتهكي حقوق الإنسان، وعلينا التخلص من تلك الخطط المفضوحة التي تعتزم الحكومة من خلالها جعل أستراليا تاجر سلاح عالمي».

عملية تقييم معيبة

في فبراير (شباط)، صرح توم هاملتون، الذي كان آنذاك في منصب القائم بأعمال نائب وزير الدفاع الاسترالي للتخطيط الاستراتيجي والاستخبارات، مرارًا وتكرارًا في حضور جلسة الاستماع البرلمانية بأن ترخيص بيع الأسلحة لن يُوافق عليه إذا كانت الأسلحة ستستخدم في اليمن، مؤكدًا أنه «إذا توصلت تقديراتنا إلى أنهم (يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان)، فإننا لن نصدر التصريح ببيع الأسلحة».

ورغم ذلك، فقد أقرت الحكومة الأسترالية، بحسب التقرير، بأنها لا تجري أي عمليات فحص أو تقييمات للمنتج بمجرد مغادرته للبلاد. ويوضح التقرير أن عمليات بيع الأسلحة تخضع لفرع مراقبة الصادرات الدفاعية التابع لوزارة الدفاع الاسترالية، مشيرًا إلى أن وزير الدفاع وحده هو من يستطيع رفض صادرات الأسلحة من الشركات الاسترالية، على الرغم من أن سلطة الموافقة على الصادرات مفوّضة إلى مسؤولي وزارة الدفاع. ونقل التقرير عن متحدثة باسم وزارة الدفاع قولها: «الصادرات تخضع لعملية تقييم صارمة للمخاطر، تفحص التزامات أستراليا على مستوى الاتفاقات الدولية والسياسة الخارجية وحقوق الإنسان والأمن القومي والأمن الإقليمي». فقد أجرت وزارة الدفاع، وفقًا للمتحدثة، مشاورات على نطاق واسع بشأن صادرات الأسلحة، ودرست بعناية احتمال وجود خطر «تحويل» الأسلحة إلى جهات أخرى.

وأضافت المتحدة: «كجزء من هذه العملية، يقيّم الدفاع طلبات الحصول على ترخيص لتحديد ما إذا كان التصدير سيضر بالأمن أو الدفاع أو العلاقات الدولية لأستراليا. ويشمل هذا التقييم النظر في ما إذا كان هناك خطر جوهري يتمثل في إمكانية استخدام المعدات المصدرة في ارتكاب أو إتاحة الفرصة لانتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني». وتؤكد المتحدثة: «أنه يمكن وفقًا لهذه الاعتبارات، أن يشترط الدفاع تعهد المستخدم النهائي بعدم نقل أو استخدام المنتجات أو التقنيات لأغراض أخرى غير الغرض الأصلي المعلن دون الحصول على تصريح مسبق من وزارة الدفاع». وقالت وزارة الدفاع: إن بإمكانها سحب التصاريح أو تغيير منهج التعامل مع الحكومة الأجنبية إذا حوّلت الأسلحة عن الأغراض المتفق عليها، بحسب تقرير «الجارديان». وعلى الرغم من التعديلات المكثفة التي خضعت لها الوثائق التي كشفت العام الماضي بموجب قانون حرية المعلومات، فإنها كشفت، بحسب التقرير، عن مناقشات داخلية مطولة حول طلب تقدمت به شركة لتصدير أنظمة لأسلحة التحكم عن بعد. غير أن وزارة الدفاع أوصت بالموافقة لأنه «من غير المرجح استخدامها في انتهاك لقوانين حقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني».

وتشير الوثائق، وفقًا للتقرير، إلى أن تقييم الطلبات يجري وفقًا لخمسة معايير: «الالتزامات الدولية وحقوق الإنسان والأمن القومي والأمن الإقليمي والسياسة الخارجية». غير أن التقرير قال إن لغة لائحة المعايير ليست صريحة، لأن ثلاثة منها تدعو المقيّمين إلى الأخذ في الاعتبار ما إذا كان السلاح «يحتمل» أن يستخدم بطريقة تنتهك الالتزامات، في حين يتطلب معيارا حقوق الإنسان والسياسة الخارجية تحديد طبيعة المخاطر بوضوح.

في المقابل فإن «الائتلاف الأسترالي للحد من الأسلحة» الذي شُكل حديثًا، وهو ائتلاف مكون من مجموعة منظمات مجتمع مدني، قال، بحسب التقرير، إن الصور أثارت «مجموعة كبيرة من الأسئلة» حول السبل التي كانت تستخدم بها الأسلحة الأسترالية، وما هي الضوابط والتوازنات الموضوعة لمنع استخدامها في عمليات انتهاك لحقوق الإنسان.

ونقل التقرير عن كيلي ترانتر، إحدى المحاميات بالائتلاف قولها إن «عدم الافتقار إلى ضمانات بعدم استخدام الأسلحة في انتهاكات للقانون الإنساني أمر (غير مقبول). وينبغي أن يعرف الأستراليون الجهات التي ترسل إليها حكومتهم الأسلحة وطبيعة استخدام تلك الأسلحة، ويجب أن يكون لديهم ضمانات حقيقية بعدم استخدام تلك الأسلحة لارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here