هل حققت السويد فعليًا المساواة بين الجنسين؟

إيهاب مقبل

في صيف العام الماضي، 2018م، جلسَ السفير السويدي في مصر، يان تسليف، على المائدة المستديرة التي نظمتها سفارة بلاده، بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ليتحدث عن مفهوم الذكورة والمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم قالَ إن «السويد أطلقت، في عام 2014م، مبادرة تهدف لتعزيز المساواة بين الجنسين حول العالم، والتي أصبحت اليوم جزء من الأجندة العالمية للأمم المتحدة». وهذا يعني أن على مصر والبلاد العربية الإلتزام بالمبادرة، وذلك لأنها نابعة من إرادة سويدية تحت مظلة دولية. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل حققت السويد فعليًا المساواة بين الجنسين داخل حدودها ليكون بمقدورها إطلاق مبادرات دولية لتعزيز المساواة بين الجنسين؟

تقول الكاتبة السويدية ماريا هيدلين في كتابها «المساواة بين الجنسين»، والصادر باللغة السويدية عام 2011م، أن «العديد من الناسِ لديهم صورة للسويد على أنها بلد المساواة بين الجنسين، ربما ليست مساواة كاملة ولكنها تقريبًا. ولدى الأخرين وعي على أن المساواة بين الجنسين هي في الواقع ليست مساواة. العديد من الناسِ يواجهون صعوبات في رؤية الهياكل الجنسية بالمجتمع، والتي هي في الواقعِ، قواعد غير مكتوبة ترتبط بالتنشئة الاجتماعية».

وتُعرف هيدلين مفهوم «المساواة بين الجنسين» على أنها العلاقة بين الرجال والنساء في الفضائين الكمي والنوعي. وتقول: «تعني المساواة بين الجنسين في الفضاء الكمي أن لدى الرجال والنساء نفس التوزيع العددي في المناصب والوظائف وهلم جرا. وتعني المساواة بين الجنسين في الفضاء النوعي أن للرجال والنساء نفس الامكانيات والحمايات والحقوق».

وتستعرض هيدلين في كتابها العادات والتقاليد الذكورية في وسائل الإعلام السويدية، وبرامج التلفاز، والمناهج الدراسية، حيث من المتوقع أن «تكتسب المرأة الخصائص الاجتماعية الذكورية، وليس العكس». وبعبارة أخرى، فمن المتوقع أن ترى امرأة في السويد تقود حافلة، وهي مهنة ذكورية في التقاليد السويدية، بينما من غير المتوقع رؤية رجل يعمل في حضانة أطفال، وهي مهنة أنثوية في ذات التقاليد. وبالمثل، من المتوقع أن ترى شابًا سويديًا، متحرش جنسيًا بالنساء، وعندما تُقدم الفتاة بلاغًا للشرطة بذلك، لا تلقى على الحماية المطلوبة، بل تلقى بدلًا من ذلك، اللوم والذنب من المجتمع السويدي لكونها لم تسامحه، وإذا حدث العكس بأن تقوم فتاة سويدية بالتحرش جنسيًا بالرجال، فحينها تُلقب اجتماعيًا بـ«العاهرة» أو «الوقحة». ولذلك، ترى هيدلين أن المساواة بين الجنسين في الفضاء النوعي لم يتحقق بعد في البلاد.

وقبل هيدلين، تطرقت الكاتبة السويدية فانّي أمبورنسّون، في كتابها «في صفٍ خاص به»، والصادر باللغة السويدية عام 2004م، إلى موضوع «المساواة بين الجنسين في المدرسةِ الثانوية». وتكشف أمبورنسّون، بعد استعراض العديد من المقابلات والأبحاث الأكاديمية السويدية في صفحات كتابها، بأن هناك مشكلة في المساواة بين الجنسين في البلاد، تتمثل بأن معظم الطلاب في برامج البناء والسيارات بالمدرسة الثانوية هم من الذكور، بينما معظم الطلاب في برامج التمريض وتربية الأطفال هم من الإناث. والنتيجة، عدم تحقق المساواة بين الجنسين في الفضاء الكمي في البلاد، وذلك لأن هؤلاء الطلاب سينخرطون في أعمال مستقبلية حسب جنسهم. ولعل خير مثال على ذلك، أن السويد لم تحظى برئيس وزراء لها من جنس النساء منذ عام 1876م، وذلك لأن هذه المهنة يراها المجتمع السويدي ذكورية بإمتياز. وتُعد الاختلافات البيولوجية بين الذكور والإناث، فضلًا عن التنشئة الاجتماعية، السببان الرئيسيان في إحداث هذه الفجوة بالمساواة.

ولكون هذه المقالة ليس هدفها إحداث فضيحة للسفير السويدي في مصر، وهو مشهورًا بتواضعه وحُسن أخلاقه، لذلك سأكتفي بعرض هذين المصدرين فقط. ولكن، لو رغبَ سعادة السفير بالمزيد من المصادر التي تؤكد عدم تحقيق المساواة بين الجنسين في السويد، لا في الفضاء الكمي، ولا في الفضاء النوعي، فيوجد عندي العشرات من الكتب السويدية، والتي تدفعه للتفكير بالحكمة القائلة: «من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجر». ولذلك، ينبغي توفير الأموال بدلًا من انفاقها على مشاريع فاشلة أو تصدير تجارب فاشلة للبلدان الأخرى.

https://5.top4top.net/p_1311bp7lu1.jpg

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here