عندما يرفض باباجان ان يكون داود اوغلو نائبا له في حزبه الجديد

عماد علي

لقد توضحت ملامح ما قد يظهر الى العلن و ينبثق من رحم حزب العدالة و التنمية، و يمكن ان يعيد التاريخ نفسه و بفحوى ومحتوى مغاير تماما لما حصل من قبل، بالامس قدم اردوغان استقالته لاربكان في سنة 2001 و اسس حزبه الذي استمر لحد الساعة على حساب حزب الفضيلة و هو الان في بداية احتضاره كما يظهر للمتمعن في حال الحزب و رئيسه و الضغوطات التي يتعرض له و ما يضطره على التراجع شعبيا و حزبيا و عملا سياسيا بعد كل تلك الاخطاء التي فرضته نرجسيته على ارتكابها.

من الواضح في الاحزاب الاسلامية السياسية انها لها ما للاحزاب الاخرى من الصراعات الحياتية الاكثر شدة و لكنها تُغطى كثيرا بالاقوال و النصوص الدينية و التنزه و التزكي لاغفال العام سواء من المنتمين او خارجها، غير ان مسيرة هذه الاحزاب تكشف زيف الادعاءات الغيبية التي لا تمت صلة بالحزبو علمل السياسي وما هو من اختصاص عمل الداعية و التبشير الديني الفلسفي الذي لا يمكن ان يحمي الحزب الايديولوجي نفسه من افرازات الصراعات السياسية كما يدعون و ليس بامكان ان يبقى بعيدا عن المناورات و الحيل و الغش السياسي على الرغم من الادعاءات التي تطلقها الدعاة، و المعلوم انها نظرية بحتة لا تكون لها صلة بالحزب و السياسة و الصراعات و المنافسة و الطموحات الشخصية و الحزبية على ارض الواقع. او من جانب اخر ان هدف الدعاة هو ما يحمله الحزب بكل ما فيه بمعنى الكلمة و لكن تحت غطاءات دينية تبشيرية او تصوفية قحة مستندة على النصوص الدينية كمنهج عام.

يجب ان نذكر الجانب الايجابي في امور تخص هذه الاحزاب و ان كان الهدف ليس جوهر العملية السياسية التي يتبعها الحزب و يتصارع في ظلها و انما بيان ما له الصلة بفلسفة الحزب المعني بادعاءات فكرية و فلسفية اما يستمر نجاح الاعتقاد بها من قبل التابعين لمدة معينة او تكتشف حقيقته و يتجلى فحواه في اخر الامر او منذ البداية، و انما لا يمكن ان يستمر لمدة اطول و ان استخدمت كافة الحيل و الخدعات و التكتيكات السياسية باسم الدين و النصوص المقدسة، و الدليل هو احلال البديل للحزب المدعي لسرمديته بعد مدة معينة و هذا ما رايناه في تركيا و غيرها و بشكل متلاحق، كما شاهدنا ما حصل في تركيا من حزب اربكان الى باباجان مرورا بداود اوغلو و اردوغان.

الذي يتطلب التامل و التفسير والكلام عنه هو ما قام به السيد باباجان المعروف ببراغماتيته و عقليته الاقتصادية و نجاحه في تقديم خطوات مهمة لتركيا و لمسيرة اقتصاد تركيا بشكل خاص، من المحير انه يتحالف مع عبدالله غول و يرفض داوداوغلو ولو تكتيكيا منذ بداية حركته لتاسيس حزب الذي من المتوقع ان يكون بديلا للعدالة و التنمية الذي جاء بدوره بديلا لحزب الفضيلة و جاء اردوغان ليحل و يتسلط على كرسي اربكان رغم انه كان عرّابه و قدمه الى عالم السياسة و طبطب على كتفه.

ان رفض باباجان لداود اوغلو لدمج حزبهما و يكون اوغلو نائبا له يحمل كلاما اكثر و احتمالات شتى و تفسيرات سياسية بحتة و يمكن ان يدخل الفكر في طياتها لكون الاخير قد ارتبط فكرا و فلسفة باردوغان و تحركاته و انه من نظّر له ولحزبه من جانب تصفير المشاكل الخارجية لتركيا في المنطقة و اتخاذ خطوات لتجسيد العثمانية الجديدة و هذا ما دفع اردوغان الى النرحسية اكثر لاعتقاده بان يكون سلطان عصره و يمكنه ان يمتد حكمه و تطول يده الى ما وصلت اليه السلطة العثمانية في حينه و لكنه فشل في بداية طريقه.

ان رفض باباجان لداواد اوغلو ان يدمجا الحزبين المنتظرين انبثاقهما لكون داودا اوغلو اكثر تشددا و التزاما بادعاءت اسلاميته و ان تنازل و دعا الى الوسطية في حال اندماج الحزبين، و لكن و حتى ولو بوعد نظري لم يقبل باباجان بل رفض قطعا ما اراده داوداوغلو، اي بهذا الموقف يمكن ان يتوضح ان ما يمكن ان يتبناه باباجان هو الوسطية الاسلامية الاكثر قربا من الليبرالية العلمانية مستغلا الفشل الذريع الذي تلقاه اردوغان في انتخابات اسطنبول ليخسره تركيا بما فيها في الانتخابات القادمة، مستندا على مسار و طريقة عمل سياسي مغاير تماما معتمدا على الجانب السياسي المرتبط لضيقا الجانب الاقتصادي و بمعية عبدالله غول و مكانته و سمعته الطيبة نسبيا لدى الشعب التركي و مواقفه المتميزة و ما له من الصفات التي يمكن ان يتسغلها و يستثمرها باباجان اكثر من داوداوغلو الذي ارتبطت سمعته متلاصقة دون فروقات تُذكر مع اردوغان في فترة وجوده في حزب العدالة و وزارة الخارجية التركية رغم ظهور طيف من الاختلافات الباهتة في حينه. و عليه يمكن ان يُحسب هذا الرفض القاطع نقطة ايجابية لباباجان لدى الجماهير التركية، ان رفضه لداوداوغلو و لحزبه المنتظر و اعلانه حتى و ان طلب ان يكون نائبا لباباجان في الحزب الجديد دون اي طلب اخر.

من المعتقد ان الاحزاب الاسلامية المعتدلة في تركيا ستبني وسطا يمكن ان يختلف عما اراده الاخوان المسلمين و بالاخص ما ينويه باباجان على خلاف مع اردوغان الذي ارتمى في حضن الاخوان و تعلق بما ناشدوه و ادعوه دون اي خلاف او اختلاف رغم اختلافات الطبيعة و المجتمع و الوسط التركي عن منشا الاخوان و متطلباته و ما يتطلب خصوصا من الوسط الذي يمكن ان ينمو فيه. و هذا ايضا

و من جانب اخر يمكن بدوره ان يجعل العلمانية تعيد ثقتهابنفسها و بحلة جديدة في تركيا و يكون لها التاثير المباشر على الواقع التركي اكثر من الماضي، و هذا ما يدع تركيا ان لا تخرج من دائرة ما تبنته منذ تاسيسها و ان كانت على حساب الاخرين في حينه. و يعتقد المتابعون و المراقبون السياسيون بان تكون هذه التحركات الكبيرة و ان لم يتخللها المعوقات و العقبات الاصطناعية بداية مرحلة سياسية جديدة مختلفة جدا عما كانت عليه و ما سارت فيه تركيا منذ عقود، و يحتسب اخرون على ان تكون بداية انعطافة التي ستغير تركيا و ستجبرها على الالتفات نحو الامور التي تلح علىها الاهتمام بها و منها القضية الكوردية الشائكة فيها، ان اراد باباجان اقتصادا قويا و تركيا سليمة و معافية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here