آفات إجتماعية قاتلة (28)البطالة أم الرذائل الدائمة والثورات الطبقية العارمة !

قال تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) .

احمد الحاج
اذا كانت الخمر أم الخبائث ، فإن البطالة وﻻشك هي أم الرذائل واﻷحقاد والثورات الطبقية التي تجنح الى العنف والفوضى وتخريب الممتلكات العامة والخاصة ، وفي ذلك قال المفكر الكبير الدكتور محمد الغزالي “في أحضان البطالة تولد آﻵف الرذائل” فمن رحم البطالة تولد اﻷمراض النفسية ، إدمان الخمور والمخدرات ، الإنتحار ، السرقة ، التسول ، النصب والاحتيال ، هجرة الشباب، الطلاق ،التفكك اﻷسري ، الأغتصاب ، الإرهاب ، العنف وأي مجتمع لايعير إهتماما لتشغيل العاطلين إنما يحكم على نفسه بالفناء إن عاجلا أو آجلا بما لم يعيه ساسة العراق الى اﻵن لإنشغالهم بالمناصب والإمتيازات في وقت تشير فيه الإحصاءات الى أن نسبة البطالة بين الشباب تتراوح بين 22.6″ بحسب الجهاز المركزي للاحصاء ” الى 40 % بحسب ” صندوق – الحقد – الدولي “وهذا اﻷخير قد أعرب مؤخرا عن إمتعاضه من سياسة العراق الاقتصادية مطالبا بخفض الإنفاق على قطاع الطاقة الكهربائية ، إحتواء أُجور القطاع العام، هيكلة المصارف الحكومية الكبيرة ،ما يعني المزيد من جحافل العاطلين وإيقاف التعيينات ونكث جميع العهود التي قطعت – انتخابيا -لأصحاب العقود واﻷجراء اليوميين بتعيينهم على الملاك الدائم ، وفيما يضرب العاطلون أخماسا بأسداس قلقا على مستقبلهم ويتظاهرون أو يعتصمون أمام الدوائر والمؤسسات المعنية هنا وهناك بينهم الخريجون وحملة الشهادات العليا من الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه مطالبين بتعيينهم واذا بوزارة الإسكان تصدر إعماما ﻻيمت لكل مايعانيه الجياع بصلة يقضي بالبدء بالمرحلة الثالثة لإعمار ضريح محمد باقر الصدر بـ 45 مليار دينار ما ذكرني بتلفزيون الشباب قبل الإحتلال الاميركي الغاشم 2003 وكيف كان يعمد بأمر من عدي الى قطع البث عن مباريات العراق النهائية بكرة القدم ليبث لنا برنامج – قصائد في حب القائد – فيتعرض والده صدام الى كم من السباب والشتائم لم تخطر على باله يوما وﻻ في أسوأ كوابيسه ولعل هذا ما كان يريده نجله عدي واقعا كونه على علاقة مضطربة بأبيه ، قرار وزارة الإسكان المفاجئ دفع زعيم التيار الصدري الى إصدار بيان عبر تغريدة له على تويتر يقضي بإيقاف بناء الضريح من المال العام فورا ، متوعدا بإتخاذ إجراء حياله في حال تم الشروع بتنفيذ المشروع وأجزم أن الصدر قد أدرك جليا بأن توقيت إعلان إعمار الضريح بهذا المبلغ الخرافي بالتزامن مع بيان صندوق – الحقد – الدولي وخروج التظاهرات المطالبة بتوفير فرص عمل للعاطلين من دون جدوى إنما يراد في جانب منه إشغال الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ماحدث بالفعل لترد الوزارة ببيان إعتذار لاحق جاء فيه ” الصدر لم يوقف المشروع، وإنما أوقف تمويل الدولة للمشروع، وهذا شيء جيد، (ممنونين من عنده) !!
هناك حكمتان في ذم البطالة ومكافحتها ، اﻷولى صينية ونصها ” إذا أردت عاما من الرخاء والثراء، إزرع حبوبا. إذا أردت 10 سنين من الرخاء، ازرع أشجارا ، إذا أردت مئات السنين من الرخاء، إزرع أناسا”، فيما تقول نظيرتها الهندية ” الفقر يصنع لصوصا ، كما أن الحب يصنع الشعراء ” وبناء على الحكمتين فإن ساسة العراق قد أضاعوا الخيط والعصفور فلا هم شرعوا بصياغة خطط رصينة سنوية أو خمسية أو عشرية لتحقيق الرخاء والثراء لهذا الشعب المسكين الذي إبتلى بهم بكل المقاييس ، وﻻ هم كافحوا الفقر ببرامج منهجية مدروسة للحيلولة من دون تفريخ العاطلين حاضرا ومستقبلا وما يترتب على البطالة من تداعيات إجتماعية واخلاقية وأمنية خطيرة جدا لاتحمد عقباها .
المهاتما غاندي لخص المقدمة اﻷولى لمصفوفة الجوع والثورة حين قال ، ان ” الفقر هو أسوأ أشكال العنف وبالتالي فعلى الأغنياء أن يعيشوا ببساطة أكثر حتى يستطيع الفقراء أن يعيشوا” لتأتي المقدمة الثانية بحكمة هندية أيضا كونهم شعب عانى من الجوع ماعانى طوال حياته ” الفقر يقضي على جميع الفضائل” = ماقاله الدكتور علي الوردي ” إن وجود الغنى الفاحش بجانب الفقر المدقع في مجتمع واحد يؤدي إلي الإنفجار “، كل ذلك مصداقا لما جاء في اﻷثر منسوبا الى الصحابي الجليل ابي ذر الغفاري رضي الله عنه”عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهرًا سيفه” .
وبناء عليه فبإمكاني أن أستشرف المستقبل من خلال إستقراء الواقع وﻻ أقول أتنبأ به على طريقة – الملعون ابو علي الشيباني أحد كلاب عصور الاستحمار والتخلف – بأن ثورة طبقية عارمة تلوح في اﻷفق ستزبد وترعد مهما طال إنتظارها يوما ما هاهنا في العراق اذا ما إستمر الوضع القاتم على ماهو عليه من بؤس وفاقة يعانيها 10 ملايين عراقي جلهم يعيش تحت خط الفقر المدقع لا لقلة الموارد وشح الثروات ونقص الخيرات حاشا وكلا ، وإنما لكثرة اللصوص والسراق المنتمين للاحزاب والكتل والتيارات السياسية التي عبثت بكل ماهو جميل في هذا البلد الطاهر ونجسته بكل ما تعني الكلمة من معنى ، وأنوه الى أن البطالة هي أسوأ أنواع الفقر المفضي الى الجوع والحرمان( الجوع الى الحاجات الضرورية التي لاتستقيم الحياة من دونها وليس الطعام والشراب فحسب كما يتوهم البعض وأعني بها الصحة والتعليم والنقل والسكن اضافة الى المأكل والملبس والمشرب بطبيعة الحال ) وهي على أشكال فهناك ” البطالة السافرة والمقنعة ، البطالة الهيكلية والاحتكاكية والدورية ، البطالة الاختيارية والإجبارية ” وتعرف البطالة بمجملها بأنها ” عدم حصول شخص قادر على العمل مع رغبته فيه وبحثه المستمر عنه باﻷجر المتعارف عليه على فرصة شريفة للعمل “ﻷن التوظيف عراقيا إنما يتم بالمحسوبية والمنسوبية والمناطقية والعشائرية ، بدفع الرشاوى ،بالواسطة ، أو عبر الانتماء للاحزاب والحصول على استمارات التوظيف والتزكية – بعد دفع المقسوم – من خلالها ،وليس على أساس الكفاءة والخبرة والنزاهة ، ومازاد الطين بلة هو ضعف الاستثمار الخارجي والداخلي بسبب الفساد المالي والاداري وزعزعة اﻷوضاع الامنية ﻷن رأس المال كما يقول الاقتصاديون جبان ولن يغامر بضخ سيولته النقدية وشركاته الاستثمارية في بلد لايأمن فيه على موظفيه من الخطف والاغتيال في أية لحظة وﻻ على رواتبهم من السطو المسلح على ايدي مجهولين – معلومين ﻻيجرؤ أحد على ملاحقتهم ، و في حال تدفق رؤوس اﻷموال وقدوم الشركات العاملة – عثرة بدفرة – تبرز لنا إشكالية توظيف اﻷيدي العاملة اﻷجنبية بدلا من المحلية، إضافة الى إغلاق مئات المصانع بعد حوستمها أو منافسة إنتاجها من قبل المستورد اﻷجنبي الذي يدخل الى البلاد من مناشئ شتى بعضها مجهولة ليباع بأسعار تنافسية في السوق المحلية ليس بوسع المنتج الوطني الصمود أمامها ما أسفر عن إغلاق أبوابها وتسريح عمالها وهجرة خبراتها ، ناهيك عن الاف المشاريع الوهمية والمتلكئة التي استنزفت موارد البلاد وضيعت فرصا ثمينة لتشغيل اﻷيدي العاطلة اضافة الى التفاوت الكبير بين مخصصات ورواتب السياسيين الفلكية وبين فتات الرعاية الاجتماعية وقوت الكادحين اليومي ليشغل – اللصوص – الشعب عن سرقاتهم التي لاتتوقف عند حد معين بزوابع يجيدون إختراعها كزوبعة “عازفة الكمان” في ملعب كربلاء التي شغلوا بها الرأي العام ومثيلاتها لتكون بمثابة الحل السحري لصرف اﻷنظار عن سرقات اﻷشرار في هزيع الليل ووضح النهار وتغافل هؤلاء عن إن ملاهي وكابريهات وصالات قمار وبارات ومخدرات الباب الشرقي وأبي نؤاس والبتاويين – أقذر منطقة في عموم العراق – كلها هي إما ملك صرف لهم أو بحمايتهم مقابل نسبة كبيرة من اﻷرباح !
أحزن أشد الحزن وأنا ألمح يوميا في طريقي الى مكان عملي مئات المعتصمين من الشباب المطالبين بالتعيين ، اﻻف الكادحين والكسبة والباعة الجوالين في المساطر، وهم يفترشون اﻷرصفة تلاحقهم أمانة العاصمة تحت شعار ” فوك الحمل علاوة” أرقب بعضهم يذرع الشوارع سيرا على اﻷقدام ذهابا وجيئة للحصول على قوتهم وعيالهم فيما يملأ المتسولون والمشردون مقتربات الطرق والساحات العامة في بلد هو اﻷغنى على سطح الكرة الارضية ، بينما يتنعم السراق والمختلسون بنعيمه لحساب هذه الدولة التي يحملون جنسيتها الثانية او تلك ، أيعقل أن يكون حال العراقي الشريف الباحث عن اللقمة الحلال بهذا البؤس وبهذا الحال الذي لايسر أحدا مازال يحتفظ ببقايا ضمير ووطنية وإنسانية ؟!
والى اخوتي العاطلين اذكرهم بفضل العمل ونبذ الكسل وفي ذلك قال رسول الله صلى الله وسلم (لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ) وقال ايضا ” أنَّ داوُدَ النبيَّ عليه السَّلامُ، كانَ لا يَأْكُلُ إلَّا مِن عَمَلِ يَدِهِ) ، وإعيد ما قاله أعلامنا اﻷعلام ” ان اليد في الاسلام خمس ، يد عاطلة أوجب الشارع الحكيم توظيفها ، ويد عاجزة أوجب رعايتها ، ويد عاملة أوجب تقبيلها ، ويد سائلة ” من غير المتسولين ” أوجب مساعدتها ، ويد عابثة أوجب قطعها بشروطها وضوابطها بعيدا عن الشبهات .
وللحد من البطالة المستشرية ﻻبد من تفعيل قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 وباﻷخص المواد 4- 5- 6 من الفصل الثالث منه ، وكذلك الحد من العمالة اﻷجنبية التي زاحمت المحلية والإشتراط على الشركات الاجنبية تشغيل العراقيين بمعدل 5 -1 كما هو معمول به في عدد من الدول وبينها تركيا حيث تشترط قوانين العمل هناك توظيف 5 اتراك مقابل كل عامل وافد ضمن الشركات الاستثمارية ، إعادة تأهيل وتشغيل و بناء المصانع الوطنية لإستيعاب أعداد العاطلين المتزايد بإطراد وتشجيع المنتج الوطني لنفس الغرض ، فتح أبواب الإستثمار الخارجي بضوابط تأخذ بنظر الاعتبار عدم الاضرار ودفع المستحقات المترتبة وأن لا يشكل عبئا وﻻ منافسا أمام الصناعات الوطنية مع توظيف العراقيين حصرا في جميع منشآته وشركاته وتدريبهم وتطوير مهاراتهم ، الحد من الاستيراد العبثي وفرض رسوم جمركية عالية على جميع البضائع المستوردة واخضاعها الى التقييس والسيطرة النوعية لتشجيع الصناعة الوطنية وضمان ديمومتها ، تحريك عجلة البناء والإعمار بما يضمن حركة السوق وتوظيف العاطلين وإيجاد فرص عمل تحسن أوضاعهم المادية والمعنوية ،تشجيع القطاع الخاص وتوفير بيئة مناسبة له تشجعه على استثمار الطاقات والخبرات المحلية المعطلة وتشغيلها ، محاربة الفساد المالي والاداري بكل اشكاله جديا وليس دعائيا ، توحيد سلم الرواتب ، تخفيض مخصصات وامتيازات الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة وتحويلها لدعم العاطلين وتوظيفهم ، وﻻيفوتني أن أذكر الجميع بما قاله المبعوث رحمة للعالمين في ضرورة اتقان العمل وادائه على الوجه الأمثل حين قال صلى الله عليه وسلم ” إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ ” وقوله صلى الله عليه وسلم ” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا ” اذ ﻻبد ان يدرك كل منا واجباته وحقوقه لتسير عجلة الحياة والبناء كما ينبغي لها أن تسير في هذا العراق الجريح بعيدا عن الفوضى غير الخلاقة الحالية التي أحرقت اﻷخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل بزعامة الفاسدين والمفسدين في اﻷرض . أودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here