الإصلاح التشريعي واستقلال القضاء..الجزء الأول / قانون الرسوم العدلية

القاضية أريج خليل

إن من الواضح لكل مطلعٍ متدبر لنص الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 انه احتوى مواد أساسية فيه جعلت من استقلال القضاء مبدأ دستوريا ساميا يهدف الى إبقاءِ المؤسسة القضائية بعيدة عن اي تأثير مادي او معنوي من خلال نص دستوري ذي علوية يقطع الطريق امام اي تدخل مباشر او غير مباشر وبأية وسيلة كانت في عمل أي مكونٍ من مكونات السلطة القضائية، إذ نصت المادة ( 88 ) من دستور جمهورية العراق على ان “القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم لغير القانون، ولا يجوز لاي سلطة التدخل في القضاء، او في شؤون العدالة”، الا ان المؤسسة القضائية ما زالت تسعى جاهدة لترسيخ مبدأ استقلال القضاء من الناحية الفعلية والمحافظة على هذه الاستقلالية من خلال إيضاح الصورة لمن يمثل باقي السلطات في الدولة بان ضمان مبدأ الديمقراطية وبناء دولة القانون لا يتم الا عبر ضمان استقلال القضاء، والذي يعتبر مؤشرا على درجة رقي الشعوب ومقدار تنمية الدول من خلال تكريس مبادئ العدالة وحماية الحريات وضمان احترام حقوق الانسان والتي لاسند حقيقي لها الا القضاء المستقل.

كما ان سعي المؤسسة القضائية الى تعزيز مبدأ استقلال القضاء يأتي من خلال إيمانها المطلق بان دستورية المبدأ لا تكفي لترسيخه عمليا بل يجب القيام بكل ما من شأنه تقوية مفهوم استقلال القضاء والسعي لتوفير الضمانات التي تكفل هذا الاستقلال من خلال الإصلاح التشريعي لبعض النصوص القانونية النافذة والمتضمنة نصوصاً آمرة ووجوب إتباعها يؤثر تأثيراً سلبياً مقيداً ومتقاطعاً مع مبدأ استقلال القضاء والذي اهم ركائزه مبدأ الفصل بين السلطات والذي قد تتعارض معه بعض تلك النصوص والتي قد توجِد في بعض الأحيان نوعاً من التبعية ولو بطريقة غير مباشرة بين سلطات الدولة، لذا بات من المهم اصدار تشريعات جديدة تكفل حماية هذا المبدأ والسرعة بتقديم مسوداتها الى مجلس النواب لغرض تشريعها اذ تعتبر الإصلاحات التشريعية وسيلة مثلى في تعزيز دولة القانون والمؤسسات، ومن ذلك وعلى سبيل المثال تقديم مشروع متكامل لقانون الرسوم القضائية والغاء العمل بقانون الرسوم العدلية رقم 114 لسنة 1981 قدر تعلق الامر بالنصوص القانونية الواردة فيه والمتعلقة باستيفاء الرسوم في كافة انواع المحاكم الواردة في نص هذا القانون وبالنسبة لكافة مراحل التقاضي، اذ ان هذا القانون جاء تكريسا لتبعية القضاء في تلك الفترة للسلطة التنفيذية متمثلة بوزارة العدل خاصة وان قانون الرسوم العدلية صدر بناءا على قانون أصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977 والذي تبنى فكرة ان للدولة سلطة واحدة هي السلطة الحاكمة وهي ذاتها السلطة التشريعية والتي اعتبرت ان القضاء وظيفة وليس سلطة وانتفى بموجب هذا القانون مبدأ تعدد السلطات.

كما ان اهتمام المؤسسة القضائية بتقديم مشروع قانون الرسوم القضائية سيسهم بشكل جدي في سد الثغرات التي تعاني منها هذه المؤسسة في استيفاء بعض الرسوم خاصة بعد التطور الحاصل في هذه المؤسسة واستحداث عدد من المحاكم بعد عام 2003 مثل محكمة الخدمات المالية والتي لا تستوفى عن الدعاوى المقامة امامها اي رسوم قضائية بسبب عدم النص على ذلك في قانون الرسوم العدلية، كما سيكون المجال متسعا لاستحداث عدد من الرسوم ونجد انه في عقود الزواج مجالا يستحق ايراد نص بشأنه في هذا الجانب، ولذلك فان الامر يقتضي تشريع قانون جديد يتناول موضوع استيفاء الرسوم القضائية عن كافة الدعاوى المدنية والدعاوى التجارية ودعاوى الاحوال الشخصية ودعاوى العمل ودعاوى محكمة الخدمات المالية بداءة واستئنافا وتمييزا واعادة النظر بالرسوم المفروضة وفق قانون الرسوم العدلية النافذ الذي اصبح تطبيقه لا ينسجم مع المباديء الدستورية، وتشكيل لجنة مختصة لتنسيق هذه الرسوم وازالة مايرافق حالة استيفائها عملياً من غموض والذي يكتنف بعض نصوصها من خلال تحديد الرسوم الواجب دفعها عند تقديم مختلف الطلبات امام المحاكم المدنية او الجزائية.

كما نجد ان النص في قرارات المحاكم على استيفاء الرسوم القضائية استنادا الى قانون الرسوم العدلية قد يتعارض مع ايمان القضاء باستقلاليته وما دامت السلطة القضائية اصبحت اليوم سلطة مستقلة بموجب الدستور ولها مكونات مهمة نصت عليها المادة (89) من دستور جمهورية العراق لذا على كافة من يعنيهم الشأن السعي لتعزيز هذا الاستقلال وترسيخه من خلال إصلاحات تشريعية تضمن ذلك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here