العراق بين التأسيس الأول و التفكيك الأول !

بقلم مهدي قاسم

باتت غالبية الشارع العراقي على قناعة و يقين كاملين
، بعد مرور 16 عاما ، بأن نتائج ومحصلات الغزو الأمريكي للعراق و سقوط النظام الديكتاتوري السريع من جراء ذلك ـــ الذي انهار وتقوض مثل ركام من كارتون هش ــ لم تكن الغاية الكامنة والمبيتة خلفها سوى تفكيك الدولة العراقية ــ و التي كانت متآكلة و منخورة بدون ذلك
ــ كمحصلة نهائية لعمليات الغزو تلك ، ولعل من يقرأ مذكرات الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر و رأيه السلبي والمزدرى والمستخف بزعماء وقادة أحزاب وتنظيمات ــ و لا سيما من موالي النظام الإيراني ــ من سياسيي الصدفة الملعونة ، و الذين سلموهم بريمير مصير العراق
و مضى ـ كمن يسلم مناجم ذهب لعصابات سلب و نهب منظمة و جشعة ، فما ذلك سوى أحد الأدلة القوية على ما نقول ..

ولكن لو وضعنا رأي بول بريمر جانبا ــ على أهميته ــ وأخذنا
بنظر الاعتبار الواقع الميداني والفعلي لنتائج عملية التفكيك هذه و عدّدنا من خلال ذلك الجرائم و ” الإجراءات ” الانتقامية و التخريبية التي قام بها هؤلاء ” الساسة ” الفاسدون من عمليات تخريبية أدت إلى شل أو تلكؤ إدارة الدولة وزعزعة مهنيتها و هيبتها بمظاهر الفساد
ومن ثم مذهبنتها من حيث أصبحت مزدانة بصور أشخاص” مقدسين ” وكأنها عبارة عن مساجد و حسينيات و أحاديث وشعارات !! ، فضلا عن جريمة تعطيل آلاف من مصانع ومعامل و شركات إنتاجية وصناعية مهمة ــ والتي أن لم تكن متنافسة مع صناعات دول الجوار ومنتجاتها ولكنها كانت بمستواها
على الأقل ــ أو بيع بعض آخر منها بأسعار بخسة ، و التي كانت قادرة على أن تفي بالاحتياجات الأساسية للمستهلك العراقي ، إضافة إلى الدفع المتعمد لمستوى الدراسة و التعليم والطبابة والخدمات ــ كانت متوفرة ولو بحدها الأدنى قبل الغزو ــ إلى مستوى من هبوط وانحدار هزيلين
جدا إلى درجة أن نسبة الرسوب قد وصلت إلى سبعين بالمائة مؤخرا *، وكذلك جريمة إهمال قطاع الزراعة ، والذي كان هو الآخر يوفر الحاجات الأساسية من قمح وشعير و رز و خضروات إلى جانب فواكه من تفاح ورمان وعنب و برتقال و تمر بمختلف أنواعه الطيبة و اللذيذة و غير ذلك ،
و كل ذلك بهدف إفساح المجال لمنتجات وصناعات دول الجوار و البعاد أن تكتسح الأسواق العراقية ــ حيث عملية استيرادها تجري بالعملة الصعبة ــ طبعا فعلوا كل ذلك خدمة لمصالح وفوائد قادة هذا الحزب الحاكم أو ذلك السياسي الفاسد و المتنفذ أو الزعيم المتقنفذ والحرامي ..

هذا دون التطرق إلى أن العراق قد أصبح فاقد السيادة تماما
إلى درجة لا يمكن تعيين رئيس وزراء أو تشكيل حكومة جديدة إلا بموافقة دول جوار و بعاد ومباركتها النهائية والفعلية !!..

طبعا بإمكاننا أن نورد عشرات أمثلة أخرى للتأكيد و البرهان
على إن ما حدث في العراق أثناء و بعد الغزو ، كان عبارة عن خطة متعمدة ومبيته لتفكيك الدولة العراقية وليس تأسيسا ثانيا قطعا ، ولكوننا نحترم وقت القارئ الكريم فلن نعدد ونورد له معطيات ونتائج هذا التفكيك بشكل مفصل و طويل في زمن الاختزال و السرعة ، علاوة على
أنه ربما يكون على إطلاع عليها ..

علما أن بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين من إدارة بوش
الابن السابقة قد صرحوا ـــ ومن ضمنهم كوندوليزا رايس
ما معناه : أن غايتهم الأساسية من وراء الغزو
هي إسقاط النظام السابق و ليس إقامة نظام ديمقراطي في العراق !!..

صرحوا بذلك بعد الفلتان الأمني الرهيب والخراب المريع
الذي خلفوه وراءهم ، و الذي وصفوه ــ تبريرا و ربما تخلصا من الإحراج ــ ب”الفوضى الخلاقة ” !.

أجل أنه التفكيك الأول و ربما الأخير .

*لعل الصورة ــ أدناه ــ تجسد حقيقة هبوط مستوى الدراسة
و التعليم إلى أردأ مستويات في العراق : 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here