في اسباب استمرار عدم الاستقرار !

ـ 1 ـ

د. مهندالبراك

[email protected]

تعيش اوساط واسعة على قلق ممض من عدم استقرار الدولة العراقية و المجتمع، و تتوه في انواع التفسيرات حتى وصلت اقسام منها بأن الأمور بيد السماء و لجأت الى الايمان عسى ان يرشدها الى حل . . فيما يلاحظ كثيرون ان الجماهير و بعد مرور ستة عشر عاماً من الحكم الإسلاموي، اخذت تنفر و تبتعد عن القوى الإسلاموية الطائفية بشيعتها و سُنتها، عدا الاوساط التي ارتضت لنفسها ان تعيش على الفتات و الأوساط المستمرة على جهلها .

خاصة و انه لم يتوضّح الى الآن لماذا مرّ العراق بظروف قلّ مثيلها في العالم، من دكتاتور ارعن اشعل حروباً مدمّرة بتشجيع من دول و قوى عالمية و اقليمية حينها، عارفة بكونه ماضِ باحلام مريضة بانشاء امبراطورية عظمى بزعامته لايتدمّر فيها الاّ شعبه . . و الى مشكلة اسلحة الدمار الشامل (التي تهدد العالم) كما صُوّرت حينها و التي لم يُعلن عن مصيرها لحد الآن، بعد ان صارت السبب الرئيسي للغزو الاميركي للعراق، و بعدما استخدم الدكتاتور سلاح دمار شامل بحق الشعب الكردي، المكوّن الأصيل من مكوّنات البلاد، السلاح الذي كانت مكوّناته من الدول الكبرى ذاتها و مرّت من امام عينها و شركاتها، بل و بموافقة منها.

و أُعلن عن خطط لبناء شرق اوسط جديد يبدأ من تغيير العراق . . على اساس صراع الاديان و العروق و الطوائف، و على اساس الحريات ! . . و نُفخَ فيها. في سياسة لإعادة تقسيم العالم و (إعادة بنائه) على اساس المصالح، السياسة التي دأبت عليها الادارة الاميركية اساساً، بدفع من الشركات و الإحتكارات متعددة الجنسية العملاقة، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي و تفكك تحالفاته و انتهاء نشاطاته الضخمة في دعم الشعوب و حركات التحرر في العالم.

و بالنتيجة لم يحصل العراق اثر كل النضالات القاسية و انواع تضحيات ابنائه من كل مكوّناته رجالاً و نساءً لإسقاط الدكتاتورية، الاّ على حكم اسلاموي طائفي قائم على اساس محاصصة طائفية و اثنية جامدة تتنازع اطرافها بكل الوسائل، و لم تحصل فيها القوميات الثانية، و الطوائف و العروق الأصغر على حقوقها العادلة، بقدر ما تحقق منها صورياً، و ازدادت اوضاع الجماهير الكادحة ـ التي تتزايد ـ بؤساً و حرماناً، رغم انواع الإحتجاجات و المطالبات السلمية التي ووجهت بالرصاص الحي و خراطيم الماء الحار في الصيف القائض . .

حكم ارجع البلاد و دولتها و مجتمعها سنيناً الى الوراء و كأنه يحقق ماتوعّد العراق به وزير الخارجية الأميركي الأسبق (جيمس بيكر) في سنوات الحصار الجائر على البلاد ” سنُرجع العراق الى زمن ماقبل الكهرباء !! “.

و يرى مثقفون و رجال علم مستقلون عراقيون و عرب و امميون، ان ماجرى و يجري في العراق من تدمير و خطط حكم و تعديلات هو جسر او غطاء لتحقيق اهداف ستراتيجية عظمى لايُكشف عنها الاّ بعد الانتهاء من تنفيذها و تحقيق ثمارها لتلك الشركات العملاقة، و لكن بدأ يتسرب شيئاً من اسباب تلك الخطط . . فالشركات العملاقة تحافظ على سرية معلوماتها و تعاقب باشد العقوبات منتسبيها ان افشوا اسرارها ذات القيمة الفلكية.

و يشيرون الى انه في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم و خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، توصلت برامج البحوث الفضائية و انواع الليزر الفضائي الى، ان العراق بالذات و المنطقة

اغنى بكثير مما كان يُتصوّر، فإضافة لكونه يعوم على بحر من النفط العالي الجودة، فإنه يحتوى على مكامن فلكية للغاز، في عصر تحوّل العالم من عصر النفط الى عصر الغاز ، اضافة الى مكامن الذهب و اليورانيوم !!

و قد يكون الأهم بتقديرهم هو اكتشاف، ان العراق هو احد الدول النادرة (بعد الصين المشهورة عالميا بها و الكونغو و غيرها . . ) التي تمتلك المعادن النادرة (الاملاح الارضية) التي تُستخرج من قشرة الأرض، و هي جوهر و روح الصناعة و التطور الحضاري لعالم اليوم . . التي يمكن تصوّر اهميتها حين اوقف الرئيس الاميركي ” ترامب ” قبل اسابيع قراره بمقاطعة المنتجات الصينية لـ “هواواي “، اثر تهديد الرئيس الصيني ” شي جين بينغ ” بايقاف تصدير المعادن النادرة الى الولايات المتحدة الأميركية ان لم يوقف قراره.

و لمعرفة شئ عن المعادن النادرة يمكن مراجعة كتاب “حرب المعادن النادرة: الوجه المخفي للإنتقال الطاقي والرقمي” للكاتب الفرنسي المتخصص ” غيوم بيترون ” الذي اصدره اثر ايقاف البحرية اليابانية قارب صيد صيني في ايلول 2010، و رفضت اطلاق سراحه بعامليه كما طلبت الحكومة الصينية، فاعلنت الاخيرة ايقافها تصدير المعادن النادرة إلى اليابان عقابًا لها، وهو ما اضطر طوكيو إلى التراجع عن قرارها والانصياع لرغبة بكين، خوفًا من نتائج سلبية قد توقف عمل شركاتها المهمة، مثل سوني وتوشيبا وتويوتا.

و تشير ناسيونال جيوغرافيك الى ان هذه المعادن، يربو عددها على الثلاثين من التيتانيوم، التينتيوم، الزئبق الاحمر، الكوبالت، البلاتين . . وهي المهمة جدًا لإنتاج الطاقات البديلة، مثل الهوائية والشمسية ولإنتاج الأجهزة الدقيقة والرقمية الحديثة، مثل الهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية والبطاريات القابلة لإعادة التعبئة وحتى الألياف البصرية. و بدونها لا تكون الهواتف المحمولة صغيرة الحجم، بل بحجم الطابوقة، ولن تكون فيها شاشة تعمل باللمس. ومن دون هذه المعادن أيضًا لا يمكن تسيير قطار بسرعة 500 كم في الساعة، ما يعني أن مستقبل التطور في الكرة الأرضيّة يعتمد عليها، ولذلك يرتفع إنتاجها أكثر فأكثر لسد حاجة السوق العالمية.

(يتبع)

، مهند البراك

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here