بقلم محمد الخيكاني
الإيثار خُلُقٌ كريم و ذو مضامين و معاني نفيسة، و هو ليس وليد العصر بل لها من الأصول التاريخية العريقة، وقد تناولته الأقلام بالشرح و التفصيل لجل معانيه الشريفة التي يضمها بين دفتيه، وقد عرَّفه أهل الاختصاص تارة على أنه فضيلة للنفس بها يكفُّ الإنسان عن بعض حاجاته حتى يبذله لمَنْ يستحقه، و تارة أخرى يقولون فيه هو تقديم الإنسان غيره على نفسه في النفع و الدفع لهم وهو النهاية في الإخوة، وقد يصل هذا أللون الأخلاقي الجميل إلى أبعد نقطة في مكارم الأخلاق وهو التضحية بالمال و النفس معاً، و هو أقصى درجات الجود بالنفس، و نظراً للنتائج الطيبة التي يؤل إليها مستقبل الإيثار وما يُحدثه من قفزة نوعية في واقع الأسرة خاصة و المجتمع عامة فقد لاقى ترحيباً واسع النطاق و الاهتمام الكبير الذي ناله من قبل ديننا الحنيف و كتابه المجيد الذي قال فيه ( و يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) فهاهي الثلة الأولى من المسلمين الأنصار الذين ضربوا أروع صور الإيثار و التضحية بأموالهم و أنفسهم وهم يقدمونها رخيصة وتحت تصرف إخوتهم من المسلمين المهاجرين الذين ضاقت بهم السبل مما لاقوه من شدة و غلظة و ظلم و إجحاف في مكة فقصدوا بيتهم الثاني المدينة المنورة فوجدوا فيها ما فقدوه من أموال و أناس طيبون فكان الأنصار القدوة المثالية في التطبيق الواقعي و المصداق الحقيقي لكل تجليات و معاني الإيثار الإنسانية وقد تحقق بذلك المفهوم الصادق لمعنى الوحدة و الإخوة الحقيقية وعلى أرض الواقع أيام رسولنا الكريم ( صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم ) و بفضل الإيثار وما حققه من نتائج إيجابية جمعت مختلف أطياف مجتمع المدينة على محور واحد تجلى في الإسلام الأصيل و معطياته الخالدة، نعم فالإيثار هو روح الإخوة الواقعية الصادقة و ليست التي تشترى و تُباع في دكاكين الفاسدين و المتقمصين لثوبها الطاهر، فيا إخوتي في الله تعالى علينا أن نقدم مصالح و حاجات الآخرين ولو كان على حساب حوائجنا و مصالحنا الشخصية كي نصل بالمجتمع أولاً و أنفسنا ثانياً نحو بلوغ أعلى مراتب الكمال الأخلاقي الذي تريده السماء أن يتحقق قولاً و فعلاً وعلى أرض الواقع لا مجرد كلمات لقلقة لسان، لنكن في وحدة صادقة و إخوة حقيقة تجسد معنى الإيثار الواقعي، حتى نكون القدوة لأجيالنا الذين يتحلون بما عندنا من معاني حية لهذا الخُلُق النبيل في المستقبل، وفي هذا الإطار نجد أن المعلم الأستاذ الحسني قد قال كلمته الفصل في الحث على تنمية معنى الإيثار و ضرورة خدمة مصالح أبناء جلدتنا الآخرين حتى ولو على حساب مصالحنا الشخصية و حاجياتنا الخاصة وصولاً لقيام المجتمع الوحدوي المثالي النبيل جاء ذلك في بحثه الأخلاقي السامق وتحت عنوان ” السير في طريق التكامل ” حيث قال فيه السيد الأستاذ : ((من الـواضح أنَّ الإنسان الذي يعمل في سبيل الله- تعالى- ويؤثر ويضحّي بمصالحه الشخصية في سبيل راحة الآخرين والمصالـح الاجتماعية، فبقدر ذلك تنمو روحه وتتسع آفاقه حتى يصل إلى التكـامل الأخلاقي. )) .
https://6.top4top.net/p_13064mud92.jpg?fbclid=IwAR0rdIHnrPeR44Gs6of3V-CudnGsnCev7l6Qcwtpf0ZlN0–G934AY6FYEk
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط