تجار الدين والدين المبين!!

الدين تجارة مربحة ما دامت بضاعتها متوفرة وأسواقها عامرة , وأصحابها يتمتعون بصلاحيات مطلقة بلا رادع أو وازع أو ضمير , فالنفس الأمّارة بما يرغبون هي دينهم ومذهبهم وعقيدتهم , التي تسوغ ما يحلو لهم من الأعمال المخلة بشرف الدين.

والعلامات الدالة عليهم أنهم عاطلون عن العمل , ولا يجيدون إلا طرح الأضاليل والإيقاع بالناس , وتحويلهم إلى قطيع ليدوم ربح تجارتهم , ويعتاشون على إستلاب حقوق الآخرين , ويؤمنون بالنهب والسلب والسرقات والإستحواذ على المال العام , ويحسبونه رزقا من ربهم الذي يدّعون.

وما يشير إليهم بوضوح أنهم يأنسون بكثرة الفقراء والمعوزين والمحرومين والأيتام والأرامل وذوي الحاجات , ليتبجحوا أمامهم بالكبرياء المهين , ولا يعطفون عليهم بل يعدونهم بجنات النعيم التي هم فيها يتنعمون وينهلون , ولهذا تجد حول أماكنهم الجياع والفقراء والمنكوبين يتكاثرون , ولا تجد مصدرا واحدا لمعونتهم , كتوفير الطعام والملبس والمساعدات المالية.

بينما تجد في المجتمعات المتقدمة بنوك للطعام ومراكز للمعونات بأنواعها , يقوم بها أشخاص من عامة الناس وليسوا من تجار الدين.

كما أنهم يحثون على الجهل بل ويمعنون بتجهيل الناس وحرمانهم من تعلم القراءة والكتابة , لأن في ذلك إضرار بمصالحهم وهيبتهم البالونية وجاههم الشريف , وبسببهم يتنامى الجهل ويزدهر , لكي يبقى الناس في وهم أنهم لا يعرفون شيئا وعليهم أن يتبعوا هذا وذاك ويقتدون به ويقدسونه , ويكون معبودهم وربهم الذي يقبض على مصيرهم.

وهم يعادون العلم ويحرمونه لأنه من أعمال الشيطان , ويصفون المثقفين بما ينفر الناس منهم , لأنهم لا يريدون بشرا واعيا ومنورا , ويكفرون المفكرين والفلاسفة ويحشدون عليهم القطيع الذي يملكون بإسم الدين.

فتجار الدين من أخطر العوامل الفاعلة في تدمير المجتمع والدين , ورهن الأمة في خنادق الغابرات ومنعها من تنفس هواء عصرها ومعرفة قيمة مكانها ودورها في حاضرها , لأنهم لا يريدون إلا تزويدهم بما تتطلع إليه رغباتهم المنهومة , وتصوراتهم المأزومة المأثومة.

ولا يمكن تفسير سلوكهم على أنه من صلب الدين , وإن ألبسوه ألف عمامة وعمامة وأطالوا اللحى وطرروا الجباه , وأرتدوا أقنعة الدين الأخرى , لأن أفعالهم تشير إلى أنهم أعداء الدين ولا يمثلون أبسط معانيه وقيمه وأخلاقه , فهم بلا أخلاق , ولا يمكن تميزهم عن أي وحش كاسر في الغاب.

فلا يعترفون بكلمة ” إقرأ” , فهم لا يقرؤون وألسنتهم تفصح عما فيهم , فالإناء ينضح بما فيه , ويحرمون على الناس القراءة , وما فكر واحد منهم في تعليم الناس القراءة , وأنشأ في مكان العبادة مدارس أو دروسا لتعليم القراءة والكتابة.

فمن العار على الذين يدّعون الدين ومن حولهم الجهل ينتشر كالنار في الهشيم , مما يشير إلى أنهم ليسوا أنوارا , وإنما ظلمات وعوامل يأس وبؤس وتنكيل وتغفيل وتعطيل.

فهل وجدتم تاجر دين يحث الناس على التفكير وإعمال العقل والقراءة والتثقيف , أم أنهم يفترضون أن الناس جهلة وأرقام , وهم الذين يعرفون وغيرهم من الجاهلين؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here