ماذا لو سقط نظام الأسد الآن.. هل سيعم سورية السلام؟!

إننا نعلم يقينا..

أن جميع السوريين المهجرين.. والنازحين الذين يسكنون الخيام في بلدان الجوار.. والمُبعدين عن سورية منذ أمد بعيد.. والملتاعين.. والمعذبين.. والمضطهدين.. والحجر والشجر.. وحتى الحيوانات المتوحشة.. والأليفة..

تتمنى من أعماق قلبها.. ومن صميم فؤادها.. أن يسقط هذا النظام المجرم.. المتوحش.. الآن.. الآن.. وليس غدا.. والذي يُقال عنه:

إنه لم يأت في التاريخ له مثيل!!!

هكذا يقولون:

من شدة قهرهم.. وبؤسهم.. ومن شدة معاناتهم.. ومن قسوة عذاباتاهم.. وأحزانهم.. وآلامهم.. ومن فظاعة الجرائم التي ارتكبها.. ولا يزال يرتكبها.. حتى هذه اللحظة.. هذا الوحش المتوحش!!!

علما بأن التاريخ.. حافل بأحداث دامية.. ومؤلمة.. ومفجعة.. وزاخر بجرائم وحشية.. فظيعة.. تقشعر لهولها الأبدان.. وتشيب لبشاعتها الولدان.. أكثر مما يحدث الآن!!!

ولكن أكثر الناس.. لا يعلمون.. ولا يقرؤون التاريخ!!!

فقط حادثة واحدة.. نسوقها لمن يجهل التاريخ!!!

في مثل هذه الأيام المباركة.. من عام 317 للهجرة.. قدم أبو طاهر القرمطي.. وهو صبي أرعن.. أهوج.. شديد الحقد على الإسلام والمسلمين.. مع حثالة من القطيع التابعين له .. إلى المسجد الحرام.. والحجاج يطوفون.. ويسعون !!!

فأخذ يقطع رؤوسهم .. فقتل في يوم واحد.. سبعين ألفا – كما تذكر بعض المصادر- ورمى بجثثهم في بئر زمزم.. واقتلع الحجر الأسود.. فأخذه معه.. وهو يردد كلاما.. متحديا لله عز وجل:

وهذا نقل مختصر.. لما رواه ابن كثير في البداية والنهاية..

( فما شعروا – أي الحجاج _ إلا بالقرمطي.. قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية، فانتهب أموالهم.. واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها.. وفي المسجد الحرام.. وفي جوف الكعبة.. من الحجاج خلقا كثيرا، وجلس أميرهم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة، والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام.. في الشهر الحرام.. في يوم التروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:

أنا الله وبالله أنا ………. أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا.

فكان الناس يفرون منهم، فيتعلقون بأستار الكعبة، فلا يجدي ذلك عنهم شيئا، بل يقتلون.. وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف!!!

فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره.. وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم، وفي المسجد الحرام..

وهدم قبة زمزم.. وأمر بقلع باب الكعبة.. ونزع كسوتها عنها، وشققها بين أصحابه، وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه، فسقط على أم رأسه فمات إلى النار.

فعند ذلك انكف الخبيث عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال:

أين الطير الأبابيل؟ ……… أين الحجارة من سجيل؟

ثم قلع الحجر الأسود.. وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة ).

ليس القصد من ذكر هذه الحادثة المتوحشة في القتل.. التقليل من وحشية نظام الأسد.. كما قد يتبادر إلى ذهن بعض أولي الأفهام السقيمة!!

فالجرائم متشابهة عبر التاريخ.. مع اختلاف قليل أو كثير.. في شدتها وفظاعتها وبشاعتها..

وإنما للتعزية.. وللتخفيف على المظلومين.. والمستضعفين.. وتذكيرهم بأنه قد سبقهم أقوام آخرون .. عانوا.. وقاسوا الأمرين.. وذاقوا الويلات الكثيرة!!!

والآن لنفترض افتراضا تخيليا..

أن نظام الأسد قد سُحقَ.. ومُحِقَ.. وأزيل من الوجود.. بقدرة قادر!!!

فهل من سيستلم إدارة سورية من بعده.. قادرعلى أن يجعل الناس يحيون حياة طيبة.. عزيزة.. كريمة.. آمنة مطمئنة؟؟؟!!!

قد يقول قائل: في حماس واندفاع وصراخ:

ياسيدي خليه يسقط ونحن بألف خير من الله .. ووقتها بدبرها رب العالمين.. وبحلها الحلال!!!

لا شك أن هذا كلام عاطفي.. نابع من الألم.. والضيق الذي يعاني منه كل السوريين.. ولا يدري.. ولا يعلم ماذا ستؤول الأمور إليه.. بعد سقوط الوحش..

ولا ينظر نظرة بعيدة.. وليس لديه خبرة.. ولا دراية.. ولا معرفة بعاقبة الأمور!!!

تعالوا نحلل الأمر بشكل مبسط..

ولندرس كل نقطة على حدا..

أولا: طبيعة الشعب السوري ( بشكل عام وليس الكل يتصفون بها ).

لا يقبل التعاون.. ولا التآلف.. ولا التضامن.. ولا الانخراط في منظومة جماعية..

كل واحد منهم.. يريد أن يكون هو الرئيس.. وهو المهيمن.. والمسيطر على البلد!!

لا يقبل النصيحة.. ويظن بنفسه أنه هو الأعلى!!!

لديه سفاهة.. وفجور شديدان في الخصام.. إلى حدود لا متناهية.. وسيظهر لكم اثبات ذلك.. من خلال التعليقات.. بكلمات بذيئة.. وألفاظ نابية.. وجمل سافلة.. ومصطلحات متدنية.. وطعن.. وهمز.. ولمز!!!

سريع الغضب.. هائج.. متوتر الأعصاب.. عجول.. لجوج.. فيه نزق.. وطيش غير محدود.. ورعونة لا متناهية!!!

يتكلم ببجاحة.. وصفاقة.. بعيدة عن الأدب.. والأخلاق العامة!!! ..

ثانيا: ما هي المجموعات أو الأحزاب.. التي لديها قدرة وكفاءة.. على إدارة البلد؟؟؟!!!

لو استعرضنا ما هو موجود على أرض الواقع.. وأردنا أن نقسمها .. لوجدنا أنها تنقسم إلى ما يلي:

1- الجماعات الدينية التي لها اهتملمات سياسية.. وتمارسها منذ زمن بعيد:

وهي تضم الإخوان المسلمين.. وحزب التحرير..

فجماعة الإخوان المسلمون.. أصبحت مترهلة.. يديرها ديناصوريات عجائزية.. أفكارها.. وتصوراتها.. خارج التاريخ.. وخارج الواقع.. والزمن الحاضر.. وتنازلت عن مبادئها العظيمة.. التي نشأت عليها الجماعة.. في القرن الماضي.. والتي بنيت على أسس سليمة.. من الدين.. والعقيدة.. والتنظيم الهرمي التسلسلي ..

ولكن للأسف.. إدارتها إدارة هرمة.. غير جديرة.. ولا قادرة على إدارة البلد.. وصلابتها في الدين أصبحت ضعيفة.. ومهزوزة.. وخاصة بعد إصدارها برنامجها السياسي.. المتخاذل في بداية هذا القرن.. وتصديقها لأكذوبة الإصلاح.. الذي زعمه بشار الوحش!!!

فكان هذا البرنامج.. فيه تزلف.. وتقرب إلى الأحزاب العلمانية.. كي ترضى عنها.. ولن ترضى عنها أبدا..

أما حزب التحرير.. فهو يجعجع.. ويرفع راية الخلافة.. على أنها الهدف الأول للإسلام.. متجاوزا الهدف الأساسي للدين.. وهو إقامة شرع.. ومنهج.. ونظام الله أولا..

2- الأحزاب العلمانية المعادية لدين الله.. ولكل من يتمسك به.. وتريد فصل الدين عن الدولة..

وهي عبارة عن هياكل محنطة.. منها اليسار.. ومنها الشيوعي.. ومنها القومي.. والناصري وأخواتها.. وهي أشد بطشاً.. وتنكيلاً بالأحرار.. وتاريخها أشد سواداً من القطران.. حينما حكمت في بلدان عديدة من العالم.. وما حكم عبد الكريم قاسم في العراق.. وهواري بن مدين في الجزائر.. والقذافي في ليبيا.. والنميري في السودان.. وعدن التي كانت عاصمة الماركسية العربية.. في عهد علي البيض.. عنكم ببعيد..

وهي عديمة الكفاءات.. والمؤهلات.. وتفكيراتها.. وأطروحاتها السياسية خارج الزمن الحاضر.. وخارج التاريخ ..

3- أفراد مستقلون لا يرتبطون بأي تنظيمات.. مشتتون.. مبعثرون.. لا يهتدون سبيلا.. وهم مشرذمون .. علمانيون في تفكيرهم.. وقد يؤمنون بالدين.. على أنه فقط شعائر تعبدية.. من صيام.. وصلاة.. وحج وسواها.. وقد يمارسونها.. أما السياسة فهي في عقلهم.. علمانية خالصة.. تؤمن بالديمقراطية الهزلية.. والوطنية الوهمية!!!

4- الفصائل المسلحة .. بعضها يحمل عقيدة دينية.. ولها منظرون.. ومن يدعون العلم الشرعي .. وبعضها علمانية.. كالأحزاب العلمانية.. وأفرادها يقاتلون في سبيل التراب .. وكلها غير مؤهلة.. ولا جديرة بأن تدير البلد سياسيا .. بل لاتستطيع.. ولا تعرف أبجديات السياسة.. والإدارة..

علاوة.. على أنه لا ينبغي لها أصلا.. أن تنخرط في الأمور السياسية ..

وبناء على المعطيات الميدانية التي ذكرناها آنفا ..

سنجد أن هناك عدة سناريوهات.. يمكن أن تحدث.. إذا حصل هذا السقوط الافتراضي الخيالي..

الأول: حدوث صراع عنيف بين المجموعات الآنفة الذكر.. وقد يتحول إلى صراع دامٍ.. وعنيف وتنشأ فوضى لا تقل – إن لم تكن أكثر – مما هو موجود حاليا.. قبل السقوط .

الثاني: أن تقوم القوى الدولية المجرمة.. أمريكا أو روسيا.. ومن ورائهما الكيان الصهيوني.. مباشرة بتنصيب حاكم عسكري أو مدني بالقوة.. وإرغام الناس على طاعته..

الثالث: أن يحدث الاقتتال العنيف.. ويحتدم الصراع الشديد.. بين مكونات الشعب.. ويُفني بعضه بعضا.. ثم يأتي التدخل الخارجي.. ليكون إنقاذا من الإبادة الجماعية!!!

وحينئذ يلقى قبولا حسنا.. لدى عموم الناس.. فيرحبون به.. ويؤيدونه.. وهم فرحون.. لإنقاذهم من المهلكة.. ويكون حينئذ الحكم علمانيا.. طاغيا.. مستبدا مع هامش من الحرية.. في القضايا الخدمية والاجتماعية ..

والذي نعتقده .. أنه لن يحصل هذا السقوط في المدى المنظور..

وإنه لمن رحمة الله تعالى .. ألا يحصل هذا السقوط الآن.. حتى تتكون جماعة مؤمنة.. صادقة.. تستطيع أن تقيم شرع الله.. ومنهجه.. ونظامه في سورية..

الجمعة 15 ذو الحجة 1440

16 آب 2019

موفق السباعي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here