المواد غير الفعّالة في الأدوية وأضرارها –

د. بهجت عباس

هذه المواد لا تزيد من فعاليّة المادة الأساس (الفعّالة) للدواء بل تسهّل عمل تناوله وامتصاصه وانتشاره في الجسم أو لزيادة حجم المادة الفعالة أولتحليته بتغطية طعمه المرّ وغير ذلك. فهي ليست موادّ أساسيّة فيه. هذه المواد تُضاف إلى الدواء أثناء تصنيعه كأقراص ، كبسول ، سائل ، حقن أوغيرها. أما عددها فيختلف حسب المادة المُصَنّعة الشركة التي تنتجها. هذه المواد تتجاوز 35 نوعاً وهذا لا يعني أنّ هذا العدد كلُّه يكون في نوع واحد من الدواء، فقد يكون 3 أو 4 أو 5 أوحتىّ 12 مادّة حسب نوع الدواء والشركة المصنِّعة له، فمثلاً (أسيتومينوفين أو باراسيتامول) والاسم التجاري المعروف بالـ Tylenol

يحتوي على 14 مادة غير فعّالة من ضمنها مادة التيتانيوم. أمّا نوعها فقد يكون مادّة بسيطة لا ضرر منها مثل النشاء والسيلولوز وقد يكون مادّة كيميائية قد تشكّل خطراً على صحّة الإنسان مثل مسحوق الطلق Talc أو ثاني أوكسيد التيتانيوم Titanium Dioxide وبعض منها يسبب حساسيّة للمريض معتمداً على حالة المرض البدنيّة ونوع المادة التي قد تكون أيّ شيء مثل الصويا، سيلفايت، بنزويت او سكّر لاكتوز (مادة فعالة موجودة في 45% من أقراص الدواء). ربّما يكون تأثير هذه المواد ليس ذا شأن كبير إذا استعمل الفرد دواءً واحداً في اليوم أو بين فترات متعددة، ولكنّ المشكلة تكمن في استعمال الشخص أدوية متعددة في الوقت ذاته وبصورة مستمرة وخصوصاً إذا كان ذا ضغط دمٍ عالٍ ومصاباً بالسكّر مثلاً فقد يكون استعمال أربعة أنواع أو أكثر، ربّما عشرة، من الأدوية التي تكثر فيها هذه المواد غير الفعّالة أمراً عاديّاً مما يكون تراكمها في الجسم وأضرارها نتيجة محتّمة، وبخاصّة إذا احتوت على مواد تسبّب أو يُشكُّ بأنّها تسبّب السّرطان مثل المواد (مسحوق الطّلق وثاني أوكسيد التيتانيوم وصوديوم لوريل سلفات.) فما العمل إذاً؟ قد يكون البحث عن علاج بديل وخصوصاً المواد الطبيعية أو الغذاء هو خير سبيل لتجنّب هذه المصائب التي تسببها هذه المواد الكيميائية التي تتراكم وتترسب في الجسم مما تسبب أمراضاً أخرى إو إضعافاً لجهاز المناعة الذي إن ضعُف، فسيساعد على حدوث السّرطان.

ثاني أوكسيد التيتانيوم Titanium Dioxide TiO2

هذه المادة تكاد توجد في معظم الأدوية والأغذية المعلبة وتستعمل كصبغة بيضاء لعتمة الدواء، لذا يُمكن الاستغناء عنها في صناعة الدواء ولكنْ لماذا تُستعملْ وهي ذات خطر محتمل؟ فهي إذا اتّحدت مع الخلايا العملاقة Macrophages في الدم المسؤولة عن افتراس الجراثيم الداخلة إلى الجسم والجسيمات الغريبة تقلّ فعّاليّة هذه الخلايا ويكثر احتمال الإصابة الجرثومية في الجسم. أمّا إذا استُنشِقتْ فستسبّب صعوبة (ضيقاً) في التنفّس وألماً في الصدر وقد تسبّب السّرطان. يعتمد مفعول هذه المادة على حجم ذرّاتها، فكلّما صغرت، كثُر خطرها. مُنع استعمال هذه المادّة في ألمانيا ودول الاتّحاد الأوربي، ولكنّها لا تزال تُستعمل في أمريكا وكندا فلا يكاد يخلو دواء منها.

الطّلق Talc MgSio3

أو ما يسمّى كيميائياُ سيليكات المغنيسيوم، يُستعمل كمادة تمنع تكتّل (تحجّر) المواد الأخرى أيْ ما يجعلها مسحوقاً سهل الكبس لعمل الأقراص ويمتص الرطوبة. يُستعمل الطلق مسحوقاً خارجياً ممزوجاً مع مواد التجميل و (بودرة) الأطفال، مثل جونسون أند جونسون المسحوق الشهير الذي أوقع الشركة في قضايا قانونية تعويضية ضخمة بسبب هذه المساحيق.

يوجد الطلق الطبيعي ممزوجاً مع مادة الأسبستوس. لذا تـمّ منعه في دول الاتّحاد الأوربي، ولكن استعماله في أمريكا وكندا ما يزال مستمراً.

صوديوم لوريل سلفات Sodium Lauryl Sulphate (SLS)

مادة مرتبطة بالسرطان تسبّب تهيّج العين والجلد وتسبّب سميّة الأعصاب والأعضاء وخللاً في الغدد

الصمّ. تُستعمل لزيادة الرغوة في معاجين تنظيف الأسنان والمراهم والشامبو والبخاخات المختلفة المستعملة للوقاية من تعرّض الجلد للأشعة فوق البنفسجية للشمس. وتوجد محشورة أيضاً في بعض أقراص الأدوية كمادة غير فعّالة.

إختيار الدواء ومشاكله

يصف الطبيب الدواء المناسب للمريض ويُعنى بالمادة (الفعّالة) فقط التي تعالج ذلك النوع من المرض، كضغط الدم العالي أو مرض السكّر ولا يهمّه غالباً الموادّ غير الفعّالة التي يحتويها، ويصرف الصيدلي هذا الدواء الذي وصفه الطبيب ولا يعنيه غالباً أيضاً ما يحتويه من مواد غير فعّالة. وثمّة أنواع (بدائل) لذلك الدواء تختلف في محتوياتها غير الفعّالة، فأيّ بديل يصرفه الصيدلي فهو صحيح طبّيّاً ومهنيّاً وقانونيّاً ونادراً ما ينظر الصيدلي إلى (مشاكل) بعض هذه المحتويات إلا إذا عرف أنّ هذا المريض لديْه (حساسيّة) لمادة ما موجودة فيه، فعند هذا يصرف له (البديل) الذي لا يحتوي على تلك المادّة. فمثلاً الدواء المعروف والبسيط في علاج مرض السكّر ميتفورمين المسمّى Glucophage يحتوي على أربعة مواد غير فعّالة ولكنّ ثمّة ما يقرب من تسعين بديلاً له في أمريكا ، كل بديل يحتوي على أكثر من أربع موادّ غير فعّالة، بل بعضها يحتوي على أثنتيْ عشرة مادّة غير فعّالة (بينها المواد الضارّة المذكورة سابقاً) وكلّ هذه البدائل مجاز بيعها قانونيّاً، والصيدلي يبيع ما هو موجود لديه منها أو ما هو أكثر فائدة له وعمله قانوني، فمن الذي يختار الأقل ّضرراً وسوءً؟ صادف مرّة أن أخذتُ دواءً يعالج ضغط الدم هو (فالسارتان Valsartan) وهو بديل لدواء Diovan – شركة نوفارتس السويسرية العملاقة ، من صيدلية في سان دييغو – ولاية كاليفورنيا قبل بضع سنوات فوجدته يحتوي على ثلاث عشرة مادة غير فعّالة (من ضمنها المواد الضارّة) فرجعتُ إلى الصيدلية بالدواء وبقائمة تحتوي على المواد الضارّة فيه وأعلمت الصيدلي بمشاكل هذه المواد فاستغرب وقال إنّه أول مرة يواجه (مريضاً) يتحدّث في هذا الأمر. وأرجع الدواء وأخذ ينظر إلى (البديل) الذي لا يحتوي على هذه المواد في الحاسوب فلم يجده فطلب منّى ، بعد أن عرف أنني صيدلي، أنْ أبحث عن البديل (الجيّد) ليطلبه. عُدتُ إلى البيت وأخذت أبحث عن البديل (الجيّد) فوجدته مطابقاً للأصل، حيث أنّ الشركة نوفارتس Novartis التي تنتج الـ Diovan تملك هذه الشركة التي تنتج هذا (البديل) وتسوّقه بسعر منافس للبدائل الأخرى! يعني إنّه الأصل بسعر البديل! ولكنْ تبين بعد سنوات أنّ المادة الخام الفعّالة (فالسارتان) في البديل ليستْ من صنع الشركة نوفارتس السويسرية التي تنتج مادة الفالسارتان الموجودة في الدايوفان Diovan بل كانت من صنع الشركة الصينيّة

Zhejiang Huahai Pharmaceuticals (ZHP) التي كانت تبيع هذه المادة الخام لشركات أمريكية وكندية وأوربية بثمن بخس، وهذه الشركات تُصنِّعها (حبوباً أوأقراصاً) وتبيعها، ولكنّ المشكلة أنَّ هذه المادّة الخام الصينيّة وُجدتْ بأنّها ملوّثة بمادة تسبّب السرطان هي Nitrosodimethylamine (NDMA) ، فمنعتها الحكومة الكندية في آب 2018 وكذلك أمريكا! ولكن العقار Diovan لمْ يحتوِ على هذا التلوّث لأنّه لمْ يكنْ من إنتاج الشركة الصينية بل من إنتاج نوفارتس ذاتها، فربّما كان محظوظاً مَنْ استعمله، وإن كان غالياً ، ولم يستعمل البديل، فلم يُسحبْ من الصيدليات ولكنه مع هذا يحتوي وكذلك البدائل التي أعرفها على مادة ثاني أوكسيد التيتانيوم. شركات الأدوية تحبُّكَ ما دمتَ مريضاً!

16 آب (أغسطس) 2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here