طابور المنتظرين وجوقة المتشائمين

واثق الجابري
لا نريد أن نقف مع جوقة المتشائمين الذين علت أصواتهم،يأساً ونقمةً على النظام السياسي، من لتحقيق ما يبتغون, في منهج مدروس لمخالفة بناء الدولة المدنية، كذلك لم يعد للمنتظرين أمل كبير وبدء الأمل يتلاشى وما عادت الأقدام تتحمل كثرة الوقوف والأنتظار، في أجواء تفتقد لمقدمات أمل جديد، فلم يعد يقال عن الأبيض أبيض والأسود أسود، وقد زحف السواد على البياض، وأختلطا وساد الرمادي..
ما نزال نتحدث عن الإصلاح ومحاربة الفساد، وكأنها فصول ولكل حديث ليلة لأكثر من ألف ليلة، وما دمنا دولة ديموقراطية فأن الإعلام سلطة رابعة، إلا أن تحولها الى جيوش ألكترونية لا كما تسمى ذبابا ألكترونيا، فالذباب ضار وينقل الأمراض ولا تقترب منه الأطراف في كل الأحوال مهما أختلفت أو أتفقت.. لكن الجيوش تعد للمعارك وقاتل ومقتول وضحايا وكلا الطرفين خاسر، ومعها أطراف آخرى لا علاقة لها بالمعارك ستدفع ثمنا أيضا.
ما عاد الإعلام منتجاُ لحلول القضايا السياسية والأزمات، إذا كان في ذاته قضية وأزمة وحامل فتيلها.. وما عاد سلطة رابعة، إذا كان كل سعيه لتهديم السلطات ونظامها, ولم يعد يهيء لبيئة سياسية مناسبة من أرض واقعها، ولا مؤثرا في المجتمع الى جادة الصواب، حين يتخذ من السلب مسار، وينعكس في تنافر الأشخاص، ويزيد من عدد المتشائمين والإحباط، ويقتحم الخصوصيات الشخصية كل حين، فيأتيك بأنصاف الكلام، ومفبرك العبارات ومقتطع الحديث التلفزيوني.
الإعلام أساس العمل السياسي، ومنه يتاح للقوى السياسية توضيح برامجها، ومنه السلطة الرابعة التي تراقب كل السلطات، وتصنع رأياً عاماً لترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد، فيقتنع الشارع ببعض البرامج ويُشكل على أخرى، ويمكن للرأي العام المتأثر بالإعلام، أن يكون وسيلة ضغط لتغيير المسارات الخاطئة، ومن خلال دوره في صناعة الرأي العام، يعيد للشعب مصدرية القرار، ويعود الأمل لأن يكون رأي المواطن مؤثراُ وبناءً على أسس لا تشوبها خلط الأوراق الإعلامية بالسياسية المتدنية.
في معظم الأحيان تعتقد الوسائل الإعلامية أن السياسة لعبة قذرة، وأن الغاية جنس من وسائلها، بل لا تقتصر على تناول السلبيات فحسب، إنما تحاول الإيجابيات الى سلبيات، وتعتبر التنافس السياسي، ما هو إلا لعبة تسقيط تخوضها الجيوش الإلكترونية وفيها قاتل ومقتول وأول قتلاها مواطن لا يعنية إلا أن يكون في بلد آمن، ويحصل على أبسط حقوقه من الخدمات.
مهزلة ما يدور في الإعلام أحياناً..ولها أصول سياسية ومدارس وأساتذة وطلاب، ومعظمهم تفنن في إدارة الأزمات الى جانب السلب، وأعطى بالمجان دروس خصوصية في تشويه الحقائق وعلى نفقة الدولة، ليهيمن على العقول والرأي العام، ويقودها الى طريق دون أن تسأله ألى أين نحن ذاهبون؟! زاد عدد المتشائمين، وتناقص عدد المنتظرين المتأملين، فمن يصنع التشاؤم شريك فيه، ومن يبحث عن الأمل يتلاشى من بين يديه، وهو يرى الفاسدين طوال القامة ويسيرون على أطرافهم، وأصحاب الحق مغيبون.

واثق الجابري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here