هل هي صحوة إسلامية أم سقطة أخلاقية شاملة ؟

بقلم مهدي قاسم

كأننا نعيش زمن العفالقة مجددا !، من حيث كان كتّاب و أبواق
النظام السابق يمجدّون “بالأخلاق الرفيعة والعقيدة العظيمة ” !! للبعث الفاشي و الطاغية البلطجي في الصحف وباقي الوسائل الإعلامية ، بينما في جلساتهم الخاصة كانوا يمتعضون و يسخرون منها لكونها كانت تنتمي لأي شيء ما عدا إلى الأخلاق الرفيعة والصحوة الحضارية ، فبقيت
هذه الحقيقة ذاتها بعد السقوط و التغيير على صعيد تعرض القيم و المنظومة الأخلاقية في العراق ، ما بين الفترة الممتدة بين الحملة الإيمانية الصدامية والصحوة ” الخمينية ” و الأخوانجية الإسلامية الحالية ، التي تعاقبت مباشرة بعد السقوط على أيدي الإسلاميين الشيعة
و السنة على حد سواء، إلى تدهور وتقهقر كبيرين ، فقط أن طبّالي ونافخي أبواق قد تغيروا شكليا بعض الشيء من كونهم حملة عقائد شمولية مترسبة في أذهان متحجرة ، إذ بدلا من شوارب بعثية معقوفة و مشذبة جيدا !!، ظهر لنا هؤلاء الجدد بلحايا و جباه مبقعة من شدة السجود الكذوب
كمهووسين عقائديين جدد على طريقة المهووسين العفالقة السابقين ( بالمناسبة البعثيون العفالقة هم أيضا كانوا يتظاهرون بالإيمان والتقوى ولكن ليس بهذه الضجة الحالية ) فقد تجسدت متواصلة سقطة المنظومة الأخلاقية و انحدرت أكثر فأكثر واضحة و سافرة في تعامل و سلوك عشرات
الآف من ساسة و مسؤولين ورؤساء وأعضاء مجالس محافظات وبلديات ، و كذلك بين أعضاء مجلس النواب المتغيرين بين كل أربع سنوات ، فضلا عن موظفين إداريين في أجهزة الدولة والحكومة ، إضافة إلى مقاولين محتّالين و نصّابين وتجار سلع ومنتجات فاسدة أو تالفة أو مسرطنة و أطباء
يتاجرون بصحة المرضى و أصحاب صيدليات يبيعون أدوية فاسدة أو منتهية الصلاحية / و حدث كل ذلك تحت أجواء من ” صحوة إسلامية ” جديدة وأكثر صارمة من اشتداد طقوس العبادة والإيمان الشكلي و التدين الآلي لتأخذ بعدا أكبر من الحملة الإيمانية الصدامية السابقة ، ولكن الملفت
لنظر الشارع العراقي أن هذا السقوط الأخلاقي بدأ من قبل أشخاص كانوا ولا زالوا يدعون الإيمان والتقوى ولكن بمزايدة و تطرف أشد ولو شكليا ، يُمارس من قبل أعداد كبيرة من زعماء أحزاب وتنظيمات إسلامية و رجال و شيوخ دين كثيرين ، بينما كان من المفروض أن يكونوا هؤلاء
الأسلاميون قدوة ومثالا للاستقامة والنزاهة ، و السير حثيثا في دروب الحق و العدل ، غير إنهم سرعان ما ظهروا على حقيقتهم و سقطاتهم الأخلاقية بمجرد ما أن أصبحوا في مواقع السلطة والنفوذ السياسي ، فأوغلوا حتى الركبة في مستنقع الفساد ممارسة متواصلة لأشكال لصوصية و
اختلاس للمال العام و مصادرة عقارات الدولة و حتى سرقة أموال النازحين و مخصصات الخدمات الأساسية و التعليم والطبابة و الضمان الاجتماعي ، و قد انتشرت مظاهر الفساد على نطاق واسع و علني في دوائر ومؤسسات الدولة بحيث أصبحت عملية أخذ الرشاوى أمرا طبيعيا مقابل إنجاز
أية معاملة رسمية سواء بشكل مباشر أو عبر وسيط وهو على أهبة استعداد دائم للتوسط بين المراجع و الموظف الحكومي ، والمثير في الأمر أن عمليات الرشاوى هذه كانت و لازالت تجري ذاهبة إلى جيوب الموظف أو المسؤول الذي غالبا ما تتدلى فوق رأسه صورة أحد الأئمة أو قطعة قماش
تتضمن آية أو حديثا دينيا بزخرفة ذهبية ملفتة مع مشاهد أداء فريضة الصلاة بشكل جماعي من قبل موظفين ومسؤولين ونواب تحت أجواء وطقوس من خشوع وابتهال باستغراق رباني عميق !!..

فقد أصبحت ظاهرة الكذب و النفاق والتحايل والتضليل ، والتظاهر
الشكلي بالتدّين الآلي و الكذب السافر حتى على الله ذاته من خلال ذكر اسمه ليلا ونهارا بدوافع باطلة و بإيمان زائف ، و يكون كل ذلك مصحوبا بالظلم والقسوة والبطلان واستغلال السلطة والنفوذ وتعطيل آلية الدولة ، سعيا لاهثا وراء الإثراء السريع على حساب حرمان وعوز الفقراء
و الأيتام والأرامل بلا معيل ، حتى أصبحت ظاهرة قائمة بذاتها و مهيمنة على المنظومة الأخلاقية للمجتمع ومتحكمة بها مثل وباء ينتشر و ينتشر على نطاق واسع ليصبح على وشك أن يُعدي المجتمع كله ، إلى حد بات المواطن العراقي يستغرب عندما يلتقي مع مسؤول نزيه ومستقيم ينجز
معاملته بدون أي مقابل أو يقوم بواجباته الرسمية بدون سرقة أو لصوصية أو تلاعب بالمال العام !..

و إذا كان هذه المظاهر من انحطاط أخلاقي و فساد و خراب
مريع و شنيع يُعتبر صحوة إسلامية فتبا لها و سحقا ! ..

لأنها ما هي في حقيقة الأمر سوى صحوة أوغاد و أوباش من
عصابات لصوص وحاملي معاول خراب وتخريب للثوابت الأخلاقية السامية التي توارثها المجتمع العراقي عبر قرون وقرون ، تلك الثوابت االأخلاقية الأصيلة التي كانت تتصف بمرؤة وشهامة وعزة نفس وحياء من أعمال وضيعة ، و حرصا شديدا على السمعة الشخصية والعائلية ، فضلا عن رحمة
و شفقة و عطف على معوزين وضعفاء ، بينما جئتم أنتم و من لف لفكم من إسلاميين و عفالقة و اخوانجية وباقي سقط متاع آخرين وقلبتموها رأسا على عقب في غضون بضع سنوات فقط ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here