أنتم يا ” شيعة ” أسأتم للإمام علي أكثر من خصومه الافتراضيين !

بقلم مهدي قاسم

أظن و أعتقد بأن كل مثقف و متنور و منصف في العالم ، و
الخارج من القوقعة الدينية أو المذهبية المتعصبة ، لا يمكنه إلا احترام الإمام علي ، بصفته رجلا فيلسوفا ومفكرا إنسانيا عظيما ومصلحا كبيرا ، الذي تجنّح برؤيته الكونية النفّاذة التي ربما ستبقى عصرية و متقدة أمام أجيال قادمة أيضا ، حاله في ذلك حال عديد من فلاسفة
ومفكرين ورجال حكمة إنسانيين ، سيما من خلال قيامه بتطبيق النظرية بالممارسة على صعيد السلطة و الحكم ، إذ لم يكن جائرا ولا ظالما في حكمه ولا مستغلا للسلطة ولا فاسحا مجالا لأقربائه لمثل هذا الاستغلال بهدف الفساد و الإثراء على حساب غيرهم ، كما لم تجر في عهده ،
بصفته خليفة و أميرا للمؤمنين ــ غزوات بلدان أخرى و تدمير حضارتها و نهب ثرواتها ، مثلما جرت في عهود الخلفاء السابقين في السلطة والحكم ، بل إنه سعى إلى محاربة سلطة معاوية الفاسدة و اجتثاثها ، ولكنه لم يفلح .

لذا فإنه اكتسب كل هذا الاحترام و التقدير لشخصيته الفذة
، على النطاق العالمي ، استحقاقا طبيعيا ، تلقاه من قبل رجال فكر وثقافة وقليل من رجال سياسة ، كرجل فكر وثقافة ، سيما كرجل سلطة حاول أن يحكم ، بقدر الإمكان ، بعدل وقسطاط بين رعيته ، وأن يكون صارما ، رادعا مع ولاته لكي لا يستغلوا سلطاتهم في الأمصار والولايات
منفعة مادية لحسابهم الخاص ، بينما في الوقت نفسه كان زاهدا في عيشه و عفيفا و نزيها في التعامل مع المال العام ، إلى حد رفض إعطاء شيء من المال حتى لأخيه عقيل الذي التحق برهط معاوية الفاسدين ، امتعاضا منه و نكاية به !!، لعلمه بوجود فساد بين أركان السلطة في الشام
وسهولة حصول على المال من معاوية بشرط التشنيع بالإمام !..

و كل ما قولناه ــ أعلاه ــ ليست من عندياتنا ــ إنما هي
غيض و فيض من أقوال كبار مفكرين ومثقفين و رجال سياسة و غيرهم والذين في غالبيتهم ليسوا بمسلمين * ..

طيب ! …

أليس كان من المفروض والواجب المبدئي و الأخلاقي ، بالنسبة
لجميع الشيعة في العالم أفرادا و ساسة و أحزابا ، و حتى شرائح اجتماعية ، سيما ممن في السلطة والحكم ، أن يتخذوا من رجل فذ ورمز حق و عدل ، مثل شخصية الإمام علي التاريخية ، قدوة ومثالا لهم ؟ ، سيما في ممارسة الحكم و السلطة وتوزيع الثروات بعدل و قساط ؟ ، بل أن
يسيروا على دربه حثيثا نحو تحقيق وتطبيق أنقى صور عدل بين الرعية ، مع كامل نزاهة واستقامة في معالجة المال العام وثروات الشعب ويكونوا أمناء مخلصين وحريصين عليها ؟، و أن يجعلوا من الولايات والأمصار أو المحافظات التي يحكمونها خلية نحل فعّالة و نشطة في عمليات إعمار
و تعمير وتطوير وتحديث ، من خلال تقديم خدمات وتحسين مستوى المعيشة و الطبابة والتعليم والتصنيع و الزراعة وفي ميدان العلوم و التقنيات الأخرى ، حتى يكون هؤلاء الرعية مرتاحين و سعداء في عيشهم وراضين عن مستوى الخدمات المقدمة لهم في حياتهم اليومية ؟ ، لكي يكونوا
فخورين برجال سلطة هؤلاء الذين يستمدون قيمهم أخلاقية الراقية والعالية من هذا التراث الإنساني النير للإمام علي ..

فكم كان سيكون رائعا ومدهشا ، لو وُجد رجل حكم ” شيعي ”
واحد ــ على الأقل ــ من هذا القبيل يدعي تبعيته للإمام علي و تمثيله المبدئي والأخلاقي لتراثه الإنساني بكل هذه الغدالة و النزاهة ؟..

ناهيك عن سياسي متنفذ ؟ ..

حتى الآن لم نلتق مع رجل حكم و صاحب موقع سياسي متنفذ من
هذا القبيل

بل : إن ما حدث كان على عكس تماما من هذا التراث الزاخر
لقيم ومبادئ الإمام علي وباقي قيم الأئمة على صعيد الحق و العدل و الاستقامة، فبدلا من إقامة سلطة مساواة عادلة ، رأينا سلطة فاسدة و منحازة لفئات ضيقة و ظالمة بحق الأكثرية ، وبدلا من نزاهة واستقامة مع المال العام أصبحنا شهودا على لصوصية و سرقة فريدتين من نوعهما
وبعلنية صلفة ووقحة ، قلّ نظيرهما في عالمنا المعاصر ، و بدلا من عمليات التعمير و الإعمار ( حيث ورد في رسالة الإمام علي لوالي مصر أبن الأشتر حيث أوصاه بالأعمار والاعتناء بأحوال الرعية * ) زادت مظاهر الخراب و التخريب تحت حكم الأحزاب” الشيعية ” في العراق بسبب
عدم الجدية و الحرص أولا في عمليات البناء وما رافق ذلك من أشكال الإهمال وعدم الاكتراث المستمرة حتى الآن ثانيا ، الأمر الذي يعني بكل وضوح إنهم ليس فقط تنكروا لمبادئ و قيم الإمام علي و تسببوا بمعاناة فظيعة لملايين من العراقيين ، إنما أساءوا إليه أيضا ــ كمجموعات
من لصوص تافهين و عديمي قيم ومبادئ ــ أجل أساءوا إليه أشد إساءة ” من خلال ادعائهم الكاذب و الزائف بأنهم هم إنما يمثّلون هذه القيم والمبادئ و يطبقونها في حياتهم اليومية ، ليعطوا ــ من خلال ذلك ــ انطباعا سيئا أو مسيئا بل ومبررا لقيام بعض آخر بالإساءة أيضا ..

خاصة لمن لا يعرف التراث الإنساني للإمام علي
أو غير مطلع عليه ..

لذا فلو كنتُ أنا ” شيعيا عقائديا ” و بإخلاص و وفاء صادقين
و بحرص شديد ، من حيث أعد نفسي من أتباع الإمام علي والتشييع الأصيل وغير المسيَّس ، لنذرت حياتي كلها لمحاربة هؤلاء اللصوص و المدعين و الدعاة الكذبة ، أكثر من غيرهم من أعداء و خصوم افتراضيين أو حقيقيين ، لأن ثمة تصرفات وممارسات مشينة من قبل هؤلاء الأتباع الزاعمين
بالانتماء العقائدي للإمام علي ، تُعتبر إساءة كبيرة ، وتشويه وتزييف لهذه القيم المبادئ ، لكونها تأتي من ذوي القربى و الاتباع المزعومين ، قد تكون أكثر انتشارا أو و ذريعة يستند عليها خصوم ومتحاملون عقائديون للنيل من هذه المبادئ ..

فما بالنا بمجموعات كبيرة من لصوص و أحزاب وتنظيمات وميليشيات
فاسدة بجحافل جرارة تدعي وتزعم ــ يوميا ــ تبعيتها العقائدية وتمثيلها المبدئي والأخلاقي لتراث الإمام علي وقيمه الإنسانية السامية والنبيلة بينما هي تتصرف عكس ذلك تماما ؟!..

فهجوم الخصوم في مثل هذه الحالة أقل تأثيرا ومصداقية من
إساءة الأتباع والمريدين العقائديين الزائفين ..

أي تماما مثلما يقول شاعر :

( وظلم ذوي القربى.. أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند ) .
……………………………………………………………………………………………………………… 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here