معاركنا الهمجية ؟!!

معاركنا تبدو للآخرين همجية من الدرجة الأولى , في عالم تتعاظم فيه المعارك الفكرية والعلمية والإبتكارية والإستكشافية.

عالم تتسابق فيه المجتمعات لإستثمار الفضاء وتعدين القمر وتحرير الطاقة من أوراق الشجر , ومن الماء والرياح والشمس والذرات والإليكترونات والنيوترونات.

بل أنه عالم في أشد حالات النزال لإمتلاك العناصر النادرة في الجدول الدوري للعناصر , والتي أصبحت ذات إستخدامات علمية وإختراعية لا تخطر ببال.

عالم يطمح إلى آفاق بلا حدود , وولوج أكوان من المعارف والعلوم والمخترعات التي أذهلت كل موجود.

وفي هذا الخضم المحتدم لا تزال بعض المجتمعات تنقاد بهمجية عمياء , نحو سلوكيات مناهضة لوجودها وقدرات بقائها ومعاني تفاعلها في الحياة , ومنها مجتمعاتنا التي عبّرت عن أفظع درجات الهمجية منذ بداية القرن الحادي والعشرين , ولا تزال في غاية الإمعان بسلوكها العدواني على ذاتها وموضوعها ومعتقدها وكل ما يمت بصلة لهويتها.

وما تعلمت أبسط ضوابط ومرتكزات المعارك الفكرية والمعرفية , وإنما إستلطفت الإنطمار في تراب الأجداث والغوابر والباليات , حتى إحترق الحاضر وغاب المستقبل , وتأسنت معالمها وإنقرضت طاقات أبنائها , وهُدرت في سوح التراهات.

ولا يمكن لهذه المجتمعات أن تستعيد رشدها , وتعي دورها من غير معارك فكرية , تلهب الطاقات وتطلق الأفكار وتمنحها آليات التفاعل مع الحياة.

فهذه المجتمعات لا تحتاج لتعزيز همجية السلوك بمعارك حزبية كرسوية فئوية طائفية , وإنما عليها أن تتخلص من القيود الإنقراضية , وتتعلم كيف تفكر وتحاجج وتبحث وتدرس وتقييم وتسعى نحو إدراك المستجدات , مثلما تفعل الشعوب الحية والمجتمعات المعاصرة القوية المتحضرة.

فالمعارك الفكرية التي تحتاجها مجتمعاتنا لا تُسفك فيها دماء أو تطلق رصاصة واحدة , وإنما هي عبارة عن ميادين لمقارعة الحجة بالحجة والعقل بالعقل , والتفاعل الإنساني الخلاق اللازم لإستيلاد العقول قدرات العطاء الأصيل.

وفي تأريخ مجتمعاتنا العديد من المعارك الفكرية التي خاضها أفذاذ أسهموا بتقدم الرؤى ونماء العقول وتهذيب السلوك , وفي مصر كان عباس محمود العقاد أحد قادة هذه المعارك والمقارع الصعب فيها , مما أسهم بإنجاب أعلام كبار في الثقافة المصرية.

وفي مجتمعات أخرى تكاد تنعدم هذه المعارك الفكرية , مما تسبب في خمول العطاء وخمود الجد والإجتهاد.

ولهذا فأن مجتمعاتنا مطالبة اليوم بالتوجه للمعارك الفكرية والعلمية والثقافية , بكل طاقاتها , لكي تتمكن من إنجاب ذاتها الحقيقية ورسم معالم دورها الأصيل.

ولكي تبصر بعيون العقل المعاصرة!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here