حال العراق زمن الاحتلال العثماني ! ح14

(*) د. رضا العطار

عندما بدأ العراقيون مسيرتهم الكفاحية فى اوائل القرن التاسع عشر ضد الأحتلال التركي ـ التاريخ الاسود ـ للعراق كانوا قد ورثوا ارثا ثقيلا من التخلف والاستبداد، .هذا الأرث الذي كان له دور كبير فى صياغة مشروع حركة التغير المعاصر بهدف اللحاق بركب الحضارة الأنسانية المتوثبة و تحديد شعار الحركة الوطنية فى محاربة المحتل و نيل الأستقلال.

ولا شك ان المقاومة كان لها الحق المشروع للدفاع عن الدين والوطن والنفس وانها انطلقت من التكوين الحضارى الذاتى الأصيل ضد النهج القاسى للمحتل الهادف الى تفكيك المجتمع العراقى طائفيا و عنصريا و تغريبة عن لغتة وتراثة ليتسنى له السيطرة الكاملة على مقدراتة و ثرواتة بعد التحطيم الكامل لكيانه العتيد .

بعد سقوط الدوله العباسيه على يد المغول عام 1258 عمت الفوضى واستمرت , وفى عام 1533 احتل العثمانيون العراق واستعملوا مع ابنائه سياسة العنف والبطش والتعسف فلم يفسحوا لهم المجال لكي يعرفوا ان لهم حقوقا فى الحياة. فقد مارسوا البرنامج الأستعمارى فى فرق تسد وبذلك شجعوا التفرقه الطائفيه والعنصريه, كما تميز حكمهم بالظلم الأجتماعى الصارخ تجاه جميع قطاعات الشعب وخاصة الطائفه الشيعية منها, لذا كان طبيعيا ان يتجاوب افراد العشائر مع مواطنيهم بعد ان وجدوا فيهم رفيق الدرب فى النضال فى سبيل التحرر من نير الأحتلال،
لقد فرض العثمانيون على العراقين سياسة التتريك, بغية ابعادهم عن لغتهم الأم وعدم استعمالها فى المؤسسات الحكوميه بهدف ازالة الارث الحضارى من اذهانهم, لكن الوعي العربي اثبت انه اقوى من مخططاتهم وفشلت سياسة التتريك.
لقد دام حكمهم البغيض اربعة قرون، لم يسمحوا خلالها للشيعة ـ وهم اغلبية سكان العراق ـ ان تفتح لهم مدرسه ابتدائيه واحدة ا

بصرح السياسى العراقى كامل الجادرجى قوله :
( رغم ان الطائفه الشيعيه تشكل اغلبية سكان العراق الا ان السلطان العثمانى اعتبرهم اقليه، ونظر اليهم بعين العداء ولم يفسح لهم مجال الثقافه وحرمهم من التعليم ومن المناصب الحكوميه ).

وفي هذا السياق يقول كاتب السطور :
كان الاتراك يرتابون من كل ما له علاقة بالادب والثقافة. فكانوا يخافون المطابع ويحذرون منها، وفي العام 1830 كان في العاصمة العثمانية اسطنبول مطبعتان انشأها اليونانيون و الارمن، لكن الادارة العثمانية خشيت من نتائج انتشار المطبوعات وما تسببه من رفع الوعي المعرفي والثقافة السياسية بين الناس، فأقدمت على منع هذه المطابع من الانتاج. هذا ما جاء في كتاب عصر التكايا والرعايا لمؤلفه د. شاكر البابلسي.

فى الواقع ان ما حدث فى الأحتلال العثمانى للعراق كان بمثابة نكسه حضاريه خطيره، بعد ان غرب عهد الأزدهار الثقافي الذى نعم به العراقيون في بغداد ايام مجد الحضاره العباسيه التى توجت بالعصر الذهبى ايام الخليفه هارون الرشيد و المأمون الذى اصبحت بغداد منارا للأشعاع الفكري، من علم وثقافة الذى لم يقتصر سطوعه على بلدان المنطقه فحسب انما وصل نوره الى جامعات اوربا.

لا يغيب عن البال انه عندما قدم العثمانيون الى العراق، وهم منحدرين اصلا من بلاد التتر من اواسط آسيا، فهم عنصر مغولي، كانوا بدوا، حديثو العهد فى تشكيل كيان دوله ولم يكن لهم علم بصناعه ولا بزراعه ولا بتجاره ناهيك عن الفن والادب.

اقول انه من سخرية القدر بمكان ان العرب الذين جاؤا بالأسلام بقيادة نبيهم الكريم وارسوا قواعده ونشروه في بقاع الدنيا، صار العثمانيون هم خلفائه، فقد ابتلعوا العرب واستبعدوهم لا بل اذلوهم.
كان على العربى المسلم ان يرفع يده في صلاته ايام الجمعة للدعاء الى السلطان العثمانى الذى لقب نفسه بعاهل الاسلام، وهو في معظم الحالات ابن جاريه اؤتي بها من بلاد الصرب، وقد يكون الخليفة خلال هذه الحظات مخمورا ماجنا متهتكا محاطا بالجواري والغلمان متمايلا مع نغم الناي ودق الطبول.

لقد جلب الأستعمار العثماني للعراق الكثير من الويلات والمصائب خاصة بما يتعلق بخراب المرافق الحيوية للبلاد من زراعية وصناعية وتجارية، واستمر الحال المأساوي للوجود التركي البغيض رغم الحركات التحررية المتكررة ولم يتمكن العراق التخلص من الأفة التاريخية هذه إلا في مطلع القرن العشرين.

* مقتبس من كتاب تاريخ الشيعة في العراق لعبد الله النفيسي، ومن محات من تاريخ العراق الحديث للدكتور علي الوردي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here