حُطّم الانسان في كوردستان

عماد علي

طالما حمل الانسان الكوردي روحا طيبا و متميزا نتيجة ظروفه الاجتماعية التاريخية الجغرافية المختلفة كثيرا عن الاخرين و حمل سماتا نادرا، رغم الصعوبات و الكوارث و المآسي و الحروب و الحوادث المتنوعة التي واجهته الا انه بقي على خصائصه و صفاته و لم يتغير الا قليلا نتيجة الغزوات التي تعرض لها و افرزات و تاثيرات ما ورد اليه من الثقافات الاخرين المختلفة جدا عن نشاته و معيشته.

تاريخ كوردستان عميق و يحتمل الكثير من الاراء التي قيلت عن مراحله المختلفة و لكن غير مؤكدة او مطموسة في اكثرها نتيجة التعصب و المصالح التي فرضت من محتلي هذه البقعة عليها، و عليه لا يمكن التاكد من فحوى ما يقال و وما وصل الينا الا بالتمحيص الدقيق لكونه مغبون و مغدور هذا الشعب الذي لم يملك دولة او سلطة مستقلة موحدة باستثناء امارات محصورة على سيادة محلية شبه عشائرية في بقع معينة دون ان تعم ما تميزت بها هذه البقع على اراضي كوردستان بشكل عام من جهة، و وعورة اراضها و شبه انعزال شعبها و ما اثرت بيئتها على الصفات الخاصة بالانسان الكوردي الذي تحلى بها و كان يعتريه احاسيس جميلة تجاه بيئته و يخالجه شعور و ينتابه من خلجات ما يجعله ان يتمسك بارضه و ما فيها و تلاصق بها روحه من جهة اخرى.

و رغم حبه و حتى درجة العشق و التلهف والتيمم و التلاقح مع وطنه الا انه لم يعتدي يوما على الاخر عند لجوءهم الى ارضه و لم يمنع الاخرين من التمتع بخيرات بلده و ان كانوا اتين بنية الاحتلال البعيد المدى دون ان يشك بهم، و عليه غرور المحتلين و الغازين و طمعم جعلهم بعد بقاءهم لمدة طويلة ما تعتقد سلالاتهم بانهم على ارضهم و ليسوا محلتين لها تاريخيا رغم نفي التاريخ و الدلائل و الوثائق و التنقيبات الاثرية لذلك، و ذلك لما اتسموا من روح التعدي و الغازي و النيل من الاخر لفرض ما آمنوا بالقوة الغاشمة نتيجة امتلاكهم السلطة و ما تفرضه الدولة التي حُرم الكورد منها نتيجة مصالح القوى المصلحية الاستعمارية العالمية فيما بعد .

فان كان الكورد على سجيتهم في التعامل مع الغريب فهذا ما تسبب الاضرار بهم و نتيجه ذلك اصبحوا تحت هيمنة المحتل و الغازي و فقدوا حتى بعض من مزاياهم جراء التعديات الخارحية و التاثيرات السلبية من فقدانهم لمقومات امتلاك دولة و العيش بسلام و الحفاظ على كيانهم الذي كان بامكانهم عندئذ الدفاع عن انفسهم دون ان يعتدوا على احد كما هو سمتهم الاصيلة.

التاريخ الغابر يدلنا عىل التغييرات الكبيرة التي حصلت بعد غزوات الاسلام بشكل خاص و من ثم انعدام الفرصة السانحة لاستقلال كوردستان لاسباب كثيرة و منها ما تخص الانسان الكوردي بنفسه و ما كان عليه من عدم امتلاك الفطنة اللازمة و الامكانية العقلانية التي يمكن ان يستدل المستقبل و التعامل مع الاخر وفق ظروف المرحلية بعيدا عن اي شكل من التعامل الفردي و العاطفة الشخصية و التي من المفروض ان يكون في تعامله موضوعيا و استدلالاته حاضرة في ذهنه للتدقيق و انجاح العمل و منه تحقيق هدفه في ضمان المستقبل لابناءه.

هذا ما حمله التاريخ و يمكن ان نتكلم كثيرا عن الحالة الانسانية و السمات و الصفات الانسانية في مرحلة لم تكن هذه الصفة منتشرة و موجودة في الكثير من بقاع العالم، اي التي تمتع بها الكورد في تاريخه و تضرر منها بعدما اُستغل من قبل الاخر المعتدي المحتل. اما اليوم و في هذا القرن و الالفية الثالثة و ما يتميز به العالم بشكل مختلف عما كان عليه منذ قرون و التطور فرض الانسانية، فما وصل اليه الكورد انهم تراجعوا بعدما اصبحوا على حال ميؤس منها و لم يحققوا ما ناضلوا من اجله خلال القرن الماضي الذي اكتملت فيه ثبوت المفاهيم و القيم و منها الانسانية لدى الانسان في العالم باجمعه تقريبا، و بعدما خدشت انسانية الكورد من قبل محتليه و الغازين لبلاده وصل اخيرا في جزء من كوردستان الى ما يمكنه من حكم نفسه و لكنه خفق في امره و الاهم في حيته بنفسه .

اما اليوم و بعد ان استلم الكورد بانفسهم زمام امور حكم انفسهم في جزء ضيق من كوردستان، كان من المفروض ان يعيد الانسان الكوردي كيانه و شخصيته التاريخية الطبيعية و سمته و خصائصه و صفاته المتميزة و ان يتخذ من اصالته سكة سوية لقضاء اموره الحياتية و ليثبت للاخرين انه يستحق ان يعيش كما يعيشون و لهم كيانهم و دولهم و هم يحافظون على ما يتسمون و يمتلكون، و كان من المفروض ان يثبت للاخرين غدرهم له و بناء كيانهم على حساب كل ما يمتلكه هو طوال تاريخ ولعبهم بجغرافيا كوردستان و ثقافة

متميزة لامتها و هي تنبع من عمق تاريخها، نعم عوضا عن تحقيق كل امنيات الانسان الكوردي و اهدافه و اعادة تصحيح المسار لما ظلمه التاريخ و المحتلين و الغازين به انه فعل ما لم يعقله المتمعن و المراقب لما يمر به الانسان الكوردي. انه تحطم من بين امواج الخلافت المتلاطمة و الانانية و المصلحية و التخلف و عدم القدرة على ادارة الذات، انه ياس من نفسه و ندم عما كان يقدمه من اجل تحقيق اهدافه و امانيه كل هذه السنين من انهر من الدماء، انه الان في مرحلة التحطم و الانهيار الشخصي الفردي و المجتمعي، انه تحطم على يده بنفسه على العكس مما كان منتظرا منه بعدما تحطمت شخصيته و كينونته على ايدي الاخرين من قبل. نعم انه الان في اخطر مراحله اليوم نتيجة تحطيم الشخصية الكوردية على ايدي الذات، و بايدي من تسلم زمام الامور منهم رؤوس العشائر و ابناء السلالات المشبوهة و المتخلفين و من لم يقدم شيئا لبناء كيان الكورد بل تلاعب على اقداره و استغل غبنه و ما غدر به التاريخ من اجل مصالح ضيقة و امور تافهة لدى البعض منه فيما يخص الشخصية الفردية و الحزبية على حساب الشخصية الكوردية الاصيلة و كيانه الحر الاصيل، انه هو و بنفسه حطم شخصيته، لا بل يمكن القول انهم هم الشواذ الذين حُسبوا عليه حطموا ما كان ان يحافظوا عليه ويطوره و يعيدوا اليه ما فقده على ايدي الاعداء، بل يحق لنا ان نقول انه هو الذي دمر نفسه بل هؤلاء انهكوه و حطموا و اقلعوا بنيانه و تركيبته من جذوره و اساتاصلوا صفاته و سماته من اجل مصلحة شخصية وحزبية التي لعبت به و اصبح زمام امره بايدي غير امينة و قذرة فتم تحطيمه من قبل من طرحته اجراف انهر التاريح الجاري الى الشواطيء و فرضت الظروف ان يعتلوا كرسي السلطة، و كان من المفروض ان تعمل هذه الشلة بكل جهدها و قوتها لاعادة الشخصية الكوردية الاصيلة الى طريقها و تركيبتها الصحيحة، و لكنهم على العكس من المنتظر اجرفوه نهائيا من على ساحته الانسانية و تركيبته و كيانه نحو اللاشخصية الانسانية ،للاسف. نعم حُطّم الانسان في كوردستان نتيجة ما فرض عليه من مَن يحكمه من العقول الخاوية الشاذة وغيرالمقتدرة على هذه المهام الصعبة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here