لماذا ابتلينا بوعاظ السلاطين ؟

* بقلم د. رضا العطار

يقصد بوعاظ السلاطين اؤلئك الفقهاء الذين اداروا ظهورهم عن الاسلام الحقيقي واهدافه النبيلة لخدمة الشعب، وتوجهوا الى السلاطين، بغية تحقيق مطامعهم الشخصية، على حساب الأمة، المغلوبة على امرها.
فرجل الدين مثل هؤلاء يتقدم الى الحاكم، يقف امامه ويقول : من الحكمة يامولاي ان تجعل جوهر الخطاب السياسي للدولة دائما هو شرعية السلطة التي تقوم عليها دعائم سلطتكم. فانتم دائما تمثلون الشرع لا الشارع، فالشرع ثابت والشارع متغير، فاليوم معكم وغدا مع خصمكم – وان سلطتكم سلطة مطلقة منزلة من السماء ولا تعترف بقوانين الارض – وان الله وحده هو القادر على خلعكم كما جاء بكم الى الحكم.

وان مال الدولة هو مال الله وليس مال الرعية، كما قال جدكم الأعظم معاوية، وانتم الوحيدون الاوصياء عليه والمتصرفون به، والواهون له، والممسكون عليه، باعتباركم خليفة الله في الارض، وان لم تسموا هذه الصفة صراحة في بعض الاحيان لأغراض الحداثة والمعاصرة الظاهرية، تحاشيا لكيد المعارضة.
وانتم وحدكم ولا احد سواكم يملك الحقيقة، والحقيقة لها باب واحد تخرج منه، هو بابكم، ولسان واحد ينطق بها، هو لسانكم وضوء وحيد يشع منه هو ضوءكم. ولا حقيقة تقال قبل ان تنطقوا بها انتم نطقا ساميا، فتلقفها صحافتكم وتبدأ في تبجيلها وتعظيمها وبيان مواطن الخير والبركة فيها.

ان الدين يا مولاي هو عماد حكمكم، فاحرصوا عليه حرصكم على التاج والسلطان وواظبوا على اداء الصلاة جماعة واحرصوا على حضور المناسبات الدينية والتحدث فيها بلغة الزاهد التقي النقي، الطاهر الورع – – – ومن الحصافة تقريب رجال الدين منكم، فهم رعاياكم الحقيقيون وسندكم الوحيد المخلص لكم، واياكم ان تركنوا الى العلمانيين الليبراليين او الماركسيين منهم، مهما اظهروا من الاخلاص لكم والتفاني في سبيلكم، فهؤلاء لا يلبثوا ان يقلبوا عليكم في اللحظة المناسبة.

اما رجال الدين يا مولاي فيعتبرونكم حامين حمى الدين ومنفذين الشريعة، فانتم خليفة الله وظله على الارض، فتمسكوا بهم وافسحوا لهم صدر مجالسكم واغدقوا عليهم العطايا والهدايا والمطايا – – – كونوا مستبدين كما اراد لكم شيوخ الدين في القرون الماضية وفي هذا الزمان. ودعوا رجال الدين في بلدكم يروجون لهذه الافكار ويحيوها من جديد ويضيفوا عليها كل ما يُستجد ويحبب الناس اليكم.

من الحكمة يا مولاي ان تسامحوا في نقد رجال الحاشية من سلطتكم، ولكن ليس من الحكمة ان تسامحوا اطلاقا في نقد رجال الدين مهما عظمت خطاياهم، وحذروا الصحافة من ذلك وامنعوا منعا باتا كل كتاب يتعرض لهم او لفكرهم او لامتيازاتهم في المجتمع – – وتأكدوا ان كل نقد لرجال الدين – وهم عدتكم وعتادكم – يقصد به نقدكم انتم ونقد سلطانكم والالتفاف عليكم والضرر بكم – – وان وراء هذا النقد فئة من العلمانيين الذين اضاعوا الطريق واضلوا السبيل، يريدون بكم شرا، فلا تمكنوهم واحذروا منهم.

لا تتهاونوا مع المفكرين والكتاب الذين يحاولون النيل من الدين والاتيان بالتأويلات والبحوث لا يرضى عنها شيوخ الدين، وافسحوا الفرصة امام حراس الدين الى القضاء لكي يعاقبوا كل من تجرأ وفعل ذلك ولا تتدخلوا انتم مباشرة في هذه الامور حتى لا تغضبوا شيوخ الدين وتبقوا بعيدين عن حمرة الاسياخ – – – فالتصدي للمثقفين وتشجيع معاقبتهم وملاحقتهم علنا في هذه المرحلة اصبح له دوي اكبر من دوي اعتقال السياسيين – واصبحت الصحافة ومنظمات حقوق الانسان والنقابات والاحزاب تتحمس للمفكرين المعتقلين اكثر مما تتحمس للسياسيين الذين اعتاد الناس اعتقالهم.

كونوا يا مولاي بعيدين عن هذا، بعد ان توعزوا للقضاء بملاحقة هؤلاء والحكم عليهم بما يقوله رجال الدين، واذا حدث وحكم على احدهم بالتكفير وبمصادرة ما كتب فلا شان لكم به ودعوا رجال الدين يتعاركون مع هؤلاء، فهم كفلاءهم.- – اما اذا حدث وحكم على احدهم بالسجن وقامت المعارضة بحشد الشارع بالمظاهرات تطالب باطلاق سراح المعتقلين، فلا تعفوا راسا وانتظروا ما سياتي به الغد – ودعوا وزير الاعلام يوضح للراي العام بان دولتكم دولة مؤسسات وان الحكم الصادر حكم قضائي لا سلطان لكم عليه وانكم تحترمون كلمة القانون والقضاء وانكم على حياد من هذا، وانتظروا حتى يقضي المحكوم نصف مدته مثلا وبعد ان تلح الناس بالرجاء وتشتد في طلب العفو والمغفرة، لكم ان تعفو عنه وتخرجوه من سجنه، سيما اذا كان استاذا في جامعة او مفكرا مرموقا او عالما متفوقا – فتكونوا بذلك قد نلتم الحسنيين معا.

من الحصافة يامولاي استعمال رجال الدين في الانتخابات لصالحكم فهم اكثر الاصوات المسموعة واطول الالسنة المر فوعة واقل الحناجر الممنوعة. – ولكن اياكم ان تغالوا، لانه ربما ينقلب ضدكم ويفقد الثقة برجال الدين وبفتاويهم تلك الثقة التي يجب ان تحرصوا عليها حتى يظل الفقهاء سندكم في المحن والفتن، فعليكم ان تكونوا حريصين في ان لا يذهبوا بعيدا في الحماسة لكم كما فعلوا في تحديد البيعة الرابعة لحسني مبارك الرئيس المصري في العام 1999 حين اصدر الشيخ نصر فريد، مفتي الجمهورية المصرية فتوى شرعية هذا نصها،
( ان المبايعة واجب ديني. وكل من تخلف عن المبايعة او نكص عنها فقد خان نفسه واهله ووطنه ودينه، وكان من المنافقين المفسدين في الارض المفرقين لوحدة الرعاية والجماعة. وان بيعة حسني مبارك هي بيعة الله ورسوله ).

والعجب انه ليس احدا من رجال الدين في مصر او في الوطن العربي احتج على هذه الفتوى السخيفة وقال ببطلانها – ذلك ان لكل رجل دين اميرا يحرص عليه وسياتي يوم يقول فيه ما قاله هذا للمفتي المرذول في انتخاب حسني مبارك الذي اطاح به الشعب المصري الشجاع في ثورته المباركة عام 2011 والذي كشفت الفضائيات العالمية بعد خلعه حسابه الشخصي، الذي قدر بثلاثين مليار دولار. علما بان واحدا من الاسباب التي دفعت بالشعب المصري الى الثورة هو الشحة المزمنة لرغيف الخبز، فتصوروا !
فالعالم الاسلامي – مع الاسف – لا يزال يعج برجال الدين المزيفين، يصدرون الفتاوى العنجوقية، ينطبق عليهم وصف الشاعر القرمطي الذي قال قبل 1200سنة :

لا تغرّنك اللحى والصور * * تسعة اعشار من ترى بقر

تراهم كالسحاب منتشرا * * وليس فيه لطالب مطر

وفي شجر السرو لهم مثل * * له رواء وماله ثمر

* مقتبس من كتاب ( السلطان ) لشاكر النابلسي مع اضافة لكاتب السطور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here