باي سلم موسيقي تعزف امريكا بعلاقتها الغير الواضحة حيال ايران

د.كرار حيدر الموسوي

كان مطروحا امام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران التعامل مع بدائل ثلاثة فإما ان يسير في الضغط على ايران من اجل تعديل الاتفاق النووي الساري بما يضع إجراءات اكثر صرامة ويتيح للمفتشين الدوليين تفتيش كافة المنشئات التي يشك في أنشطتها النووية في أي وقت ترغب , او ان يذهب باتجاه اتفاق نووي جديد لكنه بشكل موسع يشتمل على معالجة أنشطة ايران ونفوذها في المنطقة في حزمة واحدة او ان يذهب باتجاه تصعيدي ينتهي بإطلاق عملية كبرى لتغير النظام في ايران باستخدام وسائل القمع . واذا كان الخيار الأخير مستبعدا فانه يبدوا ان إدارة الرئيس ترامب ذهبت باتجاه ترجيح الخيار الثاني في التعامل مع ايران وملفها النووي, وبكل ما يحمله ذلك من تداعيات تمس توازنات المنطقة وامنها بشكل مباشر .

لقد توضحت ملامح التوجه الأمريكي في التعامل مع ايران من خلال المؤتمر الصحفي الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 21 مايو 2018، والذي تحدث فيه عن الخطوط العامة للتوجهات الأمريكية المقبلة حيال إيران، إذ كشف في هذا المؤتمر النقاب عن وثيقة مبادئ بعيدة المدى تتضمن المطالب الخاصة بأي إتفاق نووي جديد مع إيران، وهدد بفرض عقوبات إقتصادية على طهران إذا لم تغير سلوكها، إذ مثلت وثيقة المبادئ هذ طلبات مكونة من 12 نقطة في خطاب يوم الإثنين في “مؤسسة هيريتيج المحافظة” التي مثلت إستراتيجية إدارة ترامب بعد الإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيراني في وقت سابق من هذا الشهر، ولهذا دلالة واضحة جداً.

حيث أصر بومبيو بأنه يجب على إيران التخلي عن أعمال الأسلحة النووية إلى أجل غير مسمى، وتمكين مفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى المواقع في أي مكان في البلاد، وقال إن طهران يجب عليها أيضاً أن تضع حداً لإنتشار الصواريخ الباليستية، وأن توقف “أنشطتها المزعزعة للإستقرار” في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحذر من أنه إذا لم تغير إيران مسارها، فسوف تفرض الولايات المتحدة ضغوطاً مالية غير مسبوقة، وقال بومبيو “ستكون هذه أقوى عقوبات في التاريخ بحلول الوقت الذي ننجز فيه”، “إن النظام الإيراني يقاتل في جميع أنحاء الشرق الأوسط منذ سنوات، وبعد أن تدخل عقوباتنا حيز التنفيذ الكامل، ستكافح لإبقاء إقتصادها على قيد الحياة”. وبذلك تكون إدارة ترامب لا تستهدف فقط الحد من برنامج ايران النووي فحسب , بل وضع حد لانشطة ايران الأمنية والسياسية في المنطقة .

تجري الدول الأوروبية محادثات مع إيران لمحاولة إنقاذ الاتفاق من التداعي, لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا الجهد يمكن أن ينجح، ففي يوم الأحد قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، إن “الإرادة السياسية للإتحاد الأوروبي لا تكفي للحفاظ على الصفقة”، بحسب وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية.

وعلى الرغم من أن بعض الشركات الأوروبية قالت إنها ستلتزم بمطالب الولايات المتحدة، وتتوقف عن التعامل مع إيران، فقد هدد بعض الزعماء الأوربيين بتدابير مضادة لتعويض آثار العقوبات الأمريكية، من شأن ذلك أن يزيد من صعوبة قيام الولايات المتحدة بتطبيق ضغوط اقتصادية قاسية على إيران.

ففي خطابه، إعترف بومبيو بأن العديد من حلفاء الولايات المتحدة سوف يعانون “صعوبات مالية وإقتصادية”، بسبب العقوبات التي أعيدت فرضها، وقال بومبيو: “نريد أن نسمع مخاوفكم”، “لكن يجب أن تعرفوا أننا سنحاسب من يقومون بأعمال محظورة في إيران.”

إن الحصول على دعم كبير متعدد الأطراف للعقوبات الأمريكية هو مفتاح الضغط الفعلي على إيران، ولكن قد يستغرق بعض الوقت، كما يقول بنهام تاليبلو الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إذ إستغرق الأمر عقداً من الزمن كي يحصل الغرب على خطة العمل المشتركة الشاملة، من المحتمل أن يستغرق الأمر قدراً كبيراً من الوقت للحصول على حل حقيقي للمشكلات الإيرانية الأخرى.

كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن السياسة الأمريكية بشأن إيران ستشجع المحافظين على حساب المعتدلين في طهران، وتزيد من عدم الإستقرار في الشرق الأوسط، وأضاف أن “هذه المجموعة من العقوبات التي تنظم ضد إيران لن تسهل الحوار، بل بالعكس، ستشجع قوة المحافظين في إيران، وهذا يضعف الرئيس حسن روحاني الذي يريد التفاوض”، كما قال “في نهاية المطاف هذا التموضع يمكن أن يعرض المنطقة لخطر أكبر مما تواجهه اليوم”.

وفي ذات الإطار إنتقدت رئيسة السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني الولايات المتحدة، وقالت إن السيد بومبيو قد فشل في إظهار كيف أن إسقاط الإتفاق النووي لعام 2015، سيجعل الشرق الأوسط أكثر أمناً، وقالت “لم يكن هناك بديل” عن الإتفاقية التي تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا الشهر، سوى بالتخلي عنها، وقالت إن الإتحاد الأوروبي سوف يلتزم بها إذا أوفت إيران بالتزاماتها، وعلى الرغم من الموقف الرسمي للإتحاد الأوروبي، فإن بعض أكبر الشركات الأوروبية التي سارعت إلى القيام بأعمال تجارية مع إيران بعد الإتفاق النووي، تجد نفسها الآن مضطرة للإختيار بين الإستثمار هناك، أو التجارة مع الولايات المتحدة.

لم يكن العراق بعيداً عن المؤتمر الصحفي الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي، عندما أشار إلى ضرورة أن تكف إيران عن تدخلاتها السلبية في العراق، فالولايات المتحدة الأمريكية تجد في نفسها المسؤول الأول عن هندسة الواقع السياسي للعراق، وعملية تشكيل الحكومة المقبلة، من خلال صياغة تحالفات إنتخابية بعيدة عن التأثير الإيراني، قد تأتي كإحدى إستراتيجيات تفعيل المبادئ التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي، فالولايات المتحدة وكجزء من إستراتيجية مواجهة شاملة مع إيران، تدرك جيداً خطورة ترك إيران تشكل الحكومة العراقية المقبلة، وعلينا هناك أن نقرء جيداً تصريح المتحدثة بأسم الخارجية الأمريكية هيذر نورث، عندما قالت في وقت سابق بأن الولايات المتحدة سيتحدد موقفها بعد بروز نتائج الإنتخابات، فأمريكا تدرك جيداً أن العراق هو الساحة المركزية والعمق الإستراتيجي لأي مواجهة مستقبلية مع إيران، وبالتالي فإنها ستستخدم نفوذها كل نفوذها من أجل فرض رأيها في عملية إختيار رئيس الوزراء القادم، فإذا كانت إيران قد تنازلت في عام 2014، للولايات المتحدة في موضوع إختيار حيدر العبادي بديلاً عن نوري المالكي، وإستبدال نفوذها السياسي في العراق، بنفوذ أمني يمثله الحشد الشعبي، فإن الولايات المتحدة تبدوا أكثر إدراكاً للواقع العراقي هذه المرة، وتبدوا مصممة على إيجاد شخصية موازنة للنفوذ الإيراني، فإلى جانب الدكتور العبادي تطرح خيارات عديدة ضمن أروقة البيت الأبيض، لإيجاد بديل في حال فشلت الولايات المتحدة في إعطاء الولاية الثانية للسيد حيدر العبادي.

وإلى جانب موضوع تشكيل الحكومة المقبلة، تتنظر الإدارة الأمريكية إستحقاقات أخرى، أهمها مسألة الدور المستقبلي للحشد الشعبي، والعلاقات مع تركيا، مستقبل الوجود الأمريكي، وبما أن إحدى البدائل الرئيسية لفشل الإدارة الأمريكية في إلزام إيران بهذه المبادئ، هو إحتمالية المواجهة مع إيران، فإنه وبكل تأكيد لن يكون العراق بعيداً عن هذه المواجهة، وبالتالي يمكن القول أن أمريكا وإن لم تظهر إلتزاماً كبيراً حتى الآن بموضوع إلتزام إيران من عدمه، إلا أن دورها سيتصاعد مع تصاعد التأثير الإيراني في العراق خلال الفترة المقبلة.

فالنصر الأمريكي في العراق، وذلك من خلال الضغط الدولي على إيران من جهة، وتثبيت شخصية مقربة منها في رئاسة الحكومة المقبلة من جهة اخرى، سيسحب من يد إيران أحد أكثر المفاتيح تأثيراً في المنطقة، وهو ماتدركه إيران بالمقابل، فنجاح الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف دولي ضد إيران، حسب ما أعلنت المتحدثة بأسم الخارجية الأمريكية هيذرت نورث في تصريحات رسمية في واشنطن في 17 مايو 2018، وتضييق العقويات على العديد من الشخصيات السياسية والأمنية العراقية المرتبطة بإيران في العراق، سوف يحيد الدور الإيراني كثيراً، مع التأكيد بأن الولايات المتحدة ستواجه مصاعب كبيرة في الساحة العراقية، بسبب الإرتباطات السياسية والأمنية والإقتصادية التي تتمتع بها إيران في العراق، صحيح أن لا أحد يستطيع عبور الموقف الأمريكي في العراق، لكن يبقى للتأثير الإيراني مزاياه الخاصة.

من خلال متابعة المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية الأمريكي، يمكن ملاحظة نقطة مركزية تمحورت حولها كل المبادئ التي أعلن عنها خلال المؤتمر، وهي أن أغلبها يتعلق بالشرق الأوسط، مايعني أن للأمر علاقة كبيرة بالإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، من حيث إعادة الإنتشار ودور الحلفاء، والحديث هنا عن المملكة العربية السعودية وإسرائيل، فتأكيد وزير الخارجية الأمريكي المستمر على الحوثيين وحماس والجهاد الإسلامي، هو دلالة واضحة على ربط الولايات المتحدة لأمن السعودية وإسرائيل بالأمن القومي الأمريكي.

وجاءت أولى بوادر تفعيل التصريحات التي أدلى بها بومبيو، يوم الأربعاء 22 مايو 2018 من خلال قيام وزارة الخزانة الأمريكية، بفرض عقوبات على خمس قيادات من الحرس الثوري الإيراني على علاقة بالحوثيين، وهم كلا من مهدي أزربيشيه، سيد طهراني، محمود باقري كاظم آباد، جاويد شير أمين، محمد آغا جعفري، وفق ما أوضح موقع وزارة الخزانة الأمريكية.

وبالمجمل يمكن القول بأن كل الظروف أصبحت اليوم مهيأة للحد على المشروع الإيراني في المنطقة، ويمكن القول أيضاً، أن الإصرار الإيراني على التمسك بالاتفاق النووي، هو القشة الأخيرة التي قد تنقذها من الدمار الكبير، وعموما،ً أصبح الوضع الدولي والإقليمي اليوم، مهيأً للمواجهة في المشرق، خاصة بعد التوافق الأمريكي – الإسرائيلي المتصاعد للحرب ضد إيران، والسياسات الخارجية والأمنية النشطة للمملكة العربية السعودية التي أضحت أكثر حماسة لمواجهة إيران، بل إن هذه المواجهة صارت بمثابة عقيدة عسكرية ثابتة في نظر السعودية، خاصة مع إستفادتها من الدعم الأمريكي المتزايد.

كان لتصريح المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل روبرت مانينغ، دلاللاة مهمة في المرحلة القادمة للتعامل مع ايران اذ افاد أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات “للتصدي للتأثير الإيراني الخبيث، وأفعال عدم الإستقرار”، نحن نقوم بتقييم ما إذا كنا سنقوم بمضاعفة الإجراءات الحالية أو تنفيذ إجراءات جديدة، وأضاف “نحن لن نستبعد الخيارات العسكرية”.

فقد كانت عمليات تبادل الضربات الصاروخية الأخيرة بين إيران وإسرائيل داخل سوريا؛ مؤشراً مهماً للغاية – لكنه ليس السبب الرئيسي – على شبح الصراع المسلح الذي بدا يلوح في الأفق على نطاق واسع بالمنطقة، وفي واقع الأمر، وبصرف النظر عن التحركات الأمريكية الأخيرة، فإن التطورات الإقليمية والدولية هي الأخرى أصبحت تضيق جداً بصانع القرار السياسي في إيران، من حيث توقع المفاجاءت، وطبيعة التعاطي الإستراتيجي معها، فهو اليوم محكوم ببيئة إقليمية ودولية يكتنفها عدم اليقين، بيئة تفوق قيمة المخاطر فيها، قيمة المنافع التي يمكن أن تتحصل عليها إيران من هذه الساحة أو تلك.

فمن خلال متابعة وسائل الإعلام الإيرانية ، يتضح لنا حجم اليأس الإيراني من إمكانية نجاح أية مفاوضات مع الأوربيين أو حتى الأمريكان، ولعل هذا ما أشارت إليه بوضوح صحيفة “عصر إيرانيان” المقربة من التيار الإصلاحي، ومثلها الكثير من المقالات والتحليلات التي تنشر في وكالات كيهان وفارس ومهر، بل أن الرأي العام الإيراني هو الآخر بدا يدرك حجم التحديات الحقيقية التي تواجه إيران اليوم، ويتضح ذلك من خلال الإنخفاض المخيف للعملة الإيرانية أمام الدولار، إلى جانب تصاعد موجة الهجرة إلى أوربا عبر تركيا، إذ تشير الكثير من الإحصائيات الرسمية الإيرانية بأن مايقرب 100,000 ألف مواطن إيراني يغادر إيران في السنة، ناهيك عن التحديات الإجتماعية والخدمية الأخرى.

ففي ظل الرفض الإيراني بإدخال أية تعديلات على الإتفاق النووي، والسعي الأمريكي للفوز بإتفاق نووي “أفضل – أكثر أهمية – أوسع”، يجاهد الأوربيين للحفاظ على المكتسبات التي حققوها بعد الرفع الجزئي للعقوبات، وإبعاد شبح الحرب أكبر قدر ممكن، لما لذلك من تداعيات خطيرة على الأمن السياسي والإجتماعي في الداخل الأوربي.

تبدوا اليوم كل الخيارات مطروحة، فما بين إستمرارية الوضع الراهن، أو الذهاب بإتجاه إتفاق نووي جديد، يطرح خيار الحرب نفسه كخيار ثالث او حتى المواجهات على التخوم , وايا تكن الوسائل التي سيتبعها الطرفان لكسر إرادة الطرف الاخر واجباره على الجلوس والتفاوض فان التداعيات الرئيسية ستكون من حصة المناطق الرخوة في المنطقة اليوم وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن باعتبارها ساحة الصراع الرئيسية في كل ذلك .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here