هجوم مزدوج يربك الأوضاع في كركوك: داعش والرايات البيضاء متهمتان بالحادث

بغداد/ وائل نعمة

في كركوك عاد الحديث مجددا عن جماعات مسلحة بديلة لـ”داعش” او تحاول التنسيق مع بقايا التنظيم المتطرف لزعزعة الامن في المدينة متعددة القوميات.

ويكشف أحدث هجوم في جنوب كركوك عن وجود ثغرات امنية واخطاء في الاطواق العسكرية التي تحيط البلدات البعيدة، ما تسبب بتكرار الهجمات.

كما جدد الحادث الاخير الذي استهدف، ليلة السبت الماضية، ملعب كرة قدم قرب قضاء داقوق، جنوب كركوك، الدعوات لاعادة التنسيق مع “البيشمركة” عقب عامين من انسحابهم إلى كردستان.

وتغرق المدينة الغنية بالنفط بمشاكل سياسية منذ قرار رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في تشرين الأول 2017، نشر قوات اتحادية في كركوك، وتكليف شخصية عربية بادارة المحافظة بالوكالة، ما تسبب بمقاطعة أحزاب كردية العمل السياسي هناك.

ومنذ ذلك التاريخ شهدت كركوك ظهور جماعات مسلحة، استغلت تلك الظروف لتطرح نفسها وكأنها وريثة عرش داعش الذي انهار في جنوب وغرب المدينة خلال عمليات التحرير.

وبسبب دخول السياسة على خط تحرير المدينة من المسلحين، نفذت القطعات العسكرية، بحسب مسؤولين هناك، حملات سريعة (شكلية) قبل ان تسيطر على مركز المدينة وفق خطة العبادي حينها.

وبعد 3 اشهر فقط من التحرير عاد المسلحون للظهور في الحويجة الواقعة في جنوب غرب كركوك، وفي قرى وبلدات في جنوب المدينة أيضا. آنذاك ادعت مجموعة مسلحة اطلقت على نفسها “اصحاب الرايات البيضاء” مسؤوليتها عن مهاجمة عدد من القرى.

حينها، كافحت القوات لعدة اشهر للسيطرة على الاوضاع هناك، وانهاء ظاهرة الحواجز الوهمية على الطرق السريعة والتي قتل فيها عشرات المسافرين والعناصر الامنية.

خرق في قاطع الحشد

أمس قالت خلية الاعلام الامني التابعة للحكومة، ان تنظيم داعش قام مساء السبت بعمل إجرامي بعد أن “قام بإطلاق النار بواسطة رمي قذائف RBG7 والأسلحة المتوسطة على ملعب خماسي لكرة القدم في قضاء داقوق قرب مقام الإمام زين العابدين في محافظة كركوك”.

واشارت الخلية الى ان الهجوم حدث ضمن قاطع اللواء السادس عشر في الحشد الشعبي، ما ادى الى “استشهاد ٦ مدنيين وإصابة ٩ آخرين”.

من جهته يقول محمد البياتي، وزير حقوق الانسان السابق وهو من سكنة جنوب كركوك لـ(المدى) امس، ان “الاهالي يشكون في ان تكون اطراف اخرى غير داعش وراء ذلك الهجوم”، مطالبا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بفتح تحقيق في الهجوم.

ويشير البياتي وهو قائد محور الشمال في منظمة بدر، احد تشكيلات الحشد الشعبي، الى ان “الرايات البيضاء” وغيرها من التنظيمات المتطرفة ما زالت نشطة هناك، بحسب شهود عيان من بعض العشائر والمزارعين.

كما يقول البياتي ان المسار المتوقع الذي سلكه المهاجمون جاء من منطقة مختلفة عن التي يعرف بانها تشهد نشاطا لـ”داعش”، كما ان السيارات المستخدمة في الهجوم لا يمكن ان تعبر مكانا وعرا، الا اذا كانت قد سلكت طرقا معبدة، وهي في العادة (تلك الطرق) بعيدة عن مناطق سيطرة التنظيم.

ويقع غرب داقوق، ذات الاغلبية الشيعية، احد الوديان الكبيرة التي كانت قبل سنوات مليئة بالمياه وجفت بعد ذلك، حيث يرجح انها قد تحولت بعد عام 2017 الى ملاذ لفلول “داعش”، بينما وبحسب البياتي، الهجوم هذه المرة جاء من جهة الشرق.

وفي مطلع العام الحالي، كشفت تقارير امنية عن وجود تنظيم متطرف جديد يتحرك بين صلاح الدين وكركوك، يعمل تحت تسمية “حراس الدين”.

ووفق مصادر (المدى) ان ذلك التنظيم بدأ يظهر أولى علامات تواجده في المنطقة “الهشة أمنياً” الواقعة بين طوزخرماتو شمال غرب تكريت، والحويجة جنوب غرب كركوك.

واستطاع “حراس الدين” التواصل مع مسلحي داعش في مناطق حمرين ومكحول، الذين يقدر عددهم بين 1500 إلى 2000 مسلح.

وأشارت المصادر إلى أن العشرات من بقايا داعش، قررت الانشقاق عن التنظيم السابق والانضمام الى “الحراس”، لسبين: الاول هزيمة التنظيم وانتهاء حلم “أرض التمكين” (بمعنى السيطرة على أراضٍ وإقامة دولة الخلافة المزعومة)، والسبب الثاني، هو قلة الدعم المالي والعزلة التي تعيشها فلول داعش.

ويعود مقاتلو “حراس الدين” الى جبهة النصرة في سوريا التي تشكلت نهاية 2011، وقدمت نفسها في 2016 بشكل جديد وهو جبهة فتح الشام، ثم هيئة تحرير الشام (بعد دخولها في ائتلاف مع عدد من المجموعات المسلحة)، معلنة انفصالها عن القاعدة.

وتسبب انفصال الجبهة عن “القاعدة” بغضب المقاتلين الاجانب، الذين أعلنوا في آذار الماضي، ما عرف بـ”حراس الدين” الذي حافظ على ولائه لزعيم القاعدة أيمن الظواهري.

وبحسب خبراء عسكريين، فإن 90% من المخاطر الأمنية في العراق بين عامي 2005 ــ 2011 كانت تأتي من حدود سوريا، ثم تراجعت الى 65% بين عامي 2014-2017.

بصمات داعش

الى ذلك قال ادريس عادل، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني في داقوق، في اتصال هاتفي مع (المدى) امس ان “بصمات واسلوب داعش واضحين في الهجوم الاخير ولا معنى للحديث عن وجود دوافع سياسية وراء الهجوم”.

وكان النائب ارشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية قال ان استهداف قضاء داقوق “سياسي بامتياز” لاحداث تخلخل امني وفرض ارادات سياسية.

واضاف الصالحي في بيان ان ما حصل في الهجوم الاخير “ليس اعتباطيا وانما يهدف لامر معين معروف سلفا”، دون ان يوضح ماهو السبب بالتحديد.

وحصل الهجوم الاخير بعد الساعة العاشرة من مساء السبت، بينما كانت مجموعة شباب في ملعب خماسي الكرة، ما تسبب بمقتل وجرح بعض اللاعبين والجمهور ومن بينهم اطفال، بعد اطلاق صواريخ على المكان اعقبه هجوم بالرمانات والاسلحة المتوسطة، بحسب المسؤولين هناك.

ويقول ادريس عادل ان هناك اخطاء امنية في حماية داقوق، وان فوج حشد التركمان كان قريبا جدا من مكان الهجوم.

وبين القيادي الكردي في داقوق، ان الحادث الاخير هو الـ8 من نوعه الذي جرى في شهر آب الجاري، والذي استهدف مدنيين من قوميات متعددة وعناصر من الشرطة الاتحادية.

بالمقابل لا ينكر القيادي في بدر محمد البياتي “وجود ثغرات في الخطط الموضوعة لحماية داقوق من قيل الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية”، لكنه يقول ايضا ان “الخرق الذي حدث ربما لا يكون من جهة الاتحادية او الحشد وانما قد يكون قادما من المناطق المتاخمة لكردستان”.

وكانت الشرطة الاتحادية وعناصر من الحشد قد حلت في احداث (تشرين الثاني اكتوبر 2017) في مواقع عسكرية بديلا لقوات “البيشمركة”. ويقول ادريس عادل، عضو الاتحاد الكردستاني ان “الحل لأمن كركوك هو بالتنسيق مع البيشمركة باعتبارها احدى منظومات امن الدولة وحافظت على مركز كركوك حين كان داعش يحتل نصف العراق”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here