بعد تعثر تركيا في إدلب وفوضى مشروع شرق الفرات إسرائيل تحاول تعديل موازين الحرب في بلاد الشام

عمر نجيب

تعرف الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف شهر مارس 2011، تطورات جديدة مع اقتراب سنة 2019 من نهايتها، وتحمل تلك التطورات في طياتها أخطار انهيار قدرة أطراف الصراع على منع خروج تلك الحرب عن حدود إطارها الجغرافي الضيق نسبيا.

نجاح الجيش العربي السوري بدعم فعال من جانب الجهاز العسكري الروسي والحلفاء الآخرين وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، في متابعة عملية السيطرة المتواصلة على الأراضي التي تتحكم فيها الفصائل المسلحة المختلفة، وقطع الطريق على مناورات خصوم دمشق لتحقيق مكاسب سياسية وخاصة عن طريق إقامة دولة سورية بديلة في منطقتي إدلب وشرق الفرات، دفعت التحالف الأمريكي التركي الإسرائيلي إلى القيام بمزيد من المحاولات لتبديل معادلات المواجهة العسكرية.

ناورت حكومة تركيا لأشهر طويلة لمنع سيطرة الجيش العربي السوري على منطقة إدلب في شمال غربي سوريا حيث تم حشد أغلب مقاتلي فصائل التنظيمات المسلحة المعادية لدمشق والتي تضم آلاف المسلحين القادمين من أكثر من 80 دولة، وظنت أنقرة أنها بتوقيع اتفاق سوتشي مع موسكو وتهديدها بالتدخل عسكريا وبدعم من واشنطن، سيمكن تحويل جيب إدلب مع منطقة شرق الفرات إلى سوريا الجديدة البديلة التي ستكون حليفة وتابعة لأنقرة وواشنطن وكل الأطراف التي لا تزال تؤمل في نجاح مخطط إسقاط سوريا وتقسيمها إلى دويلات في نطاق مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد، والقاضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية وطائفية ودينية.

تركيا تخسر في إدلب

تمكنت القوات السورية خاصة خلال شهر أغسطس 2019 ورغم التهديدات التركية والأمريكية بالتدخل عسكريا والتحذيرات الفرنسية والبريطانية والاوروبية من السيطرة على جزء كبير من جيب إدلب واختراق خطوط التنظيمات المسلحة رغم حصول هذه الأخيرة وفقط في الفترة الواقعة بين بداية شهر يناير 2019 وحتى نهاية شهر مايو 2019 على أسلحة حديثة تفوق قيمتها 1200 مليون دولار تضمنت صواريخ مضادة للدبابات وللطائرات وأجهزة تشويش. ومع نهاية الشهر الثامن من سنة 2019 أصبح الجيش السوري على وشك السيطرة على ما تبقى من إدلب فيما غدى جزء من القوات التركية الموجودة في المنطقة محاصرا، وليس أمام أنقرة من خيار سوى الانسحاب أو الدخول في صراع مسلح مفتوح مع الجيش السوري المدعوم من طرف موسكو.

يوم الأربعاء 21 أغسطس 2019 قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن جميع نقاط المراقبة التركية في سوريا التي أقيمت بموجب اتفاق مع روسيا وإيران ستظل قائمة، وإن أنقرة ستواصل تقديم الدعم لها، مضيفا “أبلغنا الجانب الروسي استياءنا من الهجمات على إدلب”.

وأوضح قالن للصحفيين بعد اجتماع وزاري أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيجري اتصالات هاتفية مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في الأيام المقبلة لبحث التطورات في سوريا.

وأضاف أن جدولا تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة المزمعة إلى الشرق من نهر الفرات في سوريا سينفذ تدريجيا في الأسابيع المقبلة، وأن القوات التركية والأمريكية ستبدأ دوريات مشتركة في المنطقة “قريبا”.

في موسكو قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير شامانوف إن الخطوات الأخيرة التي قامت بها تركيا في منطقة إدلب تتعارض مع اتفاق سوتشي بين البلدين، مضيفا أن هناك اختلافاً في وجهات النظر مع أنقرة في هذا الشأن، وأن موسكو حذرت الجانب التركي مراراً من أن هذا الاختلاف سيؤدي عاجلاً أو آجلا إلى “تناقضات حقيقية”.

واعتبر المسؤول الروسي أنه لا يمكن تجاهل موقف الجانب السوري الذي تشمل سيادته منطقة إدلب أيضاً، وهو ما أدى إلى توجيه ضربة للقوات التركية مؤخرا.

وأضاف شامانوف أن هناك شروطاً مواتية للعمل المشترك في إدلب يجب التحرك في إطارها بدلا من “التعنت”. كما عبر عن عدم رغبة بلاده في تكرار مثل هذه الحوادث.

في باريس حيث اجتمع مع نظيره الفرنسي صرح الرئيس الروسي بوتين إن روسيا تدعم عمليات الجيش السوري في إدلب “لوضع حد للتهديدات الإرهابية”. مضيفا “لم نقل أبدا إن الإرهابيين في إدلب سيشعرون بالراحة”.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واضحا في هذا الأمر حيث صرح قبل أسابيع، أن روسيا والجيش السوري لن يتركا دون رد تصرفات الإرهابيين في إدلب، وسيتم حسم الوضع دون أي تنازلات للإرهابيين.

وتعرض رتل عسكري تركي كان متوجها إلى إحدى نقاط المراقبة قرب بلدة خان شيخون في محافظة إدلب يوم الاثنين 20 لقصف من جانب الطيران السوري مما أجبره على التراجع وإفشال جهوده لوقف سيطرت الجيش السوري على مدينة خان شيخون.

بعد خان شيخون

جاء في تقرير نشر في بيروت خلال الثلث الأخير من شهر أغسطس: المحاولة التركية لإنقاذ “جيش العزة” وفصائل الجبهة الشامية وفيلق الرحمن، وصفها الرئيس السوري بشار الأسد في لقائه وفداً روسياً بأنها تكشف لبعض المخدوعين الحماية التركية للجماعات الارهابية في سوريا. فالمعارك التي يخوضها الجيش السوري تنجح في السيطرة على خان شيخون وانسحاب الجماعات المسلّحة من المدينة وهو ما يمهد الطريق لتحرير كل الأراضي السورية.

السيطرة على خان شيخون وضعت “جيش العزة” المدعوم من أمريكا بين فكي كماشة وأدت إلى استعادة السيطرة على الطرق الدولية بين حلب ودمشق وتطهير ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وهو ما يوجه صفعة استراتيجية لوجود تركيا في إدلب والشمال السوري لا تزال تسعى في المباحثات مع روسيا التخفيف من تداعياتها.

المراهنة التركية على استغلال نقطة المراقبة في “مورك” لتوفير الدعم والحماية للجماعات المسلحة، ذهبت بأنقرة إلى الدفع بحوالي 50 مركبة حربية بينها 5 دبابات بدعوى حماية الجنود الاتراك في “مورك” والدفاع عن الجماعات المسلحة التي تشاركها “عملية درع الفرات” في الشمال السوري. ولم يأبه الجيش السوري لتحذير وزير الخارجية التركي مولولود جاويش أوغلو “من اللعب بالنار”، فلا تزال نقطة المراقبة في “مورك” محاصرة وسقطت خان شيخون بعد تشتت الجماعات المسلحة وتبادل تحميل المسؤولية بين هيئة تحرير الشام من جهة وبين الجماعات الأخرى الأكثر التصاقاً بتركيا.

ما تتذرع به تركيا كمخلب قط لوجودها في نقاط المراقبة 12 بناء على اتفاقيات “سوتشي” هو موضع الشك والتسويف الذي توجهه موسكو إلى أنقرة. فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يعبر عن الوجهة الروسية في دعم الجيش السوري في معارك إدلب بقوله، كنا نأمل مساعدة تركيا في خفض التصعيد وضبط الجماعات الارهابية ومنعها من تهديد المدنيين لكن هذا الأمر لم يحصل ولا يبدو أن

تركيا قادرة بمفردها على خفض التصعيد ما يستدعي البحث عن وسائل ملائمة في إشارة ربما إلى القمة الرئاسية المرتقبة في 11 سبتمبر بين الدول الضامنة لاتفاقيات خفض التصعيد.

ما يرشح عن المباحثات بين وفدي موسكو وأنقرة بشأن تداعيات تحرير خان شيخون، هو إصرار تركيا على العودة إلى ما قبل عمليات الجيش السوري في معارك إدلب، كما تطلب الناطقة باسم الخارجية الامريكية “للمحافظة على المدنيين ومنع تقدم جيش الأسد”. فالوفد التركي يطلب على ما يبدو استمرار نقطة “مورك” وإضافة نقطتين جديدتين في شمالي خان شيخون وغربها. ويطلب فتح طريق إمداد إلى “مورك” من جهة الطريق الدولي الذي يمر من خان شيخون وتل النمر مقابل أن تتعهد تركيا بفتح طريق دمشق حلب الدولي والاتفاق مع موسكو على آليات السيطرة عليها.

الوفد الروسي يتناول بحسب بعض الكواليس “ملامح جديدة لخريطة منطقة خفض التصعيد في إدلب على خلفية التطورات الميدانية الأخيرة” من دون توتير الأجواء مع تركيا لكن من دون اطمئنانها أيضاً إلى حماية ودعم الجماعات الارهابية إلى ما لا نهاية وتأجيل تفكيك هيئة تحرير الشام و والمجموعات “القاعدية” في مرتفعات كباني فضلا عن المجموعات المدعومة من الدول الغربية.

لعل المأزق التركي في فشل المراهنة على حماية هذه الجماعات والتذرع بخفض التصعيد، هو ما يشير إليه رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كجيدار أوغلو الذي يدعو اردوغان إلى الاعتراف بفشل سياسته الخارجية وإعادة العلاقات مع سوريا والتعاون مع الرئيس بشار الأسد، بحسب أوراق التحضير لمؤتمر موسع “لمناقشة الأزمة السورية” في القريب المنظور.

تركيا العدو أم الصديق

تحت عنوان تركيا تعمل ضد مصالح روسيا في سوريا، كتب المحلل الروسي يا. فياتكين، في “فوينيه أوبزرينيه”، حول صعوبة التوفيق بين المصالح التركية والروسية في سوريا وضرورة ذلك.

وجاء في المقال: يستكمل الجيش السوري، بدعم من الطيران والمدفعية الروسية، عملية تطهير الجزء الشمالي من محافظة حماة وجنوبي محافظة إدلب.

فيما يتعلق بتحركات تركيا، في يوم 19 من أغسطس، عندما قطعت القوات السورية الطريق ام 5، ظهرت العديد من المواد في وسائل الإعلام لدينا، من نمط: “ها هي نهاية الصداقة مع تركيا قد أزفت”، “تركيا تعمل ضد مصالح روسيا في سوريا”. بما معناه أننا نحسن علاقاتنا مع الأتراك، ونبيعهم صواريخ أس 400، وسوف نبيعهم طائرات اس يو 35، بينما هم يفعلون ذلك بنا! دعونا ندقق الأمر.

للأتراك دوافعهم الخاصة في حفلة إدلب. يرغب الأتراك في الحصول على بعض الحقوق في محميتهم السابقة أو الحالية، في الدستور السوري الفدرالي القادم. إنهم يحتاجون إلى نفوذ هناك، وإلى المشاركة في إعادة الإعمار بعد الحرب. بشكل عام، يريدون جني المكاسب. ومع ذلك، فإن الأتراك لن يغامروا بمشاريعهم الأهم مع روسيا، مثل خطوط الأنابيب ومحطات الطاقة النووية وشراء أنظمة الدفاع الجوي والمقاتلات، وكثير غيرها.

روسيا، بشكل عام، تتفهم هذه الأسباب، ولكن من مصلحتنا تقليل هذا التأثير المستقبلي إلى حده الأدنى. بالمناسبة، على الرغم من تحالفنا مع إيران في سوريا، فمن الواضح أننا لا نريد أن يعادل نفوذ إيران هناك بعد الحرب نفوذنا.

حقيقة أننا نعزز علاقاتنا مع الأتراك، لا تعني أننا نثق بهم تماما. في الشرق، يقولون إن بإمكانك الوثوق بالتركي طالما خنجرك قرب حلقه. حقيقة أن تركيا لها مصالحها الخاصة في سوريا وأنها لا تتوافق دائما مع مصالحنا، ليست سببا للخلاف مع تركيا وعدم التعاون المنتظم معها في جوانب أخرى. إلى ذلك، فلعبتنا مع تركيا محسوبة لفترة طويلة، وأحد خياراتها الممكنة إبعاد هذا البلد عن الناتو. والآن، لا يبدو ذلك خياليا كما كان قبل بضع سنوات…

على شفا نزاع شامل

في موسكو وتقريبا في وقت مواز للهجمات الإسرائيلية على مواقع قرب دمشق وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت حيث مراكز حزب الله اللبناني تناولت التقارير الروسية فرضيات الانتقال إلى نزاع شامل.

موقع فوينيه أوبزرينيه نشر تحليلا كتبه يفغيني دامانتسيف جاء فيه: موسكو تتحقق من قدرة “إدلب الكبرى” على الصمود عسكريا وسياسيا، وتعقيدات موقف موسكو من اللعبة التركية ومطامع أنقرة في سوريا.

تميز الأسبوع الثالث من أغسطس 2019 بعدد من الأحداث التكتيكية العملية الهامة والمثيرة للقلق، في ما يسمى بـ”منطقة خفض التصعيد في إدلب”. فبعد ثلاثة أسابيع فقط من تكلل العقد الذي بلغت قيمته 2.5 مليار دولار بالنجاح، بين وزارة الدفاع التركية وروس أوبورون اكسبورت لتوريد أربع كتائب صاروخية مضادة للطائرات اس 400، زادت قوات “هيئة تحرير الشام” وميليشيات “حزب تركستان الإسلامي” و”تحرير سوريا” الخاضعة لهيئة الأركان العامة التركية من حدة الهجمات المدفعية على تحصينات الجيش السوري وقواته الصديقة.

بناء على ذلك، يمكن الوصول إلى رأي راسخ بأن الرئيس أردوغان وكبار مسؤولي الدفاع الذين يشرف عليهم، بعد حصولهم على اس 400 المطلوب، ما عادوا يخشون تعطيل الصفقة، فقرروا مواصلة استخدام الأدوات العسكرية والسياسية القاسية لضمان استمرارهم في السيطرة على المحافظات الشمالية الغربية من سوريا.

إن نجاح عملية طرد القوات العسكرية التركية من كامل أراضي “إدلب الكبرى” يعتمد على استعداد موسكو للتخلي عن أولوية البعد التجاري للتعاون الروسي التركي.

وهكذا، فمساء الـ 19 من أغسطس 2019، وفقا لخريطة التتبع بالقمار الصناعية، تقدمت إلى الحدود في منطقة ريحانلي، على الحدود مع “إدلب الكبرى”، تحت إشراف طائرات استطلاع بلا طيار وغطاء من مقاتلات أف 16، وحدات مدرعة تركية إضافية معززة بالدبابات وناقلات الجنود المدرعة، وغيرها من المعدات، بالتزامن مع تحرك مجموعات الجيش السوري الحر من عفرين تحت جنح الظلام. وبالتالي، فعلى الرغم مما قيل عن رحيل القوات التركية من مركز المراقبة التاسع على خلفية تطهير خان شيخون، ستبدأ المرحلة الحادة من المواجهة للسيطرة على بقية إدلب الكبرى في المستقبل المنظور. هنا، سيعتمد كل شيء على استعداد موسكو للتحرك على الرغم من العقود “الضخمة” لبيع تركيا عشرات طائرات اس يو 35 وأنواع أخرى من الأسلحة الواعدة.

الجيش السوري يعيد رسم الحدود

في موسكو كذلك كتبت ماريانا بيلينكايا في “كوميرسانت”، حول عملية الجيش السوري لاستعادة السيطرة على مناطق استراتيجية في إدلب، وفتح طريق حلب اللاذقية وحلب حماه.

سيطر الجيش السوري على مدينة خان شيخون ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تقع داخل منطقة خفض التصعيد بإدلب، وفصل أحد الحواجز التركية ووضع آخر تحت مرمى نيرانه. وصف الكرملين السيطرة على المدينة بـ “نصر موضعي على الإرهاب”.

نتيجة للعملية العسكرية التي استمرت ثلاثة أسابيع، غير الجيش السوري بشكل كبير حدود منطقة خفض التصعيد، التي تم الاتفاق عليها قبل عدة سنوات في إطار صيغة أستانا، بين روسيا وتركيا وإيران.

لولا المحاولة التي بذلتها أنقرة في الدقائق الأخيرة لدعم المعارضة المسلحة في إدلب، لأمكن القول إنها تعاطت بضبط نفس مع ما كان يحدث في منطقة خفض التصعيد.

وفي الغرب جاءت الاستجابة لانتصارات الجيش السوري منضبطة، رغم أن الأمم المتحدة والعديد من السياسيين الغربيين انتقدوا بشدة، في يوليو 2019، القصف الروسي في إدلب.

في الأيام الأخيرة، ناقش السياسيون والعسكريون الروس الوضع في سوريا مرارا مع نظرائهم الأوروبيين والأمريكيين. وذلك ما جعل الإعلام العربي يتحدث عن اتفاقيات محتملة بين روسيا وتركيا.

ووفقا لصحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من السلطات السورية، تفاوضت موسكو وأنقرة على إمكانية تراجع القوات الموالية للحكومة باتجاه بلدة الحبيط، الواقعة على بعد حوالي 10 كم غرب خان شيخون، في مقابل ضمان أنقرة حرية الحركة على الطريق السريع ام 5 بين مدينتي حماة وحلب. وفقا لاتفاقات سوتشي، كان ينبغي السيطرة على الطريق الذي يمر عبر إدلب منذ الشتاء وفتحه.

إلا أن الجيش السوري لا ينوي وقف الهجوم. وكما أوضح مراسل “الأخبار”، فراس الشوفي، لـ “كوميرسانت”، فهناك اعتقاد واسع الانتشار بين كبار المسؤولين العسكريين السوريين بأن موسكو توافق على الهجوم، على الأقل فيما يتعلق بالأراضي المشمولة باتفاق سوتشي.

في الصدد، قال خبير المجلس الروسي للشؤون الخارجية، كيريل سيمونوف: “بدا وكأن موسكو وأنقرة اتفقتا. لكن نقل قوات الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا إلى إدلب يدل على عكس ذلك”. ولفت الانتباه إلى أن هذا الجيش لم يشارك، منذ العام 2016 إلى مايو من هذا العام، في معارك ضد القوات الجيش السوري.

ووفقا للباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الشرق أوسطية “أورسام” في أنقرة، أويتون أورهان، فإن الهدف الرئيس للقوات التركية في خان شيخون هو منع الجيش السوري من محاصرة مواقع المراقبة التركية. وقال: ” يحاول الأتراك إقناع الروس بالتأثير في دمشق كي توقف الهجوم. وإذا لم ينجح ذلك، فيمكن لتركيا الإعلان عن انتهاك اتفاق سوتشي بذنب موسكو”. وأكد أورهان أن لدى روسيا سببا لعدم الرضا عن تركيا، فأنقرة لم تتمكن من إخراج هيئة تحرير الشام من إدلب.

بموازاة مع إنتكاسة أنقرة في إدلب كشفت صحيفة جمهوريت التركية المعارضة إن خمسة جنرالات من الجيش التركي قدموا استقالاتهم عقب اجتماع للمجلس العسكري الأعلى.

وذكر تقرير الصحيفة أن الاستقالات التي شملت قائدا برتبة ميجر جنرال وأربعة برتبة بريغادير جنرال قدمت ردا على قرارات المجلس التي وصفها ضباط متقاعدون بأنها محاولة لتقليص حجم الجيش. وقالت الصحيفة إن اثنين من الجنرالات الخمسة مسؤولان عن منطقة إدلب السورية.

تخطيط طويل

يوم الثلاثاء 27 أغسطس 2019 صرح الخبير العسكري الروسي، أليكسي ليونكوف، أن انتقال مشكلة إدلب من حالة الجمود إلى المرحلة الساخنة تم التخطيط له من فترة طويلة. فالمشكلة الأساسية، في عدم قدرة تركيا على السيطرة على مجموعات المعارضة المسلحة والإرهابيين. ويترتب على ذلك أن أنقرة لم تف بالتزاماتها، وبالتالي، هناك عجز عن تنفيذ اتفاق سوتشي. وطالما الأمر كذلك، فلا يبقى سوى الحل العسكري.

إن التشكيلات المتحالفة مع الأتراك تؤذي أنقرة في الواقع. إنها تعرض العسكريين الأتراك للهجوم، باستفزازها السوريين بالنار في مناطق محددة حيث توجد مراكز مراقبة تركية وما إلى ذلك.

ووفقا لليونكوف، لم تعد إدلب مشروعا جيوسياسيا شديد الضرورة، بالنسبة لتركيا. فبعد إقامة علاقات وثيقة مع روسيا، حصل أردوغان على العديد من الفوائد العملية. على سبيل المثال، لديه الآن تحت تصرفه أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات إس-400. بالإضافة إلى ذلك، ترحب موسكو بمشاركة تركيا في مشاريع بريكس الاقتصادية، وهذا يفتح فرصا أمام الاقتصاد التركي المهزوز في الفترة الأخيرة. ويمكن اعتبار “السيل التركي” ومحطة “أكويو” للطاقة النووية بمثابة حبة الكرز على الكعكة. كل هذا، يشير إلى أن المواجهة بين روسيا وتركيا في إدلب لن تقع، على الأرجح.

معركة الطريق الدولي

الخبير العسكري السوري أحمد رحال صرح، إن “الزحف الروسي لن يتوقف، والطائرات الروسية بدأت تمهد الطريق باتجاه معرة النعمان، مما يعني أن الحكومة السورية تفكر في إحكام السيطرة على طريق دمشق-حلب الدولي”، مؤكدا أن المعركة في الأساس تتركز على السيطرة على هذا الطريق.

ورجح أن يكون انحسار المعارك في مدينة خان شيخون وإدلب عموما في الأيام الأخيرة مؤقتا، في ضوء ما رشح من اللقاء الذي جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتن قرب موسكو يوم الثلاثاء، حيث بحث الرجلان تداعيات المعارك في إدلب على مدار الأشهر الأربعة الماضية.

وتساءل رحال عن جدوى نقاط المراقبة التركية المنتشرة في شمال وشرقي سوريا “طالما أنها محاصرة”، مؤكدا أنها في الأساس نقاط “لمنع الخروقات” في منطقة خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها بين موسكو وأنقرة، “لكن الخروقات لم تتوقف”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “مهمة هذه النقاط لا تزال مبهمة”.

وانتقد الخبير العسكري السوري ما سماه “التأرجح التركي بين الروس والأمريكيين”، مؤكدا أن “تركيا تقبل بالحدود الدنيا وأقل الشروط، لأنها غير مدعومة لا من الولايات المتحدة ولا روسيا”، قائلا إن ذلك “يضعف موقف أنقرة”.

وبينما انطلقت القوات السورية الحكومية البرية في معركتها للسيطرة على خان شيخون من منطقة محردة في حماة، تكفل الطيران الروسي بتغطية الهجوم جويا من قاعدة حميميم العسكرية، والقوات الجوية السورية من مطار التيفور في حمص، بالإضافة إلى قوات روسية على الأرض تصاحبها ميليشيات من حزب الله اللبناني.

وقال الكاتب والباحث السياسي سامر خليوي، إن “قوات النمر”، التي يقودها الضابط في الجيش السوري سهيل الحسن، المدعومة من روسيا، هي من قادت عملية السيطرة على خان شيخون، مشيرا إلى أن روسيا تعتمد خلال المعركة اتباع سياسية “الأرض المحروقة” وكسب المزيد من المساحات في مناطق خفض التصعيد.

وأكد أن هدف روسيا منذ مايو الماضي كان السيطرة على المدن كافة في مناطق خفض التصعيد من أجل فتح طريقي دمشق حلب واللاذقية حلب، متوقعا عدم توقف المعركة حتى يصل الروس إلى مناطق جسر الشغور وسراقب ومعرة النعمان في ريف إدلب حيث تتمركز فصائل معارضة ومتشددة.

مجرد بداية

وذكر خليوي إن “تركيا فضلت عدم الزج بالفصائل السورية المدعمة من أنقرة في معركة خان شيخون تحضيرا لمعركة شرق الفرات التي هدد بإطلاقها الرئيس التركي” مؤخرا، من أجل إبعاد القوات الكردية عن الحدود الجنوبية من بلاده، وذلك على خلاف تصريحات الناطق باسم “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة وأشار فيها إلى أن “جبهة النصرة” هي من رفضت مشاركتهم في المعارك.

وشارك “الجيش الوطني”، الذي يعد أفراد الجيش الحر سابقا قوامه الأساسي وتشير تقديرات إلى أن عدد أفراده 70 ألف شخص، في معارك حملت اسم “درع الفرات” في أغسطس 2016 و”غصن الزيتون” في يناير 2018، التي أطلقتها أنقرة تحت ذريعة محاربة “داعش، لكنها كانت في حقيقتها تهدف إلى طرد القوات الكردية من مناطق حدودها الجنوبية.

وعلى ما يبدو، فإن معركة خان شيخون كانت مجرد بداية للقضاء على ما تبقى من فصائل معارضة موجودة في بعض مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها في مايو 2017، إلا أنها لم تشهد خفضا حقيقيا للمعارك طيلة هذه الفترة، ويتوقع مراقبون أن تبقى مضطربة ومفتوحة على جميع الاحتمالات.

تفاهم سياسي

الأستاذ في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ميخائيل روشين، صرح لـ”سفوبودنايا بريسا”:

يعد هجوم الجيش السوري في منطقة خان شيخون حلقة مهمة في تحرير محافظة إدلب، لكن لا ينبغي إعطاءه أكثر من حجمه. من المعروف أن المقاتلين المحاصرين غادروا خان شيخون، على الأرجح تحت غطاء الجيش التركي. في هذا السياق، من الواضح أنه سيكون من المستحيل عملياً التقدم في حل مشكلة إدلب من دون مفاوضات بين فلاديمير بوتين ورجب أردوغان،..

إن محاولات الجيش السوري لاكتساب موطئ قدم في إدلب تظهر الذاتية المتزايدة للحكومة السورية، بما في ذلك على المستوى الدولي، وسوف يتعين على جميع البلدان المتورطة في النزاع المسلح في البلاد أن تأخذ ذلك في عين الاعتبار.

من المؤسف أنهم ما زالوا يعرقلون اللقاءات والمفاوضات حول التسوية السياسية في سوريا. كان يمكن للقاء بوتين مع أردوغان أن يكسب البحث في هذا المنحى زخماً إيجابياً جديداً، فضلاً عن المساعدة في حل المسائل الإشكالية مع تركيا والانسحاب التدريجي للجيش التركي من المناطق الحدودية في سوريا، بدعم من روسيا، طبعا.

دور مباشر لإسرائيل

في الغرب المناصر لسياسة واشنطن يرى المراقبون أن تعثر تكتيكات أنقرة دفع التحالف المناهض لدمشق إلى نقل جزء من ثقل المواجهة إلى إسرائيل على أمل أن يقود ذلك إلى تصعيد على الجبهة الجنوبية لسوريا وشغل الجيش السوري وحلفائه بمواجهة جديدة يقوم فيها الأسطول الأمريكي السادس في البحر الأبيض المتوسط بدور حماية إسرائيل خاصة إذا تعرضت لهجمات من جانب حزب الله اللبناني المصنف إرهابيا من طرف واشنطن.

يوم الاثنين 26 أغسطس وبعد أقل من 48 ساعة على الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على مناطق قرب العاصمة السورية وضربات بطائرات مسيرة على أهداف في الضاحية الجنوبية لبيروت، قالت قناة النهار اللبنانية إن إسرائيل شنت غارات جوية على منطقة حدود لبنان مع سوريا في ساعة مبكرة من صباح الاثنين.

وأضافت أن ثلاث غارات جوية إسرائيلية استهدفت الحدود اللبنانية السورية شرقي زحلة وأنه سمع دوي انفجارات في عدة مناطق من سهل البقاع.

وكانت إسرائيل قد ذكرت يوم السبت 24 أغسطس إنها وجهت ضربة جوية ضد ذراع للحرس الثوري الإيراني في سوريا تتهمها بالتخطيط ”لهجمات بطائرات مسيرة هجومية“ وأشارت تل أبيب أن الضربة تظهر لطهران أن قواتها معرضة للاستهداف في أي مكان.

غير أن وكالة العمال الإيرانية شبه الرسمية أفادت أن قائدا كبيرا بالحرس الثوري نفى يوم الأحد إصابة أهداف إيرانية في ضربات جوية إسرائيلية بسوريا في ساعة متأخرة من مساء السبت، وقال ”مراكزنا الاستشارية لم تصب بضرر“.

وكان الجيش الإسرائيلي قد ذكر في بيان له إن طائراته ”استهدفت قوة فيلق القدس وميليشيات موالية كانت تخطط لشن هجمات تستهدف مواقع في إسرائيل انطلاقا من داخل سوريا خلال الأيام الأخيرة“. وفيلق القدس هو الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.

وذكر اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، وهو أحد المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، للصحفيين إن هذه القوات كانت تعد يوم الخميس لإطلاق ”عدد من الطائرات المسيرة الهجومية“ في توقيت متزامن على شمال إسرائيل وإن كل طائرة منها كانت ستحمل متفجرات تزن عدة كيلوغرامات، لكن إسرائيل أجهضت هذه الخطة.

ولم يكشف المتحدث عن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في ذلك اليوم، لكنه وصف ”الطائرات المسيرة الهجومية“ بأنها شديدة الدقة.

وذكر رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو متحدثا على الجبهة السورية يوم الأحد ”أي بلد يسمح باستخدام أراضيه لشن هجمات على إسرائيل سيتحمل العواقب وأكرر البلد سيواجه العواقب“.

وزارة الخارجية الأمريكية ذكرت إن الوزير مايك بومبيو عبر في اتصال هاتفي مع نتنياهو عن دعم واشنطن لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات التي يمثلها الحرس الثوري الإيراني.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة مورغان أورتاغوس في بيان ”ناقش وزير الخارجية ورئيس الوزراء كيف تستغل إيران وجودها في سوريا لتهديد إسرائيل وجيرانها“.

المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي تدعمه الأجهزة البريطانية ذكر إن عضوين في حزب الله اللبنانية وإيرانيا قتلوا في الضربات.

من جانبه ذكر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن لبنانيين قتلا في الهجوم الذي استهدف مواقع للحزب في سوريا.

وسائل الإعلام الرسمية السورية أفادت إن الدفاعات الجوية تصدت ”لأهداف معادية“ في دمشق ليلة السبت. وأكد شهود في دمشق إنهم سمعوا دوي انفجارات وشاهدوا أثرها في السماء.

وأفاد الجيش السوري في بيان ”تم تدمير أغلبية الصواريخ الإسرائيلية المعادية قبل الوصول إلى أهدافها“.

ولم تعلق إسرائيل على ما قاله الجيش اللبناني وحزب الله عن سقوط طائرتين مسيرتين إسرائيليتين في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تهيمن عليها الجماعة في ساعة مبكرة من صباح الاحد. وأفاد مسؤولون من حزب الله إن إحدى الطائرتين كانت محملة بالمتفجرات وسبب انفجارها بعض الأضرار بالمركز الإعلامي للجماعة. وهدد نصر الله بالرد.

نصر الله زعيم حزب الله صرح يوم الأحد إن حزبه سيفعل كل ما بوسعه لمنع إسرائيل من إرسال مزيد من الطائرات المسيرة إلى بيروت ولن يسمح لإسرائيل بقصف لبنان بعد الآن، مطالبا بـ”موقف وطني موحد لمواجهة العدوان الإسرائيلي”، وأشار إلى أن حزبه سيدافع عن الحدود والأجواء اللبنانية، مضيفًا “نحن أمام مرحلة جديدة وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته”.

وتعرض حسن نصر الله في كلمته للهجمات الإسرائيلية على مقرات الحشد الشعبي في العراق، مؤكدا أنه “لن يسمح بتكرار سيناريو استهداف مقرات الحشد الشعبي مهما كلف الثمن”، مؤكدا أن الرد على القصف الإسرائيلي على مقر حزب الله في سوريا في لبنان وليس مزارع شبعا.

يوم الثلاثاء 27 أغسطس نقلت وكالة أنباء رويترز عن مصدرين متحالفين مع حزب الله إن الحزب يجهز ”لضربة مدروسة“ ضد إسرائيل، لكنه يهدف إلى تجنب نشوب حرب جديدة.

وقال أحد المصدرين ”يتم الترتيب الآن لرد فعل مدروس بحيث لا يؤدي ذلك إلى حرب لا يريدها حزب الله ولا إسرائيل“.

وأضاف ”التوجه الآن لضربة مدروسة. ولكن كيف تتدحرج الأمور هذا موضوع ثان, فالحروب لا تكون دائما نتيجة قرارات منطقية.

وكان نتنياهو قد لمح يوم الخميس إلى احتمال ضلوع إسرائيل في سلسلة من الهجمات خلال الأسابيع الماضية والتي استهدفت مخازن أسلحة وقواعد لفصائل عراقية مسلحة كثير منها مدعوم من طرف إيران.

وقال الحشد الشعبي، وهو مظلة لجماعات مسلحة عراقية، يوم الأربعاء إن الولايات المتحدة سمحت لأربع طائرات إسرائيلية مسيرة بدخول المنطقة مع قوات أمريكية وتنفيذ مهام على أراض عراقية.

ونفى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ذلك، كما نفته وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”.

وذكر رون بن يشاي معلق الشؤون العسكرية على موقع “واي نت” الإخباري الإسرائيلي إن خطط إيران لإرسال ”طائرات مسيرة هجومية“ كانت ردا من طهران على الضربات المزعومة للطائرات الإسرائيلية المسيرة في العراق، مضيفا أن العدوين يستخدمان الأسلحة ذاتها.

تغيير في قواعد المواجهة

تشير مصادر رصد في باريس وبرلين أن تل أبيب في نطاق تبرير حملاتها العسكرية ضد سوريا وبدعم من أجهزة واشنطن، تتخفى تحت ستار ما تسميه الوجود العسكري الإيراني أو الأسلحة التي يتزود بها حزب الله اللبناني، وذلك سعيا إلى ابعاد الاتهام لها بدعم جهود اسقاط سوريا وتقسيمها إلى دويلات. الحقيقة أنه منذ بداية الحرب شبه الدولية في بلاد الشام كانت إسرائيل إلى جانب تركيا والولايات المتحدة وبعض الحكومات العربية في مقدمة داعمي الجماعات المسلحة التي حاولت تدمير البلاد وتمزيقها. وحاليا وبعد زهاء ثمان سنوات من الحرب تواصل تل أبيب وبدعم من وسائل اعلام غربية كثيرة تكرار نفس المقولة في حين أن الهدف الحقيقي هو اضعاف الجيش السوري ومنعه من تحقيق الانتصار الكامل.

على أي حال وفي نفس نطاق الدعاية الصهيونية وتداخلاتها السياسية، اعتبر محللون إسرائيليون، أن اعتراف إسرائيل الفوري بمسؤوليتها عن الغارات على سوريا ولبنان، تغيير جوهري في سياسة مواجهة ما تسميه “التموضع الإيراني في سوريا”، وأنهى حالة الغموض التي كانت تتبعها إسرائيل في حملتها العسكرية في سوريا.

وقد انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لإعلانه إحباط الجيش الإسرائيلي لهجوم إيراني من الأراضي السورية.

وقال باراك إن “هذه الأحاديث مبنية على المصالح السياسية ولا علاقة لها بالردع”، في إشارة للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في 17 سبتمبر المقبل، حيث يرغب في كسب ود الناخب الإسرائيلي بكافة السبل على حد تعبير باراك.

وأفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بأنه سيفكر في الانضمام إلى ائتلاف سياسي مع قائمة حزب “أزرق أبيض” والقائمة العربية المشتركة، مؤكدا أنه لا خطأ في ذلك.

إلى ذلك، انتقد وزيرا دفاع إسرائيل السابقان، أفيغدور ليبرمان وموشيه يعلون، إعلان حكومة نتنياهو عن الغارات الأخيرة على سوريا، معتبرين أن ذلك جاء لتحقيق مكاسب سياسية قبيل الانتخابات.

ووصف يعلون الذي يحتل المرتبة الثالثة في القائمة الانتخابية لتحالف “أزرق أبيض” المعارض لنتنياهو، في حديث إلى إذاعة “ريشيت بيت” التابعة لشبكة “صوت إسرائيل”، وصف إعلان تل أبيب عن شنها غارات على “أهداف إيرانية” في سوريا بأنه خطأ، موضحا: “سبق أن نفذنا كثيرا من العمليات، لكن دون الاستعجال في الكشف عنها”.

وأشار يعلون إلى أن هذا الإعلان يأتي ضمن الخطوات التي يتخذها نتنياهو من أجل لـ”إنقاذ جلده” من اتهامات جنائية يواجهها في ثلاث قضايا فساد، قائلا إن جميع أجهزة الدولة والقوانين الجديدة التي تسن حاليا تخدم هذا الهدف، وفي نفس السياق جاء قرار نتنياهو بحل الكنيست عندما فشل في تشكيل ائتلاف حاكم بعد تحقيق حزبه “الليكود” فوزا هشا في الانتخابات التي نظمت في شهر أبريل 2019، ما دفع إسرائيل إلى انتخابات جديدة في سبتمبر.

من جانبه، لفت رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان الذي لعب دورا حاسما في فشل نتنياهو بتشكيل حكومة بعد الانتخابات الأخيرة، في تصريح لإذاعة الجيش، لفت إلى أن القيادة العسكرية الإسرائيلية لا تصدر بيانات مثل تلك التي جاءت مؤخرا دون موافقة رئيس الحكومة.

وانتقد ليبرمان هذا الإعلان قائلا: “السياسة الصحيحة ليست دردشة، بل الالتزام بالصمت”.

كما ندد وزير الدفاع السابق بتصريحات مبهمة لنتنياهو وأعضاء آخرين في حكومته تلوح إلى وقوف إسرائيل وراء سلسلة انفجارات هزت منذ منتصف يوليو مواقع للحشد الشعبي العراقي، قائلا إنها “غير ضرورية تماما”.

محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، رون بن يشاي، قال إن “المواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران تتوسع”.

وأوضح بن يشاي: “تركز عمليات إسرائيل ضد أهداف إيرانية في العراق دفع طهران إلى محاولة تنفيذ هجوم غير مسبوق ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية”.

واعتبر أن “القصف الإسرائيلي الذي أحبط هذه العملية والإعلان عنه رسالة من إسرائيل إلى قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، حول ما يمكن أن يواجهه في المستقبل إذا تصاعدت المواجهة”.

وأضاف بن يشاي أن قرار إسرائيل الإعلان عن مسؤوليتها عن الهجوم هدفه ردع الإيرانيين من تكرار محاولات شن هجمات ضدها، ولتوجيه رسالة لإيران عن حجم الاختراق الاستخباري الذي يعانون منه.

لكن المحلل العسكري الإسرائيلي لم يستبعد أن تواصل إيران محاولاتها للانتقام رغم إدراكها لحجم الاختراق الاستخباري في صفوف قواتها، لذلك يرى بن يشاي أن الهجوم الإسرائيلي ليس الكلمة الأخيرة في المواجهة بين الطرفين.

وتابع بن يشاي أن هناك سببا آخر لكشف إسرائيل عن مسؤوليتها عن الهجوم، وهو للكشف لروسيا وللعالم عن مواصلة استخدام إيران الأراضي السورية كقاعدة لتسوية حسابها مع إسرائيل، حتى من داخل مساحة الثمانين كيلومترا التي تعهدت روسيا بأنها ستمنع تنفيذ عمليات ضد إسرائيل انطلاقا منها.

عمر نجيب

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here