العدوان على العراق وانتهاك السيادة

جاسم الحلفي

مهما تعددت الاجتهادات حول مفهوم السيادة الوطنية ومصيرها في ظل المتغيرات التي شهدها النظام الدولي، تبقى هذه السيادة واحدا من أهم أسس تنظيم العلاقات بين الدول وتحديد حقوقها وواجباتها.

صحيح ان مفهوم السيادة لم يبق كما بلوره الفيلسوف الفرنسي جان بودان في اواسط القرن السادس عشر، بأنها سلطة عامة لا تتجزأ ولا تعلوها اي سلطة اخرى، وانها أبدية لا تزول مع زوال حاكم الدولة. لكن ذلك اسهم لاحقا في تضمين مفهوم السيادة في القانون الدولي العام، بعد اقرار معاهدة وستفاليا سنة 1648، التي أنهت الحرب الدينية في اوربا المعروفة بحرب الثلاثين عاما، والتي أقرت مبدأ السيادة بما يكفل المساواة والتكافؤ بين الدول، ويمنع تدخل دولة في شؤون دولة أخرى. كما اقرت حق الدولة في ممارسة وظائفها وصلاحياتها واختصاصاتها داخل إقليمها دون تدخل من أية دولة أخرى.

ونظرا لأهمية مبدأ سيادة الدولة، فقد اعتبر العلماء والمفكرون المعنيون بالقانون والسياسة، ان السيادة هي الركن الرابع للدولة بعد الارض والشعب والحكم.

ويمكن لنا ان نستخلص انه مهما طرأ من تطور على مفهوم السيادة، ومهما تعددت النظريات والآراء في شأن مصيرها، وبروز موضوعة التدخل الانساني، وعدم إطلاق يد الدولة في الشؤون الداخلية كما في الماضي، وتطور العلاقات بين الدول والمتغيرات المصاحبة للعولمة وثورة التكنولوجيا، إلا ان مبدأ السيادة باقٍ بالنظر الى ضرورته في تنظيم العلاقات بين الدول. ولهذا فان مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، ومبدأ الامتناع عن استخدام القوة او التهديد باستخدامها ضد وحدة وسلامة أراضي اية دولة أو ضد استقلالها السياسي، هي موضع اتفاق عام ومما تتضمنه القوانين الدولية. ومن هنا يبرز دور الحكومة في حماية السيادة وصيانة الاستقلال.

وفي خصوص العدوان الاسرائيلي وقصف مخازن اسلحة الحشد الشعبي بطائرات مسيرة، نقول ان الحكومة العراقية، ممثلة بالمؤسسة العسكرية النظامية بكافة صنوفها واشكالها مع القوات الساندة والداعمة لها في الاطار الرسمي، هي حصرا الجهة المسؤولة عن حماية امن وسلامة العراق. ومن نافل القول ان لا تسمح الحكومة العراقية باستغلال ارض البلاد من قبل اية دولة كانت لتخزين اسلحتها الاستراتيجية، وبالتالي لتوفير ذريعة للعدوان على العراق. كما ان السيادة تعني ان لا حق اطلاقا لأية جهة غير الحكومة في عقد اتفاقات عسكرية، وبالتالي فلا حق لاحد في حفظ واخفاء اسلحة عن اعين الدولة. وتعني السيادة ايضا، وكما هو معلوم، ان الدولة هي التي تحتكر امتلاك السلاح.

مما تقدم يظهر انه كان على وزارة خارجيتنا ان تستنفر جهدها في هذا الاتجاه، خصوصا وان للعراق علاقات دولية مهمة، وانه عضو في العديد من المنظمات الدولية والاقليمية، ومنضم الى الاتفاقات والمواثيق الدولية التي تضمن احترام السيادة والاستقلال وحفظ الامن والسلام الدوليين. كان عليها ان تبحث مع الجارة ايران موضوع العلاقات المتبادلة، وان تلزمها بحصر التعاون مع

بلادنا في المجال العسكري بالجانب الحكومي وحده.

كذلك التباحث مع واشنطن حول العلاقة المتبادلة، والتساؤل عن جدوى الاتفاقية الامنية ان لم تستخدم لدرء العدوان عن العراق.

واخيرا يتوجب القول ان حفظ سيادة البلاد والدفاع عنها هما من الامور التي لا تخضع للمساومة او للأمزجة الشخصية، والتي تقع خارج اطار الاختلافات السياسية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here